( 159 ) مدار الأفكار
مكنون القانون
يقول الشاعر العربي :
إذا ما أردت الأمر فأذرعه كله= وقسه قياس الثّوب قبل التّقدّم
لعلّك تنجو سالما من ندامـة= فلا خير في أمر ٍ أتى بالتّنـدّم
إن الإنسان مخلوق اجتماعي بالطبع والفطرة, فهو محب لتكوين العلاقات وبناء الصداقات, وميال للتعارف
والمعاشرة والعيش مع الجماعة, والفطرة السليمة تمج الانعزال التام, وتستهجن الانطواء,وينص الدين
الإسلامي الحنيف على الطبع الاجتماعي للإنسان, ويتجلى ذلك في قول الحق عز ّ وجل ّ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْشُعُوبًا وَقَبَائِلَ ِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
( الحجرات: 13 ), وقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه, ولا يسلمه, من
كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته, ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم
القيامة,ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ), وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه
ما يحب لنفسه ) والمتتبع لكتابات العديد من الفلاسفة يجد أن الإنسان اجتماعي بطبعه فهو لا يمكن أن يعيش
معزو أو منزويا عن بني جنسه, وكما يقول ابن خلدون في مقدمته المشهورة : ( الاجتماع الإنساني ضروري
ويعبر الحكماء عن ذلك بقولهم الإنسان مدني بالطبع أي لابد له من الاجتماع، لان الإنسان كائن اجتماعي
), ويقول الفارابي: ( إن الإنسان مفطور على حاجته للاجتماع، سواء في قوام حياته أو في بلوغه أفضل
كمالاته، فهو لذلك يحتاج إلى أشياء كثيرة لا يمكنه أن يقوم بها كلها هو وحده، بل يحتاج إلى قوم يقوم له
كل منهم بشيء مما يحتاج إليه ) , ويقول الدكتور صالح خريسات : (أن اجتماع الإنسان الأول فرضته
الضرورة وظروف الحياة وفقًا للتشابه الطبيعي بين أفراد النوع، وأن هذا الاجتماع لم يصل إلى درجة الفكر
المنظم، بل بدأ حشدًا تحكمه الحاجة، ثم جماعة تربطهم المنفعة , و الحشد يشير إلى ناحية القرب الجغرافي
الذي يربط بين مجموعة من الأفراد دون أن تكون هناك نية مسبقة لتحشدهم، فإذا قام بينهم تفاعل وتولد
لدى الأفراد الشعور بوحدة التركيب وتبادل المنفعة والمصالح، فإن المجموعة تنتقل من مجرد كونها حشدًا
إلى مرحلة أخرى هي الجمع, (وهي مجموعة من الأفراد تقطن بقعة جغرافية محددة), يحتكم فيها الأفراد
إلى مجموعة من الضوابط والروابط الاجتماعية، التي تساهم في صقل شخصية الفرد وتحديد معالم
سلوكه.واعتمادًا على تلك المعايير الاجتماعية، يمكن الحكم على السلوك السوي وغير السوي بالنسبة إلى
الفرد، فقد يكون السلوك سويًا في مجتمع ما، وغير سوي في مجتمع آخر، لوجود معايير وقيم أخرى
تناقض ذلك, وعليه فإن أفراد المجتمع الواحد، يتميزون بقيمهم وضوابطهم الاجتماعية عن آخرين لا
تشغلهم أو تربطهم هذه الصلات والأنماط والاتجاهات المختلفة، التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع
وجماعاته. لهذا السبب تختلف المجتمعات ويتميز بعضها عن بعض, ويجب أن نفرق بين الجماعة
والمجتمع، فالمجتمع وإن كان يتألف من جماعات مختلفة، إلا أن الضرورة ولكي يصبح مجتمعًا حقيقيًا
تقتضي توافر اكتفاء ذاتي، بحيث لا يتوقف وجود هذا المجتمع على وجود مجتمع آخر, ويحدث مثل هذا في
الجماعة من الناس الذين يحدث بينهم اتصال مبني على شيء من النظام) , ولمّا كان من الضروري أن
يعيش الإنسان في جماعة أو مجتمع من بني جنسه، فإن ذلك يتطلب دخوله معهم في معاملات وعلاقات شتى,
ووجود هذه المعاملات والعلاقات بين البشر يقتضي بالضرورة وجود قانون يحد من حرياتهم ورغباتهم
المطلقة، ويحاول التوفيق بين مصالحهم المتعارضة، ويحسم المنازعات التي قد تثور بينهم, وقد تنبّه علماء
العرب والمسلمين منذ القديم إلى صفة الإنسان الاجتماعية والحاجة إلى وجود وازع قانوني. فنوّه بذلك
الفيلسوف أبو حيّان التوحيدي، والقاضي الماوردي، والعلاّمة ابن خلدون, وجاء في المادة الأولى من مجلة
الأحكام العدلية العثمانية : (إن الإنسان من حيث أنه مدني بالطبع، لا يمكن أن يعيش على وجه الانفراد كسائر
الحيوانات، بل يحتاج إلى التعاون والتشارك ببسط بساط المدنية. والحال أن كل شخص يطلب ما يلائمه
ويغضب على من يزاحمه.فلأجل بقاء العدل والنظام بينهم محفوظين من الخلل، يحتاج إلى قوانين مؤيدة
شرعية),فالقانون ضروري للمجتمع الإنساني كما أن المجتمع ضروري للإنسان، ولا يمكن لأي مجتمع مهما
كان نظامه الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أن يعيش بدون قانون ينظم علاقات أفراده فيما بينهم
وعلاقاته معهم، بل أن درجة رقي أي دولة تقاس بمدى خضوعها للقانون, وبقدر ما تقوم الدولة على أساس
القانون بإخضاع الحكام والمحكومين على السواء لقواعده، بقدر ما توصف بالدولة القانونية , إلا أن البعض
يحاول تفصيل القوانين وفق أهوائه وميوله ومصالحه الشخصية .
يا مشرّع القانون لا تهمـل العـام= ولا ترهّمه من شأن صالحك ترهيم
ترى الخفـي لابـد تبديـه الأيـام= وفي منهج الإسلام خيـر التعاليـم
الإهداءات
مكنون القانون ؟ 
العرض العادي
المواضيع المتشابهه الموضوع: مكنون القانون ؟ 
