شبكة الشموخ الأدبية

شبكة الشموخ الأدبية (http://www.alshmo5.com/vb/index.php)
-   منتدى القصص والروايات (http://www.alshmo5.com/vb/f14.html)
-   -   ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي) (http://www.alshmo5.com/vb/t35454.html)

سارا 03-04-2012 03:05 AM

ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي)
 


الســلام عليكــم ورحمـة الله وبـركــاتــه ..

يتبـع ..ديمي حب أول (الجـزء الثــاني)



قالت ، وعيناها على عيني :

ـ هل هناك مكان للتسامح والحب في الإسلام .. ؟

طأطأت رأسي ، وتذكرت أني لابد أن أديم النظر إليها وأنا أحدثها ، مجيبا على سؤالها . هكذا هو العرف

في ثقافتها ، و إلا كنت قليل أدب ، ومحتقر للطرف الآخر ، الذي أتحدث معه . يا إلهي ماذا أصنع ؟ لقد

أصبح النظر إليها يعذبني مرتين . يعذب قلبي ، الذي تاه في فضاءات وجهها ، الذي أبدعت قدره الخالق

في تصويره ، ويعذب نفسي التي تعلم أنها ترتع في حرام .

يا إلهي ساعدني فإن قدمي تزل : هل أطيع نفسي وشيطاني ، الذي يتمسح بالعرف في ثقافتها ..

وبالدعوة . أم أطيع نداء ضميري ، الذي يقول لي ، بل يصرخ بي :

” إنك في دروب الغواية سائر ” ؟ هل حقا يعنيك أن تحدثها عن الإسلام ..؟ أم يعنيك أن تتلذذ برؤية مواقع

الجمال في وجهها العاجي الصغير . تطل على وجنتيها المتوردتين ، ثم تتأمل هاتين الشفتين القرمزيتين ،

ثم تبحر في عينيها الزرقاوين “. ظنت أني حينما طأطأت رأسي ، وأطلت السكوت ، أنها قد أساءت لي

بسؤالها ، فقالت :

ـ أنا جد آسفة ، لم أتعمد أن أسئ إليك ، ولم أقصد أن انتقد الإسلام ، أو اتهمه بشيء .. ربما كان يجب أن

أقول : كيف ينظر الإسلام للحب والتسامح ، مقارنة بثقافات أخرى .. ؟ أو ربما كان سؤالي سخيفا تماما ،

ولا معنى له …

رفعت رأسي فالتقت عينانا . كان الشعور بالحرج ، والاحساس بالذنب ، قد صبغ وجهها بحمره ، فاستحال

إلى شئ آخر مذهلا . عيناها انكسرتا بتذلل ، فأضافتا إلى ذلك كله مشهدا استولى علي ، فقلت بألم

ظاهر :

ـ ديمي يكفي ..

فاستعبرت .. وقالت بصوت يتهدج :

ـ سامحني ..

ـ أنت لم تفعلي أي خطأ .. أنا فقط كنت أفكر بالطريقة التي أجيب بها على تساؤلاتك .

كان مستحيلا أن تستمر عيناي معلقتان بوجهها . أي تبرير سيكون خداعا وغشا ، لا علاقة له بدعوة ، أو

بتأليف قلب .. قلت لها :

ـ ديمي هل تسمحين لي أن لا أطيل النظر إلى وجهك .. ؟ هناك مبررات لها علاقة بثقافتي .. وهي قطعا

لا تنطوي على أي مضامين سلبية .. قد تأتي مناسبة أخرى ، وأوضح لك لماذا . وافقت .. وبدأت الحديث ..

حدثتها عن التسامح كقيمة من قيم الإسلام الكبرى ، كما دلت على ذلك النصوص من القرآن والسنة .

وعرضت لمواقف الرسول صلى الله عليه وسلم ، كتطبيق عملي لتلك النصوص . موقفه صلى الله عليه

وسلم من قريش يوم فتح مكة ، حينما قال لهم : “اذهبوا فأنتم الطلقاء” . وأخذتها في سياحة في تاريخ

أمتنا العريق .

كنت بين وقت وآخر ، اختلس نظرة لوجهها ، لأرى وقع كلامي عليها . كان التأثر باديا عليها ، لكن لم أكن

أعلم يقينا ، هل ذلك بسبب ما أقول ، أم تفاعلا مع صوتي ، الذي بدا مجهدا ، حزينا ، وأحيانا متوسلا .. أن

تقول : آمنت بدينك واتبعت الرسول (صلى الله عليه وسلم) ..

أم تراها أشفقت علي .. و هي ترى وجهي قد شحب ، حتى خلت أن الدم غاض منه ، وفاض في محياها

، الذي يزداد جمالا كلما ، ازدادت ألما ..

سكت .. ثم نظرت إليها ، وقلت :

ـ هذا ما لدي ..

ـ عظيم .. رائع ، ماذا عن الحب .. ؟

ـ آه الحب .. لم لا نؤجل ذلك إلى وقت آخر يا ديمي .. ؟

كنت أريد أن ارتاح ، أن أضع حدا لهذا الأمر ، الذي لا أراه يقودني إلا إلى متاهة .. كلما سرت فيها ..

أغرتني في التوغل أكثر . “ما أنا ولهذه المرأة ” ” أقول لنفسي . إن كانت تريد الإسلام ، فقد حصلت على

ما يضع قدمها على الطريق إليه ” .

لماذا وقت آخر ..؟ لم لا أقول لها لا وقت لدي ، فكري بما تحدثنا به ، واتصلي بالمركز الإسلامي لمزيد من

المعلومات . هل أعترف بعجزي ، بل خوفي من أن أقول لها ذلك ..؟

لا .. لا أظن إلا أنني سأتوقف عند هذا الحد ، قبل أن أصل لمرحلة أكون فيها عاجزا عن فعل أي شئ

تماما ..

قطعت حبل أفكاري و قلت :

ـ ديمي .. أنا بحاجة إلى أوراقي في أقرب فرصة ، ليس لدي وقت كاف لتغطية المقرر ، والامتحان كما

تعلمين بعد ثلاثة أيام ، ولدي امتحانات أخرى ..

ـ عفوا ،يبدو أني أضعت وقتك ، و أزعجتك جدا بتصرفاتي الحمقاء ، لم أدرك كم أنت مشغول ومتعب …

قالت معتذرة .. ثم أضافت :

ـ ما رأيك لو نذاكر مقرر الدكتور اندرسون .. (مناهج البحث) معا 0 أستطيع أن أنفعك كثيرا في الإحصاء ،

بحكم دراستي لعلم النفس .. و أنت ستفيدني في النظريات ، وهو ما لاحظته ، من خلال تعليقاتك المهمة

على محاضرات دكتور فريدمان .

يا إلهى هل أنا بحاجة لعرض مثل هذا ..؟

قلت لها :

ـ لا .. لا أظن أني سأفيدك .. فأنا طريقتي في الدراسة متعبة ، لمن لم يعتد عليها ..

ـ كما تشاء .. أين ستكون الليلة لأحضر لك أوراقك ..؟

فاجأني سؤالها ، فقلت :

ـ آه … الليلة سأذهب لشراء بعض الأغراض الشخصية من مركز (رينبو كلر مول) 0 ردت بسرعة :

ـ جيدا جدا ، المكان قريب من حيث أسكن ، متى ستكون هناك ..؟

ـ بين السادسة والسابعة ..

تعمدت أن لا أعطيها وقتا محددا ، حتى أجعلها تغير رأيها في شأن مقابلتي ، رغم حاجتي الماسة

لأوراقي .. قالت :

ـ ما رأيك لو نتقابل الساعة السابعة وعشر دقائق في مقهى (الكيف دوماسيه) في الطابق الأول ، على

يمنيك وأنت خارج من المصعد ؟

اتفقنا على المكان والوقت .. وانصرفت ، لتتركني مع همومي وأوجاعي ، التي صارت تتضاعف بعد كل

لقاء أراها ، وأحدثها فيه ..

ألقيت بيدي على جانبي الكرسي ، وأسدلت رأسي على كتفي ، وتنفست نفسا عميقا . لم ْأنتبه إلا على

صوت (مارك) ، شريكي في المكان ، الذي انتشلني من حالة تفكير عميق ، استرسلت فيه .. قال :

ـ لابد أنه كان موضوعا ساخنا ..؟

ألتفت إليه ، وتذكرت أني نسيت كل شئ ، حين حضرت ديمي ، بما في ذلك مارك الذي يزعجه أي شئ .

قلت مجيبا على سؤاله ، الذي لا يخلو من خبث :

ـ لا بد أنك تحملت كثيرا يا مارك ، فمعذرة ..

حاولت العودة إلى دروسي مرة ثانية ، لكن أنّى لي ذلك . قلبت الكتاب مرة ، ومرتين ، وثلاث ، دون

فائدة . أصبح رأسي مملوءا بها . بوجهها .. وبصوتها .. واليوم أضيف إلى ذلك بكاؤها ، وعبرتها .. إذ تخنق

صوتها المتهدج .. فتحيله إلى شيء خرافي …

الساعة تقترب من الواحدة .. لم يبق على صلاة الظهر كثيرا . فكرت أن أذهب إلى المركز الإسلامي ،

أقرأ شيئا من القرآن ، وأصلي الظهر جماعة ، مع من يكون موجودا من الإخوة . لا شك أني سأرتاح مع

كلام ربي ، وفي بيت من بيوته ، ومع اخوة لي ، تذكرني بالله رؤيتهم ..

هكذا قلت لنفسي ، وأنا أجمع كتبي وأوراقي ، وساعتي الممددة على الطاولة . عندما حملت أوراقي ،

وشرعت بالمسير رمقت مارك بنظرة ، فبادرني قائلا :

ـ الإنسان يحتاج إلى الراحة والهدوء ، بعد كل مرة يلتقي بواحدة منهن ..

ـ ماذا تقصد ..؟

ـ النساء طبعا .. لذلك تراني قد تخلصت من هذا الصداع . أنت شاب .. أنا أفهم ذلك ، لكن حاول أن تتلافى

مثل هذه الأشياء .. في فترة الامتحانات على الأخص ..

ـ شكرا مارك ..

قلت ، وأنا استدير منصرفا ، ثم تمتمت في نفسي :

الأمر أكبر مما تتصوره ..

وصلت المسجد .. قرأت ما تيسر ، وصليت . لكن .. لم يكن هناك مجال للحديث مع أحد . الكل مشغول

بالامتحانات . صحيح أنني أكثر راحة من ذي قبل ، لكني أشعر بالم في داخلي . خرجت من المسجد ، و

توجهت إلى منزلي . حين دخلت ، رميت بكل شيء على طاولة الطعام ..عند المدخل ، و وجدت صعوبة في

خلع حذائي . سحبت نفسي و تهالكت على الأريكة في الصالة .

حينما تغشاني النعاس .. و بدأ جسمي يفتر .. دق الهاتف ، رفعت السماعة ، فجاءني الصوت ناعما ..

يقول :

ـ هذا أنت

قلت بإحباط :

ـ ماذا ..؟

ـ أوه .. آسفة لابد أنه رقم خطأ .. !

للحظة داخلني ألم شديد ، ظننت أنها هي ، وسيطر علي هم واحد ، كيف عرفت

رقمي ..! سحبت سلك الهاتف ، ورميت بنفسي على فراشي . أريد شيئا واحدا .. أريد أن انساها .. لعل

الله أن يلهمني شيئا في منامي ، يخلصني من هذا البلاء .

نمت نوما عميقا لساعتين أو اكثر . هذه أول مرة أنام فيها .. منذ تعرضت لي هذه

( الساحرة ) ، دون أن تكدر أحلامي الكوابيس . استيقظت وصليت العصر ، ووقفت طويلا بين يدي خالقي .

غدا الجمعة يوم مبارك ، وفيه ساعة استجابة . سألح على ربي بالدعاء ، ففي قلبي من تلك المرأة شئ

كثير ، رغم أني أدعي خلاف ذلك . لن أذهب إلى المكتبة ، أو إلى أي مكان آخر . لقد صار يخيل لي أنها

ستطلع لي في كل مكان .

تناولت كتاب الإحصاء ، وبعد قليل وجدت أن لا فائدة من معالجة هذا الإحصاء اللعين . كيف يقول عبد العزيز

، عن هذه المادة الكريهة ، أنها رياضة العقل ..؟! رياضة ..؟! هذا تمحك بالكلام لا معنى له . أليس عجيبا أن

تتمكن ديمي من هذه المادة الثقيلة المعقدة ، وهي الفتاة اللعوب ، التي أقرب ما تكون للدمية البسيطة

، المعدة لكل أنواع الترفيه واللعب ، منها إلى ( كائن ) مهيأ للتعامل مع مسائل عقلية جامدة ..؟

كيف يجتمع وداعة ورقة ديمي .. وتعقيد الإحصاء وثقل ظله ..؟ هل هذه من نبوءات الشاعر العربي القديم

، الذي قال :

ضدان لما اجتمعا حسنا …. والضد يظهر حسنة الضد .

إذا كان حسن ديمي أمر مفروغ منه .. أين الحسن في الإحصاء ..؟ آه … يبدو أن هذا الإحصاء سيحولني

فيلسوفا .

رياضة ..؟ سامحك الله يا عبد العزيز ..

هل قلت رياضة …؟! وجدتها .. سأتصل به ، يا رب ليته يكون موجودا .

ـ ألو .. السلام عليكم ، كيف الحال يا رياض ، هل أزعجتك ..؟ جزاك الله خيرا .. وأنا كذلك آنس بسماع

صوتك .. لدى مشكلة بسيطة … لا .. مجرد أزمة مع مادة الإحصاء .. وحيث أن سلطتك عليها نافذة ، فإني

آمل أن تنصفني منها …! شرط .. ما هو شرطك ..؟ الله أكبر… أنت أروع من أحتكم إليه .. تمكنني من

عدوي الإحصاء ، وتعشيني كبابا ، سآتيك خلال دقائق .. هل أحضر معي شيئا .. غير الإحصاء طبعا .. ثلج

وكولا ..؟ حسنا مع السلامة ..

شكرا يا عبد العزيز لولا كلمتك (رياضة) ، لما تذكرت رياض …

ربي .. هل هذه بوادر النصر على الشيطان … على الهوى .. على فتنه ديمي ، التي تكاد تسحب

قدمي ..؟ ربي إن موعد لقاءها يقترب ، وأنا أقاوم .. ما دمت بعيدا عنها ، لكني حالما أراها تغلبني

نفسي .. ، ما يعذبني يا ربي ، أن كل هذا يحدث باسم دعوتها إلى الإسلام . ربي كانت نفسي تحدثني

أن ألجأ إلى ديمي لتساعدني في الإحصاء ، فلجأت إليك ولم تخيب رجائي ، ربي الوقت يمضي

بسرعة .. فكن معي يا ربي .

قضيت وقتا ممتعا مع رياض . شاب من خيره الاخوة أدبا ، وخلقا ، وعلما . متزوج وأب لطفل .. شعرت بحرج

، إذ لم أكن أعلم بأن زوجته قد عادت من بلدها ، بعد أن اضطرت لملازمة والدتها المريضة لفترة من الوقت

، بقى رياض خلالها لوحده .

قلت لرياض معتذرا :

ـ لقد سطوت على وقت غيري .. فلم أكن أعلم أن الأهل قـد عادوا .

قال بروح الدعابة ، التي لا تفارقه :

ـ لقد رأت أم الحارث ، يعني زوجته ، أن نتعشى معاً يوما دون يوم ، حتى توطن نفسها على طبيعة الحياة ،

بوجود زوجة ثانية .

قلت له مازحـا :

ـ اعتقد أنها ضحكت عليك ، ما دامت المسألة مجرد فكرة .

ـ لا … فأنا اتبع معها سياسة الخطوة خطوة . لقد كسرت الحاجز النفسي ، تجاه وجود امرأة ثانية معنا ،

أي (حقها في الوجود) ، نحن الآن في مرحلة التطبيع ، أي إمكانية التعايش في مكان واحد ، أي تحت

سقف مظلة (إقليمية)..، أقصد بيت واحد … !

ضحكنا ، ثم أضاف :

ـ يحسن بنا أن نغير الحديث ، فالحلا و الشاي لم يصلا بعد من عند أم الحارث ، ولا نريد أن نقع ضحايا

مقاطعة من أي نوع .

شرح لي رياض الإحصاء كأحسن ما يكون ، وأحسست أن مغاليق المادة فد انفتحت لي ، وانزاح عن

صدري عبء كبير …

صلينا المغرب ، وأكرمني رياض وأم الحارث بكأس من الزنجبيل . كنت ساكنا جدا ، وأنا أحمل الحارث

لأقبله ، استعدادا للخروج . طعم الزنجبيل الدافئ اللذيذ ، وابتسامة الحارث العذبة ، وعبارات الود

والمجاملة ، التي أغدقها علي رياض ، هي آخر ما كنت أظن أني سأحمله معي من هذه الأمسية

الجميلة .

كنت أنظر إلى ساعة الحائط ، التي تشير إلى السادسة والنصف ، حينما وضعت الحارث بعد أن طبعت

قبلة على جبينه ، و كنت .على وشك أن أهم بالخروج ، عندما قال لي رياض ، بدون مقدمات :

ـ مصعب .. ألم تفكر في الزواج ..؟

امتقع لوني وارتبكت .. قلت في نفسي : (هل تراه لاحظ علي شيئا .. هل رآني معها .. ؟) أجبت ، وأنا

أحاول أن أبدو طبيعيا :

ـ تكلمت مع الوالدة بهذا الشأن ..

قال ضاحكا ، وهو يضغط على يدي :

ـ إذن الإشاعة التي تقول أنك ستتزوج أمريكية ليست صحيحة ..؟!!

جف حلقي ، ونظرت إليه بشك ، وقلت بصوت متقطع :

ـ إشاعة .. أية إشاعة ..؟

ضحك وقال :

ـ رأيتك أنا و عبد الرحمن ، تتحدث مع العميدة كارولين ديفز ، عميدة شئون الطلبة الأجانب .. فقال عبد

الرحمن ، لو يضحي مصعب ، ويتزوج هذه العجوز ، لقدم خدمة عظيمة لجمعية الطلبة المسلمين .

شعرت كأنما سكب علي ماء بارد ، ولم أحس بشيء من حولي سوى يد رياض ، التي ما زالت ممسكة

بيدي ، و صدى ضحكته المجلجلة ، التي أطلقها بعد تعليقه الساخر ، على حديثي مع عميده الطلاب

الأجانب .. ابتسمت ابتسامة مرة ، وأنا اسحب يدي من يده مودعا كنت وأنا أجر خطواتي ثقيلة إلى

السيارة ، أحس كأني ناهض الساعة من فراش المرض . لقد أرعبتني يا رياض بمزحتك الثقيلة ، كيف لو

كان التي رأيتموني أحدثها تلك ( الساحرة ) ، هل كنتم ستقولون يقدم خدمة جلى للإسلام ..؟! هل

ستكون الإشاعة ، (التي ما كانت) .. أنني سأتزوجها .. أم شيئا آخر ..؟

على أية حال (جاءت سليمة) ، كما يقولون في الأمثال . هل هذا إنذار لي من ربي بأنه مازال يستر علي

، رغم إصراري على فضح نفسي . يا ربي ساعدني ، فإني أشعر أني ازداد ضعفا كلما ازداد الوقت

اقترابا .

وصلت (الكيف دوماسيه) متأخرا عشر دقائق ، وكنت أمني نفسي أن لا أجدها ، بعد هذا التأخير . حينما

وضعت قدمي على مدخل المحل ، رأيتها جالسة على إحدى الطاولات . كنت عازما على أن لا أنجر معها

في أي حديث ، أن آخذ أوراقي وأمضي .

لم يبد أنها متضايقة من تأخري ، بل إنها بادرتني ، بعد أن وصلت إليها ، بالتحية والاعتذار ، قائلة :

ـ أنا آسفة ، لقد تأخرت عليك ، لقد وصلت الآن .. لعلك جئت ولم تجدني على الموعد الذي اتفقنا عليه ..؟

لم تكن صادقة ، فالقهوة في كوبها باردة ، ولم يبقى منها إلا أزيد من النصف بقليل ، وكان واضحا أنها

وصلت إلى هنا على الموعد ، أو ربما قبله بخمس دقائق ، لكنها أرادت أن تلطف الجو بهذا التبرير

المهذب ..

قلت :

ـ لا .. أنا الذي تأخرت ، لارتباطي بموعد سابق .. أنا آسف .

ظللت واقفا ، بانتظار أن تعطيني أوراقي لأنصرف ، لكنها لم تفعل ، بل قالت :

ـ ألا تجلس ..؟

ـ أنا مستعجل .. ومشغول كما تعلمين .

نظرت إلى نظرة ملؤها استعطاف ، وقالت :

ـ لقد طلبت لك كوب قهوة ، وأعدك .. لن يكون هناك أحاديث ، من أي نوع ..

جلست دون أن أتكلم .. جاءت القهوة ، قالت :

ـ دعني أخدمك .. ما مقدار السكر ..؟

ـ مكعبين ..

ـ حليب ..؟

ـ نعم ..

خفقتها بالملعقة ثم قدمتها لي .

ـ شكرا ..

خيم علينا الصمت ، أكره مثل هذه المواقف .. لكن ماذا أصنع ، لا أستطيع أن أتمادى اكثر ، العلاقة تنحو

في اتجاه لم أعد أسيطر عليه ، مهما بررت لنفسي نبل الغاية . شعرت هي بالإحراج .. قالت :

ـ أطلب لك شيئا تأكله .. أنا سأطلب لنفسي (كروسون) ..؟

ـ لا .. شكرا ..

قالت ، محاولة دفعي للكلام :

ـ كيف الإحصاء ..؟

ـ ممتاز ..

ـ حقا .. هذه أخبار سارة ، كنت أنوي أن أعرض المساعدة .

ـ أحد الأصدقاء ساعدني ..

ردت بلهجة لا تخلو من الغيرة :

ـ لابد أنها صديقة خاصة ..

أجبت بحزم :

ـ إنه صديق ..

خجلت .. و قالت :

ـ من بلدك .. ؟

ـ نوعا ما .. إذا اعتبرنا الوطن العربي الكبير بلد واحد ..

علقت .. وهي تفرج عن ابتسامة مترددة :

ـ هذا الكلام كأنه سياسة ، وأنا لا افهم في السياسة كثيرا ..

ابتسمت ابتسامة باهتة ، دون أن أعقب ، ونظرت إلى ساعتي ، ففهمت ما اقصد .. فقالت :

ـ تريد أن تذهب ، كنت قد نويت أن أدعوك إلى مطعم (هاي رووف) .. إنهم يقدمون عرضا خاصا ، ليلة كل

جمعة

ـ .. يؤسفني أن لا أكون قادرا على تلبية دعوتك ، فقد تعشيت عند أحد الأصدقاء قبل أن آتيك .. كما أني

مشغول كما أخبرتك من قبل ..

ثم أضفت ، محاولا تعزيتها لرفضي دعوتها ، وتعاملي معها بهذه الطريقة الرسمية جدا :

ـ تستطيعين أن تذهبي الليلة وحدك .. وآمل أن تتاح لنا الفرصة معا .. مستقبلا ..

رأيت الانكسار والخيبة على وجهها ، وهي ترد علي بأسى :

ـ العرض مفتوح لشخصين فأكثر فقط .. وعلى أي حال ، لن أموت جوعا في هذه المدينة المليئة بالمطاعم

الرديئة ، التي تفتح أبوابها باستمرار ، للخائبين أمثالي …

نهضت .. و توجهت لأدفع ثمن القهوة و الكروسون ، الذي لم تأكله .. رمقتني بنظرة عتاب ، و قالت :

ـ أنت ضيفي .. رغم اني مضيفة ثقيلة الظل ..

طأطأت رأسي ولم أرد . دفعت ثمن القهوة ، ثم اتجهنا معا إلى مواقف السيارات ، دون أن يحدث أحدنا

الآخر . شعرت بتأنيب ضمير على هذا الجفاء ، الذي عاملتها به ، وقبل أن نفترق ، كل إلى سيارته ، التفت

إليها ، و قلت :

ـ ديمي سامحيني ..

نظرت إلي بعينين تفيضان بالألم .. وقالت :

ـ لا شيء ألبته ..

حينما ركبت سيارتي انتبهت إلى الكيس الذي حملني إياه رياض ، والمملوء بما بقى من عشائنا .

أسرعت بالسيارة في اتجاهها ، وحينما حاذيتها ناديتها :

ـ ديمي ..

التفتت ، وكأن صوتي هاتف نزل عليها من السماء . كانت تبكي ، فانقبض قلبي ، لكني تحاملت ، وقلت :

ـ معي طعام لذيذ جدا ، يحتاج إلى تسخين فقط ، اعتبريه اعتذارا غير كامل ، على تصرف فج ..

إنداحت على صفحة وجهها دوائر من السرور ، فأخذته ، وهي تقول :

ـ اقبله .. ليس على إنه اعتذار .. إنه شيء أكثر من ذلك .. طابت ليلتك ، وأمل أن يحالفك التوفيق في

امتحاناتك .. إلى اللقاء يوم الاثنين ، في امتحان الدكتور اندرسون .

في أعماقي لم أكن مرتاحا للطريقة التي تم بها اللقاء ، نفسي تنازعني إليها ، فكرت أن اعتذر لها يوم

الاثنين . لكن عن ماذا .. يقول لي عقلي هذه المرة .. ؟ .

وساوس النفس والشيطان تقول لي : (قد تأثم بتنفيرها من الإسلام) . في قرارة نفسي أعلم أنه الهوى

والرغبة فيها لذاتها ، وإن كان مع حظ النفس شيئا للإسلام ، فلا بأس . لو كان رجلا ، أو حتى امرأة قليلة

الحظ من الجمال ، اكنت تتعب كل هذا التعب ..

اكنت تلوم نفسك .. كل هذا اللوم .. ؟

حين وصلت البيت كان الصراع داخل نفسي قد بلغ مني مبلغة ، بكيت .. بكيت كثيرا ، بكيت حينما تذكرت ،

أنني الليلة حدثتني نفسي أن أضع يدي في يدها ، و أقول لها وداعا . داهمني شيطاني بفكرة أن

ملامسة يدي لكفها ستطفئ هذه النيران المشتعلة في جوفي ، وأن الرغبة المتقدة في داخلي ستخبو

، بمجرد أن أحس بنبضها ينتفض في كفي ..

نحن هكذا نتوتر أمام كل تجربة جديدة ، أو مغامرة مجهولة .. كان هذا حديث نفسي ..

” كف يا شيطاني ” . هذه آخر صيحة دوت في داخلي ، حينما تراجعت عن تلك الفكرة السيئة .. في تلك

اللحظة أيضا .. تذكرت (خالد) ، عندما قرأ سورة النازعات ، يوم صلى بنا العشاء قبل أسبوعين 0 تذكرت

خالد ، عندما عجز عن إكمال السورة لأكثر من عشر دقائق .. بعد أن غلبه البكاء وهو يقرأ :

” وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ”

ظل خالد يرددها ويغلبه البكاء 0 لم أبك في حياتي مثل تلك الليلة 0 كان صوت خالد الندي يكاد يتشقق

عندما يصل إلى قوله تعالى : “مقام ربه” .

يا لهول الموقف .. ثم حينما يصل إلى :

“ونهى النفس عن الهوى” .. يخيل إلى أن كل ما فيه يبكي . كنت أبصر جسده كله يرتعش ، لحظة ينطق

لسانه بكلمة الهوى . يشرق بالدمع ثم ينتحب نحيبا يصدع الجبال الصم . وعندما جذب من أعماقه الآية

التي تليها :

” يسألونك عن الساعة ” شهق شهقة حسبت روحه تخرج معها .

خالد رجل رباني ، بكاء ، يستشعر الموقف بين يدي المولى سبحانه . وإذا بكى ، وكثيرا ما يفعل ، يذيب

جلاميد الصخر . آه يا خالد ليت لي قلبك .. ليت لي رهافة إحساسك . ليته لي .. حتى أخاف مقام ربي ، و

أنهي نفسي عن الهوى . ليت لي .. حتى أكون كما قلت :

من استشعر الموقف هان كل شئ من أمر الدنيا في عينيه .. حتى لو كانت ديمي بكل فتنتها وإغوائها .

مر علي ساعتان وأنا على هذه الحالة ، بكيت حتى خلت أني اغتسلت كلي بدموعي . أحسست أن

الدمع الحار ، الذي سال غزيرا من مآقي ، قد غسل كل العناء في قلبي ، صليت خلالها العشاء ، كما لم

أصلى مثل تلك الصلاة في حياتي . شعرت كم تكون الصلاة لذيذة حينما يكون القلب مشرعا لنداء السماء

، وكم تكون الصلاة ذات معنى حينما لا تستشعر حولك إلا الموقف .. والصحف تتطاير .

يا الله أي عالم علوي كنت تسبح فيه يا خالد ، وأنا أطارد سرابا .. وهما .. شيطانا . أأبلغ ما تبلغه ، وأنا

ألهث خلف المحسوس ، الفاني الذي سيأكله الدود ، قبل أن يخالطه التراب ، وأنت الذي تحلق في اللا

محسوس ، في السرمدي .. في تلك الآفاق النورانية .

ما الجسد يا خالد إلا امتداد للدوني ، للحضيض ، للأرضي ، لذلك حري به أن يجعل من يتطلع إليه ، ويلبي

رغباته أن يلتصق بالأرض ، لماذا .. ؟ لأنه انسلخ من العلوي ، واتبع هواه .. اتبع هواه يا خالد .. فكان

ماذا ..؟ كان من الغاوين .. ولم يكن من الدعاة الهداة .. رحماك يا رب .

مرت أيام نهاية الأسبوع سريعة وعادية 0 ذاكرت جيدا ، حيث لم أغادر البيت إلا قليلا … أوقات الصلوات

فقط . مطعم أبو أيمن السوري قدم لي حلا مثاليا ، من خلال وجبة المقبلات والمشويات اللذيذة ، التي

تكفل بإيصالها ، دون مبالغ إضافية ، إلى المنزل . وهي معاملة خاصة للملتزمين ، كما يقول أبو أيمن ،

الذي يشعر بعظيم الامتنان لهم ، لحفظهم أبناءه وأبناء المسلمين ، من خلال المدرسة التي تشرف عليها

جمعية الطلبة المسلمين ، والمعسكرات التربوية التي تقيمها .

سارا 03-04-2012 03:08 AM

رد: ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي)
 




غدا الاثنين امتحان الدكتور اندرسون لمناهج البحث ، أشعر أني مستعد له جيدا ، فقط احتاج أن أنام

مبكرا ، لاستيقظ نشيطا .. سأصلي وتري أول الليل وأنام .

الاثنين يوم مبارك ، قررت أن أصومه ، فالجو بارد ، وعملا بالسنة ، وتحسبا لمفاجآت لا أعلمها . والصوم كما

قال صلى الله عليه وسلم (وجاء) ، وأنا لا احتاج الوجاء و (الحماية ) ، كما أحتاجها في هذه الأيام ، وفي

امتحان الدكتور اندرسون بالذات .

بقى على الامتحان نصف ساعة ، حينما عزمت على التوجه للجامعة . لم أتوقع أن يكون الثلج بهذه

الكثافة ، لحظة ألقيت نظرة من النافذة ، و الثلج يتساقط ، و ارتأيت أن أصلى الفجر في شقتي . بدأت

أزيح الثلج عن طريق السيارة ، وحينما انتهيت ، و ظننت أن الطريق سالكه ، اكتشفت أن إحدى العجلات

معطوبة . ليس اتساخ الأيدي ، و الملابس ، وبرودة الجو ، هو المزعج فقط ، في مثل هذه المواقف ..

لكن أن يكون بانتظارك ، بعد كل هذا امتحان . ما أن بدلت الإطار المعطوب بآخر صالح ، وحاولت تشغيل

السيارة ، حتى باءت محاولاتي بالفشل ، ثم أكتشف في الأخير ، و يا للسخرية .. أن السيارة فارغة من

الوقود .

وصلت قاعة الامتحان متأخرا عشرين دقيقة ، استقبلني الدكتور أندرسون بابتسامة عريضة ، وهو يشير

لي بأن آخذ مقعدا . اندفعت إلى داخل القاعة ابحث لي عن مكان ، ولم انتبه إلى أحد الطلبة ، الذي قد

مد رجليه أمامه ، فعثرت ووقعت على وجهي وتناثرت أشيائي . حينما استقريت في مكاني أخيرا ، رأيت

الدكتور اندرسون ما زال مبتسما . قلت معتذرا :

ـ هذا اليوم ليس لي يا دكتور اندرسون .

رد مازحا :

ـ لابد أنك كنت تجرف الثلج ، أو أن إطار سيارتك قد تنسم هواؤه …

وهذه هي الأعذار التي يسوقها الطلاب عادة ، حينما يتأخرون .

قلت :

ـ إنك لن تصدقني يا دكتور اندرسون ..

ـ ماذا .. ؟

ـ بالإضافة إلى ما ذكرت ، فقد اكتشفت أن سيارتي قد نفد وقودها ..

أطلق ضحكة مدوية ، وقال :

ـ لن يغلبك أحد يا مصعب .. ويأتي بمثل ما جئت به

شرعت بالإجابة على الامتحان ، لكن القلم لا يكتب . يخط حرفا أو اثنين ، ثم يمتنع . عالجته بشتى الطرق

دون فائدة . استنتجت أني حينما تعثرت برجلي الطالب ، و وقعت ، والقلم في يدي ، ضربت ريشته الأرض

فانثلمت .

لاحظ الدكتور اندرسون حيرتي فجاء مستفهما . فأخبرته بمشكلة القلم ، وسألته أن يعيرني قلمه ، فذكر

لي أنه اعارة لطالب آخر .. نسي قلمه .

قلت للدكتور اندرسون :

ـ ألم أقل لك أن هذا اليوم ليس لي ..

ابتسم ، وقال :

ـ لا عليك سنحل المشكلة ..

سأل الطلاب إن كان هناك أحد معه قلم آخر ، يمكن أن يعيره لشخص ، يبدو أنه نثر الملح من فوق طاولة

الطعام . وهو اعتقاد شعبي بين الأمريكيين ، تقوم فكرته على أن من يكب الملح ، يلازمه النحس طيلة

يومه .

لم يرد أحد من الطلبة ، رغم تكرار السؤال ، إذ قليل من الطلاب من يحمل معه أكثر من قلم . كان الدكتور

اندرسون على وشك أن يطلب مني أن أغادر القاعة ، لأبحث لي عن قلم ، حين ارتفعت يد أحد الطلاب

في أول القاعة . قالت الطالبة :

ـ عندي حل بدائي ، لكنه ينفع في مثل الظروف ..

ثم قامت بكسر قلمها المرسم إلى نصفين ، وبرت أحدهما ، و أعطته للدكتور اندرسون ، الذي أعطاني

إياه بدوره ، وقال مازحا :

ـ لا أعتقد أن أحدا تشاركه الآنسة ديمي بمرسمها ، يمكن أن يقول هذا اليوم ليس لي ..! إنها ديمي إذن ،

يدفعها القدر من جديد في طريقي ، ماذا يخبئ لي هذا اليوم من مفاجآت ..؟ تطاولت ، وبهزة من رأسي ،

وابتسامة خفيفة ، شكرت ديمي .

كان متوقعا أن ينتهي الوقت ، قبل أن انتهى من الإجابة على جميع الأسئلة . لم يبق إلا أنا والدكتور

اندرسون ، الذي قال :

ـ أنا مضطر أن أغادر ، عندما تنتهي أعط ورقة الإجابة لسكرتيره القسم ..

لاحظ أني محرج ، فقال :

ـ لا داعي للحرج .. فأنا أثق بك .

هذا التعامل ينعدم في بلادنا مع الأسف ، حيث الأمانة صارت نادرة ، وقيم الثقة ، أحيانا غير موجودة .

دائما أسال نفسي ما الذي يبقى هذا الوحش الأمريكي الجبار ، رغم مظاهر الظلم والفساد الكثيرة

المنتشرة فيه …؟ إنه قطعا ، ليس القوة المادية المجردة وحدها . فالله سبحانه قد قص علينا أحوال أقوام

اشد قوة ، أهلكهم ، (فهل ترى لهم من باقية) ..؟ . إن مثل هذه القيم ، وأخرى يطول الحديث عنها ، هي

التي مازالت تحافظ على الإمبراطورية الأمريكية من الانهيار .. حتى يأتي أمر الله .

لماذا عدمت مثل هذه السلوكيات الجميلة في مجتمعات المسلمين ..؟ ألا يكفيها التخلف المادي الذي

يطبق عليها ..؟ لماذا لم يبق مسموعا سوى صوت النفاق .. وصار الإسلام ، الذي هو مصدر هذه الفضائل

جميعها ، مطية يركبها كل أفاك ، ليحقق من خلالها أهدافه ..؟ كل همه أن يملأ جيبه ، ويشبع بطنه و .. و

أشياء أخرى . صار الإسلام .. شعارا فقط . يردده السياسي ، ويلوكه شيوخ السوء ، وتشدو به جوقة

النفاق .

ماجت هذه الخواطر في بالي للحظة ، وأنا أرقب الدكتور أندرسون يغادر القاعة ويتركني لوحدي .

أكملت الإجابة على الامتحان ، ولملمت أوراقي ، وتوجهت خارجا ، لأجدها قبالتي ، عند الباب :

ـ ديمي .. ماذا تفعلين هنا ..؟

ـ كنت انتظرك لقد ..

قاطعتها :

ـ تريدين القلم ..؟

ـ هل أنت جاد … لا تكن سخيفا لقد قلقت عليك ، ماذا صنعت في الامتحان ..؟

ـ أظن الأمور على ما يرام ،

ـ ماذا ستفعل الآن ..؟

ـ سأعطى أوراق الامتحان للسكرتيرة ..

ـ و بعد ذلك ..؟

ـ سأذهب إلى البيت لاستريح ، ثم أذاكر لامتحان أخر لدى بعد غد ..

ـ هل لديك بعض الدقائق لنتحدث عن أشياء سبق وسألتك عنها ..؟

ـ لا .. لا أظن أني أستطيع ألان ..

تبادلنا النظرات ، ورأيت في عينيها رجاء ..

ـ آمل أن تتفهمي وضعي ..؟

لم ترد علي .. واستمرت تنظر إلى ، وفي يدها إصبع شوكولاته ، فمدته لي ، فقلت :

ـ شكرا لا أستطيع أن أكله ..

ـ لانه مني ..؟

ـ لا .. ولكنني صائم اليوم … عفوا لابد أن أذهب الآن ..


وانصرفت .. و حينما سرت بضع خطوات نادتني قائلة :

ـ مصعب .. هل أستطيع أن أسألك سؤالا ..؟

التفت ، وكانت واقفة في مكانها .. تقلب إصبع الشوكولاته في يدها ، بشيء من القلق ..



قلت :

ـ ماذا ..؟

ـ هل حقا يهمك أمري .. أقصد هل يهمك أن أعرف الحقيقة عن الإسلام .. أو جزء من الحقيقة ..؟


فاجأني السؤال ، وشعرت بقلبي ينقبض من الألم . هل أنا أسأت التقدير في تعاملي معها ، وتوهمت

أشياء لم تكن موجودة إلا في خيالي ..؟


لم يكن لدي وقت لأناقشها ، تقدمت نحوها ، وقلت :

ـ اليوم الاثنين ، وبعد غد الأربعاء لدي امتحان في المساء .. يوم الخميس سأكون حرا من أي ارتباط .

-حسنا .. نلتقي الخميس ، في نفس الوقت ، ونفس المكان …

أي مكان ، وأي وقت تقصدين ..؟

ـ الساعة السابعة مساء .. في (الكيف دوماسيه) ..

ـ لا بأس ..

ثم سحبت إصبع الشوكولاته من يدها ، وأضفت :

ـ سآخذ هذا وآكله .. حينما أفطر بعد مغيب الشمس ..

ما كدت أنهي كلامي ، حتى اكتسحت وجهها موجه من السعادة ، وانشق ثغرها عن ابتسامة رضا ،

تدفقت من بين ثناياها ، مثل جدول ماء صغير ينساب من بين حصيات مرمر…

و لم تعلق بشيء ..

ـ مع السلامة ..

قلت لها .. ثم استدرت منصرفا ..

بعد أن صليت فجر يوم الخميس ، نمت إلى حدود الساعة العاشرة . منذ اشهر لم أنم إلى هذا الوقت ،

بسبب ضغط الدراسة . قررت ايضا أن اطبخ لي فطورا ، وهو ما لم افعله طول الفترة الماضية ، إذ اكتفى

بالمربيات ، و الأجبان ، والبيض المسلوق .

سأصنع فطورا له مذاق خاص ، (بيض شكشوكة) . هذا أول شيء تعلمته شقيقتي حصة ، وعلمتني إياه

، حينما عزمت على السفر للدراسة .

حصة تصغرني بعامين ، وقبل سنتين وبينما كنت في زيارة الأهل ، أشفقت على والدتي ، لما علمت أن

كل أكلي تقريبا من المطاعم ، لأني لا أجد الوقت الكافي للطبخ . حصة اقترحت حلا للمشكلة ، أن

أتزوج . ومضت خطوة إلى الأمام في هذا المشروع ، حينما تكفلت باختيار الفتاة المناسبة .

انشغلت بترتيب بيتي عامة النهار . لقد انقلب البيت رأسا على عقب ، بسبب حالة الطوارئ التي فرضتها

الامتحانات . لقد بدأ الموعد مع ديمي يقترب ، و صرت أشعر بالتوتر . انطلقت بسيارتي ، و وصلت إلى

مركز ((رينبو كلر مول)) ، قبل السابعة بقليل ، لأقابل ديمي صدفة عند مدخله 0 ركبنا المصعد إلى الدور

الاول ، وحينما دخلنا (الكيف دو ماسيه) ، خيل إلى أني أدخله لأول مرة . في المرة الماضية لم ألاحظ

فخامة الأثاث ، وتناسق الألوان . هناك أيضا موسيقى .. تدندن بصوت خافت . شعرت بانقباض ، المكان

حالم جدا ، وهو أليق بتناجي العشاق ، منه بالدعوة إلى الله ، قلت بتوتر :

ـ المكان غير مناسب ..

ـ لماذا .. ؟

ـ موسيقى وأضواء خافته ، نحن لم نأت لنتحدث عن (روميو وجوليت) ..

شعرت بالحرج وقالت :

ـ ماذا تقترح ..؟

ـ نغير المكان ..

ـ هل كنت ترى أن نذهب إلى مكدونالدز ، وغيره من الأماكن المشابهة ، حيث يتجمع ذلك النوع من

الشباب والبنات الذي تعرفه ..؟

لم أرد .. فأضافت :

ـ ما رأيك أن نذهب إلى منزلي ..؟

فقلت بسرعة :

ـ لا .. لا ..


قالت :

ـ منزلك ..

ـ غير مناسب ..

لقد أحرجتني جدا ولم تترك لي الخيار ، وبقيت لحظات مترددا ، ثم قلت :

ـ لا أريد الموسيقى ..

توجهت إلى مدير المحل ، وتحدثت معه قليلا ، ثم عادت وعلى وجهها ابتسامة ، وقالت :

ـ لن يكون هناك موسيقى ..

قادنا أحد العاملين في المقهى إلى ركن هادي ، وبدون موسيقى ..

ـ كيف .. ؟

.. سألتها ..

ـ انهم يتحكمون بالتوزيع الصوتي .

أخذنا أماكننا ، وتبادلنا الحديث بسرعة عن الامتحان ، حتى جاءت القهوة ، رشفت شيئا من قهوتي ،

وسألتها :

ـ هل هناك شئ محدد تودين السؤال عنه ..؟

أصلحت من جلستها وقالت :

ـ لعلك تذكر أني سألتك من قبل عن شيئين ، أحدهما كان التسامح ، والآخر الحب .. وهو الذي لم تتح لنا

الفرصة لنتحدث عنه .. أنا أعني كيف ينظر الإسلام إلى الحب ..؟

لم أدر بما أجيبها .. لكني أذكر أني بدأت هكذا :

ـ لم يعل الإسلام شيئا مثلما أعلى من شأن الحب ، حتى أنه ربطه بالرب سبحانه وتعالى وجعل الله عز

وجل ، هو الغاية التي ينتهي إليها الحب ، أيا كان نوعه . الإسلام حينما فعل ذلك ، أراد أن يجرد الحب من

كل رباط محسوس ، ومن كل رغبة ، أو شهوة بشرية آنية ، تتلاشى لحظة تحققها ، ليجعله متصلا بالله

مباشرة . فالحب فيه سبحانه ، أسمى درجات الحب ، ولا يتحقق إيمان بشر ، إذا لم يحب الله والرسول

صلى الله وعليه وسلم ، ولا يتحقق إيمانه .ز كاملا ، إذا لم يحب لأخيه المسلم ، ما يحب لنفسه .

لقد صار كل حب في الإسلام ، غايته الحب في الله . وحينما يؤكد الإسلام على هذا الجانب ، فإنه يهدف

إلى تجاوز المادي إلى الروحاني .. و الأرضي إلى العلوي السماوي .

كيف … قد تسألينني ..؟

إن المادي والأرضي ينتهيان إلى الفناء ، أما الروحاني والعلوي فمصيرهما الخلود . أليس الزواج بين

رجل و امرأة هو نتيجة حب ، بشكل من الأشكال . تأملي كيف ينظر الإسلام لأنواع الحب التي تؤدي إلى

نشوء علاقة بين رجل و امرأة ، تقود إلى الزواج . المال أولا ، ثم الجمال ، (أي ميزات الجسد ) ، ثم

المكانة الاجتماعية . وأخيرا الدين .. بما يعني من تمثل لكافة القيم العليا ، التي جاء بها الإسلام ، وفي

مقدمها ، حب الله سبحانه ، من خلال تنزيهه بالتوحيد ، وأن لا يشرك معه أحدا . الإسلام يثمن عاليا الحب

الأخير ، لأن غايته الله سبحانه ،و ينعي على الفرد تطلعه للأنواع الأخرى . الأنواع الأخرى .. مادية ..

زائلة .. مصيرها إلى الفناء : المال يفنى ، والجسد يبلى ، والمكانة الاجتماعية تزول .

لأن الحب طبيعته هكذا ، فإنه يقاوم عوامل الفناء ، بل هو يتجدد باستمرار .. إنه يستمد حياته من الذات

العليا ، التي هي مصدر الخلود . إن من طبيعة المادي أنك حينما تمتلكه تزهد فيه ، لأنه يفتقد لخاصية

التجدد والتسامي ، التي يملكها الروحاني . أضرب لك مثالا : ألسنا نشتهي الطعام اللذيذ ، وحينما

نملكه .. نمله ونزهد فيه . السنا نعشق الجمال ، فإذا ما أدركناه تطلعنا لآخر غيره .


انظري .. حسن التعامل ، الأدب ، الأخلاق ، الرحمة ، التعاون . ألسنا إذا ما وجدناها في إنسان تعلقنا به

، و كلما أزداد تمثلا لهذه الخصال ، زاد تمسكنا به . الإسلام تعامل مع هذين النوعين .. المادي و الروحاني

، على أساس من قدرة كل نوع على منح السعادة ، لأكبر عدد ممكن من الناس ولأطول مدة ممكنة .


الجمال مثلا ، يمكن أن يمنح السعادة والمتعة لشخص واحد فقط ، هو ذلك الذي يباشر الجمال .. بطبيعته

المحسوسة ، بشكل أولى ، ولمدة محدودة ، هي الفترة الزمنية التي يكون فيها محتويا على عنصر

الحياة والحيوية ، قبل أن تأتي على نضارته عوامل الزمن . بل إن الطبيعة المادية المحسوسة له ، تجعل

الاستمتاع به ، مرهون بلحظة المباشرة ، أو اللذة الآنية .


على الجانب الأخر ، خذي الأخلاق كمعادل لجمال الروح ، بما تحويه من رحمة ، وعطف ، وتعاون ، وأدب ،

وغيرها من الخصال الحميدة . كم من الناس تمنحهم السعادة ، دون أن يكون لعامل الزمن أثر على

امتدادها في عمق الزمان ، أو يمنع من شمولها و تمددها عائق المكان . الحب من هذا النوع يتجاوز

الجسد .. ليعانق الروح في افقها السرمدي .

جمال الروح يمكن أن يوجد في الرجل ، وفي المرأة ، وفي الأبيض و الأسود ، والشيخ والطفل . أما

الجمال المادي .. في الجسد ، المحسوس .. فلا . إنه امتياز خاص ، لفئة محدودة من الناس اختارها الله ،

لحكمة يعلمها هو سبحانه . الحب على أساس من الروح يا ديمي ، يفتح المجال واسعا للترقي في

مدارج الكمال ، فارتباط الروح بالذات العليا ، يمنحها القدرة على الإبداع والتسامي .. والزيادة . فنحن

نستطيع أن نكون اكثر رحمة ، وأكثر عطفا ، وأكثر تسامحا ، مرة بعد مرة ، مدفوعين بالحب الأسمى .. حبه

سبحانه وتعالى . لكننا لا نستطيع أن نكون أجمل ، و أجسامنا لن تكون اكثر نضارة ، و أنفاسنا لن تكون

أطيب رائحة .. في كل مرة ، لأن الجسد مرتبط بالأرضي ، الفاني .

جدير بحب كهذا يا ديمي … أن يؤول للزوال .


أظن أني قلت هذا الكلام ، وأشياء أخرى . المؤكد أن الذي كان يتكلم ليس لساني فقط ، بل جوارحي

كلها لا أدرى كم كوبا من القهوة شربت وأنا أتكلم . كنت أنظر في وجه ديمي ، بين وقت وآخر ، فأحس


إنها معي بكل جوارحها . بل كانت نظراتها .. يخيل إلي ، أنها تحاول أن تنفذ إلى أعماقي . كنت شابكا

كفي لبعضهما ، ويداي ممددتان على الطاولة أمامي حانيا رأسي ، حينما سمعتها ، تقول بصوت واهي

النبرات :


ـ هذا أجمل شئ سمعته في حياتي ..


استغرقتني لحظات تفكير ، لم انتبه خلالها إلا وكفاها تطبقان بهدوء على كفي .. شعرت بخدر يسري في

أوصالي ، ودفء يجتاحني ، حتى أحسست ذلك في حرارة أنفاسي . لوهلة استسلمت دون مقاومة لهذا

الوضع . في قرارة نفسي ، كنت أشعر بعطش شديد .. لشيء لا أدري ما هو . ربما السكينة والهدوء ..

والكف الذي استريح عليه .


هل المرأة تملك كل هذه القدرة على التوغل في الأعماق . أم هذا شئ خاص بها وحدها ..؟ كنت في

حالة استكانة تامة حين سمعتها تناديني :

ـ مصعب هل أنت بخير ..؟

رفعت رأسي ، وتأملت وجهها الذي يضج أنوثة وفتنة ، وأبصرت يدي بين يديها . يا إلهي


ماذا صنعت .. ؟ وتذكرت خالد وبكاؤه .. ودوت كلماته بعنف في :

من استشعر الموقف هان في عينيه كل شئ ” .


أحسست كأنما تيارا كهربائيا يسرى في جسدي ، ويهزني بعنف ، فسحبت يدي بسرعة فضربت كوب

القهوة ، فاندلقت القهوة الحارة علي ، وصرخت من شدة الألم ، فانفعلت هي وصرخت كذلك ، وهي

تصيح :

ـ أنا آسفة .. أنا آسفة ..

أسرع عامل المقهى باتجاهنا ، إثر سماع الأصوات ، وقام بمساعدتي في تنظيف ملابسي ، واحضر لي

مرهما لعمل إسعافات أولية . كان واضحا أني احتاج إلى علاج عاجل ، لذلك نصحنا بالذهاب إلى

المستشفى بسرعة . أصرت أن تأخذني بسيارتها إلى المستشفى . في الطريق .. ظلت تبكي ، وتعتذر

أنها لم تقصد .

أجريت الإسعافات اللازمة ، وعدنا إلى سيارتي ، بناء على طلبي ، رغم أنها كانت لا ترى أن أقود السيارة

بنفسي . تأكدت الآن أني مصاب منها ، ليس في يدي ، ولكن في قلبي . لم أتحرك حينما انحنت لترخى

رباط يدي ، فلامس شعرها وجهي . لقد فعلت تلك اللمسة فعل السم في جسدي ، أنا الآن ضعيف

المقاومة .. أنا الآن في خطر .

افترقنا بعد أن وعدتها أن أتصل بها ، لأطمئنها على حالتي الصحية . قالت ، وهي تمسك بيدي ،

لتساعدني على ركوب السيارة :


ـ ساكون قلقة إن لم تفعل .. لابد أن تتصل بي ..


لم أبد مقاومة تذكر .. بل لم أبد أية مقاومة ، وهي تضع يدها على جبيني ، و تؤكد علي ، بنظرات ملؤها

الرجاء ، أن لا أنسى الاتصال بها …

توجهت إلى بيتي ، وصرت أتأمل النهاية التي انتهت إليها علاقتي مع هذه الفتاة . تذكرتها وهي تبكي ،

ونحن في طريقنا إلى المستشفى . كانت تقول : ” لن أسامح نفسي إن أصابك أذى” .. و كررت أكثر من

مرة عبارة : ” أنا أحبك ، ولم اقصد أن أؤذيك” .. كانت هذه الكلمات تنغرس في وجداني عميقا .

بدأت الأفكار السيئة تراودني ، أثار لمسة كفيها ما زال يسرى نبضها في سائر جسدي


. نعومة راحتيها ، ودفئهما .. لم تفارقا خيالي إلى الآن ..شعرها يتراءى لي كسبائك من ذهب . حينما

وصلت إلى باب شقتي كرهت الدخول ، ولمت نفسي أن رفضت عرضها ، بأن تأتي معي لتطمئن علي .

دخلت المنزل وإذا بالهاتف يرن ، لا أتوقع أحدا معينا ، رفعت السماعة ، جاءني صوته من الطرف الثاني

هادئا ، رخيما ، حزينا :

ـ السلام عليكم .. كيف حالك ..؟

ـ من .. خالد ، أهلا بهذا الصوت ..

ـ رأيت فيك رؤيا البارحة .. فقلقت عليك ..

شعرت بانقباض وقلت :

ـ خيرا إن شاء الله ..؟

ـ خير ..

قص علي الرؤيا .. ثم سألته :

ـ وماذا عبرتها ..؟

ـ تنجو من فتنة ..

و أضاف :

ـ هل تتعرض لمشكلة في الوقت الراهن ..؟

أحسست بالخوف وقلت بسرعة :

ـ من أي نوع .. ؟ لا .. لا .. أبدا والحمد لله ..

ودعني و دعا لي . إنه رجل ملهم .. ينظر بنور الله . ظلت عبارته : تنجو من فتنة .. تتردد في ذهني مرة بعد

أخرى . هذه بشارة .. قلت في نفسي : اللهم نجني .

مر علي يومان لم أغادر فيها البيت ، خشية أن يسألني الاخوة عن سبب الإصابة في يدي . تخلفت عن

صلاة الجماعة .. واشعر بالذنب لذلك . لم أتصل بديمي كما وعدتها ، رغم أني أفكر بها معظم الوقت …

تناقض لم استطع أن أحله .

كيف انعتق من هذه الدوامة ..؟ سألت نفسي . بدأت أفكر بالاتصال بها ، حتى لا أعطي صورة سيئة عن

الإسلام .. هكذا زعمت لنفسي . ماذا لو قالت سآتيك ..؟ بدأت تلح علي الفكرة .. أن أكلمها .. وكدت

استسلم لها ، ثم وجدت أنى إن بقيت في شقتي فإني حتما سأتصل بها ، ولن أمانع أن تأتي عندي .

ثم ..؟ آه .. هذا هو السؤال ..

وصل الصراع في نفسي إلى أقصاه ، فقررت أن أخرج . قلت ، أذهب إلى المركز الإسلامي ، فقطعا

سأجد بعض الاخوة ، وهناك ، سأتسلى بهم ، وأظل بعيدا ، حتى لا أقع ضحية لتداعيات النفس الآثمة ..

الأمارة بالسوء ..

خرجت ، وحينما كنت أهم بركوب سيارتي ، سمعت صوتا يناديني ، فالتفت إلى مصدر الصوت كالملدوغ …

ـ يا الهي إنها هي .. كيف عرفت مكاني ..؟

شعرت بقلبي يهبط إلى قاع أحشائي ، وهي تنزل من سيارتها متجهة نحوي ، تتلفع بجاكيت خفيف تتقي

به برد ديسمبر القارس .. قالت :

ـ انت تسكن هنا ..؟

تلعثمت ولم أشأ أن أكذب ، وقلت :

ـ نعم .. كيف وصلت إلى هنا ..؟

ـ جئت لزيارة صديقة لي تقيم في نفس البناية .. ويبدو أن أمرا طارئا حدث ، فاضطرها للخروج ، فتركت

لي ملاحظة على باب منزلها تخبرني فيها إنها ستعود بعد ثلاثين دقيقة .. وأنا كما ترى ، انتظر عودتها في

هذا البرد القارس .

قالت عبارتها الأخيرة ، وهي ترمقني باستعطاف ، فأدركت انها تريد ملجأ من البرد ، ريثما تعود صاحبتها .

ران بيتنا صمت ، لم أدر كيف اقطعه ، وكنت خلالها أقلب أفكارا كثيرة ، معظمها سيء . و رغم أني ملتحف

بمعطف ثقيل ، فقد شعرت ببرودة تدب في جسمي ، ولم يحل الطقس البارد جدا ، دون تقافز حبات من

العرق على جبيني . كنت انظر إليها تتأملني أتصبب عرقا في هذا البرد ، وهي تنكمش من شدته ..


فبادرتني قائلة :


ـ أنا آسفة .. أنت خارج ، وأنا قد أخرتك .. معذرة على هذه البلادة ..


كان وجهها أصفر شاحبا من شدة البرد .. قلت لها :


ـ لا .. أبدا ، ليس هناك شئ مهم ..! لم لا تنتظرين عندي في شقتي ، إلى حين عودة صاحبتك ، ونتناول

خلال ذلك قهوة تشيع الدفء في أطرافنا التي تكاد تنكسر من هذا الزمهرير ..؟


لم أكد أقول ذلك حتى تدفق الدم في وجهها الشاحب ، فاستعاد نضارته ، وقالت :


ـ أنا أشعر بامتنان عظيم للطفك الكبير .. كما أنني متلهفة لاستكمال نقاشنا السابق .. ثم أضافت ..

وأستطيع أن ألغي موعدي مع صديقتي .. إذا تطلب الأمر ذلك .


إنها دعوة مفتوحة بلا جدال .. حدثت نفسي ، وأنا انصرف وإياها راجعين باتجاه شقتي ، التي لم تكن تبعد

سوى خمسين خطوة عن موقف السيارات . داخلني هم كبير ، وزاد خفقان قلبي ، وكنت خلال ذلك في

صراع نفسي عظيم ، جعلني في شغل عن حديثها الذي لا أدري ما كنهه .


تقول لي نفسي : أليس هذا ما تريد .. أليس هذا ما كان حديث نفسك ، خلال اليومين الماضين ..؟ هاهي

قد جاءتك تسعى على قدميها .. أنت لم تذهب إليها ، بل أنت لم تدعها .. إنها فرصة ، والله غفور رحيم .

اجلس معها ، وإن جاء العرض منها فليس ذنبك ، أنت قد قاومت و ابن آدم ضعيف ، والله سيعذرك …!


ويجيء صوت الضمير الحي : حذار فهذا هو البلاء العظيم .. أين الخوف من الله .. أين الدعوة إلى الله ..؟

كيف إذا جيء بك يوم القيامة ، ورفعت على رؤوس الأشهاد ، وقيل من هذا .. فتطاولت أعناق من قد يكون

عرفك في هذه الدنيا فيقولون : هذا نعرفه .. هذا الداعية إلى الله مصعب . فيقال : لا .. هذا الزاني

مصعب . يا إلهي أنت أرحم بي أن أصير إلى هذا المصير .


كنا في منتصف الدرج على بعد خطوات من باب شقتي ، حين تعثرت وسقطت ، لشدة الاضطراب الذي

انتابني ، بسبب الصراع الداخلي العنيف . ساعدتني على النهوض .. كنت شاحبا ، غاض الدم في وجهي

، أتصبب عرقا ، وأطرافي ترتجف ، قالت لي :


ـ أنت متعب بجد ..؟


ـ نوعا ما .. ديمي أنا لا أستطيع أن أبقى معك .. أنا مرتبط ، ولا بد أن أذهب ..

شعرت بالخجل ، وقالت :

ـ لقد احسست بأني أحرجتك .. كم أنا غبية ، أنا اسفة جدا ، سأذهب 0

ـ لا .. لن تذهبي ، بل ابق وانتظري صديقتك في منزلي ، واعتبري نفسك في بيتك .. اصنعي لنفسك

قهوة .. وإن كنت جائعة ، ورغبت في الأكل ، فلا تترددي .. فالثلاجة ، والمطبخ تحت تصرفك .. وإذا خرجت

تأكدي من أن الباب مغلق ، وضعي المفتاح في صندوق البريد رقم 7 في المدخل الرئيسي للبناية ..

قالت وفي عينيها علامات استفهام كثيرة :

ـ هل أنت متأكد ..؟

هززت رأسي موافقا ..

عادت لتسألني :

ـ هل تحتاج إلى مساعدة .. هل تستطيع أن تقود السيارة بنفسك .. ؟
ـنعم ..

هل أنت متأكد بأنك ستكون بخير .. ؟

ـ نعم .. ثم أضفت في سري .. ” إذا كنت بعيدا عنك ” 0

أمسكت يدي بيديها ، و دمعتان حائرتان في عينيها ، و قالت :

ـ مصعب أنا أحبك ..

تسمرت عيناي في وجهها الطفولي ، و الألم يفتك بقلبي .. و قلت :

ـ و أنا كذلك .. لكني يجب أن أذهب ..

سحبت يدي من يديها ، و انحدرت مع الدرج ،و حينما حانت مني إلتفاتة ، و أنا في آخر الدرج ،كانت ما

زالت هناك … الدمعتان من خلفهما عيناها الزرقاوان ، بدتا كموجتين انكسرتا على شاطئ لازوردي …

و أنا ..

مثل صياد أدركه الغروب ..

على شاطئ موحش ..

شباكه فارغة ..

قلبه فارغ ..

إلا من رحمة الله ..


انتهت ..


جوهر الراوي 03-04-2012 08:39 AM

رد: ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي)
 
لله درك سارا

إيراد يسمو بالذائقة إلى الشموخ

كل الود والورد ل

عبدالعزيز الفدغوش 03-04-2012 02:30 PM

رد: ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي)
 
الرائعة سارا

أنها قصة معبرة حقا

ورائعة وتعالج أمور

كثيرة يتعرض لها ألأبناء

والدارسين في الخارج

ذكرى الغالي 03-04-2012 03:45 PM

رد: ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي)
 
http://www.gamr15.org/up/upfiles/iVh15382.gif

سارا 03-06-2012 02:14 AM

رد: ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي)
 





جـوهـر الـراوي

أهـلاً بـك ..هـذا مـن لطف كـرمـك يـاأستـاذ ..

سارا 03-06-2012 02:18 AM

رد: ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي)
 





عبدالعـزيز الفـدغـوش

أهـلاً بكـاتبِنـا ..فـالدكتـور عـرض كـم من المشـاكـل

ومـن ضمنهـم مـاتفضـلت بـه ..

اللهــم أبعــد عنهــم (الفتنــة)



سارا 03-06-2012 02:23 AM

رد: ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي)
 




ذكـرى الـغـالي

فـي حظـورك يكمـل الـجمـال رغــم تـرك

القصـة مفتـوحـة

فـأهــلاً بـك يـاطيبــة ..




الساعة الآن 01:24 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
ظ„ظٹظ†ظƒط§طھ - ط¯ط¹ظ… : SEO by vBSEO 3.5.1 Trans by
Coordination Forum √ 1.0 By: мộнαηηαď © 2011

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009