شبكة الشموخ الأدبية

شبكة الشموخ الأدبية (http://www.alshmo5.com/vb/index.php)
-   منتدى مدونات الكتّاب (http://www.alshmo5.com/vb/f35.html)
-   -   ادباء كانو بيننا (http://www.alshmo5.com/vb/t35713.html)

شموخ امراة 06-17-2012 02:14 PM

ادباء كانو بيننا
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

اردت فتح نافذتي هاته وتخصيصها لجملة من الادباء

وكانت بدايتي مع اللاديبة ماري الياس زيادة بعد ان قرات جملة من كتاباتها فكانت مدرسة

http://upload.wikimedia.org/wikipedi.../May_ziade.jpg



مي زيادة (11 فبراير 1886 - 17 اكتوبر 1941) كانت شاعرة وأديبة ومترجمة لبنانية - فلسطينية، ولدت في الناصرة عام 1886، اسمها الأصلي كان ماري إلياس زيادة، واختارت لنفسها اسم مي فيما بعد. كانت تتقن ست لغات ومنها الفرنسية و الألمانية و الإنجليزية والايطالية ، وكان لها ديوان باللغة الفرنسية.
ولدت ماري زيادة (التي عرفت باسم ميّ) في مدينة الناصرة بفلسطين عام 1886 [1]. ابنةً وحيدةً لأب من لبنان وأم فلسطينية أرثوذكسية. تلقت الطفلة دراستها الابتدائية في الناصرة, والثانوية في عينطورة بلبنان. وفي العام 1907, انتقلت ميّ مع أسرتها للإقامة في القاهرة. ودرست في كلية الآداب وأتقنت اللغة الفرنسية والإنكليزية والإيطالية والألمانية ولكن معرفتها بالفرنسية كانت عميقة جداً ولها بها شعر جميل .وهناك في القاهرة, عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنكليزية, وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية. وفي الوقت ذاته, عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها. وفيما بعد, تابعت ميّ دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
وفى القاهرة, خالطت ميّ الكتاب والصحفيين, وأخذ نجمها يتألق كاتبة مقال اجتماعي وأدبي ونقدي, وباحثة وخطيبة. وأسست ميّ ندوة أسبوعية عرفت باسم (ندوة الثلاثاء), جمعت فيها - لعشرين عامًا - صفوة من كتاب العصر وشعرائه, كان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد, مصطفى عبدالرازق, عباس العقاد, طه حسين, شبلي شميل, يعقوب صروف, أنطوان الجميل, مصطفى صادق الرافعي, خليل مطران, إسماعيل صبري, وأحمد شوقي. وقد أحبّ أغلب هؤلاء الأعلام ميّ حبًّا روحيًّا ألهم بعضهم روائع من كتاباته، وقال فيها إسماعيل صبري باشا:
إن لم أمتع بمي ناظري غداًأنكرت صبحك يايوم الثلاثاء.
أما قلب ميّ زيادة, فقد ظل مأخوذًا طوال حياتها بـجبران خليل جبران وحده, رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة. ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا: من 1911 وحتى وفاة جبران بنيويورك عام 1931. واتخذت مراسلاتها صيغة غرامية عنيفة وهو الوحيد الذي بادلته حباً بحب وإن كان حباً روحياً خالصاً وعفيفاً . ولم تتزوج مي على كثرة عشاقها.
نشرت ميّ مقالات وأبحاثا في كبريات الصحف والمجلات المصرية, مثل: (المقطم), (الأهرام), (الزهور), (المحروسة), (الهلال), و(المقتطف). أما الكتب, فقد كان باكورة إنتاجها العام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية وأول أعمالها بالفرنسية اسمها أزاهير حلم ظهرت عام 1911 وكانت توقع باسم ايزس كوبيا, ثم صدرت لها ثلاث روايات نقلتها إلى العربية من اللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية. وفيما بعد صدر لها: (باحثة البادية) (1920), (كلمات وإشارات) (1922), (المساواة) (1923), (ظلمات وأشعة) (1923), (بين الجزر والمد) (1924), و(الصحائف) (1924). وفى أعقاب رحيل والديها ووفاة جبران تعرضت ميّ زيادة لمحنة عام 1938, إذ حيكت ضدها مؤامرة دنيئة, وأوقعت إحدى المحاكم عليها الحجْر, وأودعت مصحة الأمراض العقلية ببيروت. وهبّ المفكر اللبناني أمين الريحاني وشخصيات عربية كبيرة إلى إنقاذها, ورفع الحجْر عنها. وعادت ميّ إلى مصر لتتوفّى بالقاهرة في 17 تشرين أول(أكتوبر) 1941.
أتمت دروسها في لبنان ثم هاجرت مع أبيها إلى القاهرة. نشرت مقالات أدبية ونقدية واجتماعية منذ صباها فلفتت الأنظار إليها. كانت تعقد مجلسها الأدبي كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع وقد امتازت بسعة الأفق ودقة الشعور وجمال اللغة.توفيت عام 1941 م في مصر.
ربما قليلون فقط يعرفون أن مي زيادة عانت الكثير وقضت بعض الوقت في مستشفى للأمراض النفسية وذلك بعد وفاة جبران فأرسلها أصحابها بإرسالها إلى لبنان حيث يسكن ذووها فأساؤوا إليها وأدخلوها إلى مستشفى الأمراض العقلية مدة تسعة أشهر وحجروا عليها فإحتجت الصحف اللبنانية وبعض الشرفاء من الكتاب والصحفيين يحتجون بعنف على السلوك السيء من قبل ذويها تجاه مي فنقلت إلى مستشفى خاص في بيروت ثم خرجت إلى بيت مستأجر حتى عادت لها عافيتهاو أقامت عند الأديب أمين الريحاني عدة أشهر ثم عادت إلى مصر وبذلك يمكن القول مع الاستاذة نوال مصطفى أن :الفصل الأخير في حياة مي كان حافلاً بالمواجع والمفاجآت! فصل بدأ بفقد الأحباب واحدًا تلو الآخر.. والدها عام 1929. جبران عام 1931. ثم والدتها عام 1932.
وعاشت مي صقيع الوحدة.. وبرودة هذا الفراغ الهائل الذي تركه لها من كانوا السند الحقيقي لها في الدنيا. وحاولت مي أن تسكب أحزانها على أوراقها وبين كتبها.. فلم يشفها ذلك من آلام الفقد الرهيب لكل أحبابها دفعة واحدة.
فسافرت في عام 1932 إلى إنجلترا أملاً في أن تغيير المكان والجو الذي تعيش فيه ربما يخفف قليلاً من آلامها.. لكن حتى السفر لم يكن الدواء.. فقد عادت إلى مصر ثم سافرت مرة ثانية إلى إيطاليا لتتابع محاضرات في جامعة بروجية عن آثار اللغة الإيطالية.. ثم عادت إلى مصر.. وبعدها بقليل سافرت مرة أخرى إلى روما ثم عادت إلى مصر حيث استسلمت لأحزانها.. ورفعت الراية البيضاء لتعلن أنها في حالة نفسية صعبة.. وأنها في حاجة إلى من يقف جانبها ويسندها حتى تتماسك من جديد.
توفيت الأديبة الآنسة مي التي كانت الزهرة الفواحة في روضة الأدب العربي الحديث في 19 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1941 في مستشفى المعادي بالقاهرة وكان عمرها 55 عاماً. وقالت السيدة هدى شعراوي في تأبينها " كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة". وكتبت في رثائها مقالات كثيرة بينها مقالة لأمين الريحاني نشرت في جريدة "المكشوف" البيروتية عنوانها " انطفأت مي".

شموخ امراة 06-17-2012 02:42 PM

رد: ادباء كانو بيننا
 
قراءات في كتاب جنون امراة واراء الادباء والمفكرين عن مي زيادة
http://www.k-ghazy.com/imagebig/a7e7...c6393dc64a.gif




قرأت.. مي زيادة سيرتها وأوراق مخطوطة

الكاتب : سليمان جودة
المثل يقول إن كلب العمدة إذا مات فسوف تمسى وراءه البلدة كلها، وأن العمدة نفسه إذا مات فلن يسمى وراءه أحد.. وهى حقيقة تؤكدها التجربة يوماً بعد أخر. ويوم ماتت الاديبة مى زيادة عام 1941 لم يمش وراءها رغم شهرتها ومعارفها وأصدقائها الذين هم بغير حصر، سوى ثلاثة من الأوفياء: أحمد لطفى السيد، خليل مطران، انطوان الجميل. وسوف يبقى المعنى الذى يشير إليه هذا المثل قائماً إلى يوم القيامة، مؤكداً على ان النفاق هو أساس كثير من أفعالنا وأقوالنا.
وقد أراد د. خالد غازى أن يتحرى حياة تلك المعذبة مى وراح ينقب فى حياتها وتاريخها حتى أخرج كتابه "مي زيادة .. حياتها وسيرتها وأدبها وأوراق لم تنشر " الذى نال به جائزة الدولة التشجيعية لهذا العام. ولا أعرف لماذا جريت بين الصفحات حتى وصلت إلى الفصل الذى يحمل عنوان: "محنة مى" فوقفت عنده طويلاً أقلب فيه واستعيد بعض سطوره وفقراته، ربما لأنه يجسد حياة مى بأعتبراها حالة جديرة بالتأمل والنـظر.
وقد قيل أن من أحب فعف فمات فهو شهيد، أما مى فيبدو أنها قد أحبت فعفت فتعذبت ثم تعذبت ثم تعذبت ثم تعذبت ثم ماتت، وقبل أن تموت قالت: أنا امرأة قضيت حياتى بين قلمى وأدواتى وكتبى، ودراساتى وقد أنصرفت بكل تفكيرى إلى المثل الأعلى، وهذه الحياة "الأيدياليزم" أى المثالية التى حييتها جلعتنى أجهل ما فى هذا البشر من دسائس.
وقد عاشت 55 عاماً أكثرها حزناً على رحيل أبيها وأمها وعدد من أعز أقاربها ثم جبران خليل جبران الذى سبقها إلى الموت بعشر سنوات فكانت تتسلى عن عذاب الحياة، وصدماتها بالتدخين تارة وبالترحال تارة أخرى وبالغوص فى أعماق القراءة، والكتابة تارة ثالثة، حتى أن لتلك الروح المعذبة أن تموت فتستريح.
على الغلاف رسم خالد غازى صورتها وتحتها ثلاثة من عمالقة عصرها: العقاد، طه حسين، جبران خليل جبران، وفى الصفحة الأولى سجل أمنية من امنياتها ثم مضى يحققها لها وكأنها كانت تقصده حين كتبت عام 1919 تتمنى أن يأتى من ينصفها فقالت: أتمنى أن يأتى بعد موتى من ينصفنى ويستخرج من كتاباتى الصغيرة المتواضعة ما فيها من روح الأخلاص والصدق والحمية والتحمس لكل شئ حسن وصالح وجميل لأنه كذلك، لا عن رغبة فى الأنتفاع به.
ومع الطبعة الجديدة من الكتاب الصادرة عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة ، عدد من الرسائل الخطية بينها وبين عدد كبير من مشاهي عصرها فى الفكر والأدب وفى إحداها كتب جبران يعزيها فى والدها، فقال: يامارى يا صديقتى العزيزة عرفت اليوم أن والدك قد ذهب إلى ما وراء الأفق الذهبى وأنه قد بلغ المحجة التى يقصدها الناس كلهم فلماذا ياترى أقول لك، انت يا مارى أبعد فكراً وسمعا من تلك الألفاظ التى يقدمها الناس معزين مواسين.
والحق ان الكتاب فيه من الجهد ما يستأهل الشكر وفيه من الإحاطة بموضوعه ما يستحق القراءة وفيه من المتابعة ما يحفز على تناوله وهضمة فى جلسة واحدة.
---
* نشر بجريدة " الوفد "

شموخ امراة 06-17-2012 02:45 PM

رد: ادباء كانو بيننا
 
http://www.k-ghazy.com/imagebig/6804...55cb128c44.gif



"مى " انسانة وأديبة زيادة عن اللزوم


الكاتب: عزت النجار

لن يخطئ الدارس لشخصية "مى زيادة" أن يدرك أن بسمتها الأولى فى الحياة كانت مغلفة بغشاء من الدموع والحزن، حتى أن أول كتاب ترجمته أطلقت عليه "إبتسامات ودموع" رغم أن عنوانه الأصلى: "الحب الألمانى"، وكأنها تعلم ما تخبئه لها الأقدار، وتدرك أن شيئاً ما يجذب شبابها إلى التلاشى، إنه هو الزمن الذى هو أقوى من أى شئ أخر، لم تشغل نفسها بالمستقبل، وكأنها رأته فى أحلامها كابوساً مخيفاً متشحاً بالسواد ومغلفاً بظلام دامس.
إن شعوراً بالكآبة والتشاؤم سيطر على الفتاة الجميلة التى لم تتم الخامسة عشرة من عمرها حتى أنها كانت تكتئب لسبب ولغير سبب، وكأن لاشئ وراءها سوى المجهول والظلام، وكل ذلك عبرت عنه فى عبارة بليغة قالت فيها: "ولدت فى بلد، وأبى من بلد، وأمى من بلد، وسكنى من بلد، وأشباح نفسى تنتقل من بلد إلى بلد، فلأى هذه البلدان أنتمى، وعن أى هذه البلدان أدافع".
لم يجد الدكتور خالد محمد غازى أفضل من هذا الباب ليدخل منه إلى العالم الرحب لشخصية بنظرة الأنصاف لأدبها وإبداعها، بل أنصف فيها الإنسانة التى تغنوا فى ظلمها وتعذبيها حتى أنهم إتهموها بالجنون طمعاً فى مالها، وكأنه يلبى النداء الذى أطلقته منذ حوالى نصف قرن من الزمان تقول فيه: "أتمنى أن يأتى بعد موتى من ينصفنى، ويستخرج من كتاباتى الصغيرة المتواضعة ما فيها من روح الإخلاص والصدق والحمية والتحمس لكل شئ وحسن وصالح وجميل، لأنه كذلك، لا عن رغبة فى الإنتفاع به".
لم يترك خالد غازى كبيرة أو صغيرة عن حياة "مى زيادة" إلا وأحصاها فى كتابه: " مى زيادة .. سيرة حياتها وأدبها وأوراق لم تنشر" بداية من مولدها فى عام 1886 ميلادية من أب لبنانى وأم فلسطينية مروراً بسنوات صباها فى قرية الناصرة، آلامها عندما خطف الموت شقيقها الوحيد، وغربتها عندما أنتقلت مع أسرتها إلى قرية يمنطورة فى لبنان، ولم ينسى أن يشير إلى اسمها الحقيقى وهو "مارى زيادة" وكيف أنقلب إلى "مى".
مؤامرة حقيرة
هامت مى حباً وشغفاً بالكثير من كتب التاريخ والفلسفة والموسوعات الأدبية، فكان ذلك سبباً رئيسياً فى تنمية مواهبها الأدبية والإبداعية، وتشكيل مى الخطيبة والشاعرة والأدبية والصحفية التى تعرفت على كبار الكتاب، بل وإستضافتهم فى صالونها الأدبى، وإن كانت قد أشحات عنهم فى أيامهم الأخيرة بعد أن تخلوا عنها، وتجاهلوا بمجرد دخولها مستشفى الأمراض العقلية فى لبنان إثر مؤامرة حقيرة قام بها أقاربها للحجر عليها، ولكن الأقدار أنصفتها فى النهاية، وأستردت حريتها ومالها، ولكن جرحها لم يندمل، ودموعها لم تتوقف، وشمسها لم تشرق إلى أن لقيت ربها فى 19 أكتوبر 1941، ولم يعرف خبر وفاتها أحد، ولم يمش فى جنازتها إلا قلة من الأوفياء منهم أحمد لطفى السيد وخليل مطران وأنطون الجميل.
كانت مى زيادة فتاة تأمل أمل الفتيات، وتحلم أحلام البنات، ولكن الأقدار باعدت بينها وبين الزوج الذى يسعدها، والبيت الذى يؤنسها، أى بيت الزوجية والأطفال الذين يجعلون للحياة قيمة من حولها، نعم حرمتها الأقدار ذلك كله، وهو شاق على كل إمرأة وفتاة، ورغم ذلك كانت حياتها العاطفية ثرية، وكلما كانت تكتب كلمة كان كل فرد من رواد صالونها يظنها موجهة إليه، وحين كتبت مقالها "أنت أيها الغريب" ثار هذا الإحساس بقوة لكن الأراء رجحت أنها كانت تقصد عباس محمود العقاد الذى كان يعيش فى القاهرة غريباً بعيداً عن أهله.
وفى صيف عام 1925 حين سافرت مى إلى ألمانيا تأججت علاقتها بالعقاد عبر الرسائل، مما دفع العقاد للكشف عن عواطفه من خلال أبيات شعرية، ومما لا شك فيه أنها لعبت دوراً خطيراً فى حياة العقاد لأنها أعطته السعادة، ووقفت أمامه وقفة الند للند، وإن كانت صدمته باستقلاليتها وفرديتها.
وأنشئ الذى لم يجف عنى أحمد أن مى أهدت أحمد لطفى السيد كتابها "أبتسامات ودموع" وكان بينها سيل من المكاتبات، كما أحتفطت بعلاقة مع الشاعر إسماعيل صبرى رغم أنه كان يكبرها بثلاثين عاماً، ولم ينج مصطفى الرفاعى من عاطفة مى، وقيل أن أنطون الجميل، كان متيماً بها، وأنها رفض الزواج حتى وفاته من أجلها.
لقد كانت مى زيادة رحمها الله، إنسانة متفردة غير عادية، تعددت مواهبا وملكاتها، نهلت من كل فن، وأعطت كل فرع من فروع الأدب، وتركت أثراً كبيراً فى الحياة الأدبية والأجتماعية، ولكنها فى البداية لم تجد سوى النكران والجحود والرماية بالجنون.
طعنوها بسهام الغدر والخيانة فتعذبت نفسها قبل جسدها، ولعل هذا الشريط المؤلم ونغمته الحزينة يفسران أن ما قالته فى سنواتها الأولى عن أن التنهد والإمتثال نهاية كل عاطفة وكل فكر، كما أن كل عمر بشرى يختم بإرسال الزفرة وإسبال الجفون، إن عذاب مى زيادة كان زيادة عن اللزوم.
----
* نشر بالاهرام المسائي

شموخ امراة 06-17-2012 02:49 PM

رد: ادباء كانو بيننا
 
الحـب و الجنون في حياة ميّ زيادة

الكاتب : د علي القاسمي

" •••أتمنى أن يأتي بعد موتي مَن ينصفني•••"هكذا تمنت الأديبة مي زيادة ذات يوم• وبعد أن قرأتُ كتاب " جنون امرأة : مي زيادة " للأديب الصحفي المصري خالد محمد غازي، أيقنتُ أن أمنيتها قد تحققت، وأستطيع أن أطمئن روحها الهائمة بين وديان الناصرة في فلسطين، وجبال الأرز في ذرى لبنان، وضفاف النيل الخالد على مقربة من الأهرام: أن ما تمنته قد حصل، وأن كاتبا مصريا قد أنصفها حقا وزاد على ذلك، إذ إنه بعد أن انكب على دراسة جميع ما كُتب عنها من كتب ومقالات وتحقيقات صحفية وتقارير طبية ومرافعات قضائية، وبعد أن قرأ مؤلفاتها الكاملة بإمعان وتحليل، وبعد أن نقّب في خواطرها ومذكراتها، وجاس نظره في رسائل عشاقها ومحبيها ومن أُعجبوا بها وفي جواباتها إليهم، وبعد أن تتبع نشاطها في مختلف مراحل حياتها القصيرة، منذ أن كانت طفلة لاهية حتى أصبحت فتاة ناضجة الأنوثة فاتنة الملامح، وبعد أن سهر الليالي الطويلة في مناجاة روحها واستنطاقها، بعد هذا كله، وبفعل هذا كله، وقع في غرامها• لقد وقع المؤلّف خالد محمد غازي ـ من حيث لا يدري ـ في فخ الغرام المخبوء بين كلمات مي الرقيقة المنتقاة، وعباراتها الأنيقة المشتهاة، وسقط في شراك العشق المبثوثة في أفكارها الرومانسية وخواطرها العاطفية• وبعد أن أحس بشباك الصياد تلتف حوله وصار مثل أسد أسير، راح يناضل جاهدا من أجل حريته للحفاظ على حياد المؤرخ ونزاهة الباحث وإنصاف الناقد•• وهكذا جاء كتابه ممتعا مفيدا يجمع بين شاعرية العاشق وموضوعية كاتب السيرة، ولا يستطيع قارئ هذا الكتاب إلا أن يتملكه الإعجاب بمي والتعاطف معها، وكلما يوغل القارئ في رياض الكتاب وخمائله يزداد تعاطفه معها حتى يصير شغفا، ويزداد إعجابه بها حتى يصبح حبا• وهكذا، ومن حيث لا يدري كذلك، يصنع المؤلفُ آلاف الغرماء له ؛من بين أولئك الذين أضحوا مغرمين بمي بعد قراءة كتابه• أحزان الطفولة بعبارات شفافة كالنسيم، وكلمات كهمس اللمى، وبإشارات موحية ولمسات ناعمة من قلمه؛ يُنوّم المؤلف قرّاء كتابه ويقودهم بخطوات خفيفة رشيقة إلى مدينة الناصرة عام 1886 ليشهدوا معه مولد مي زيادة من أب لبناني اسمه إلياس زخو زيادة ؛وهو مسيحي ماروني المذهب يعمل معلما في مدرسة بتلك المدينة، وأم فلسطينية اسمها نزهة خليل معمر، وهي مسيحية أرثودوكسية المذهب، تمتاز بوعيها الثقافي ومطالعاتها الواسعة وانغماسها في حفظ شعر التصوف وخاصة ديوان ابن الفارض• ثم يرافقهم إلى الدير في الناصرة ؛حيث تعلمت مي وهي طفلة صغيرة• وعندما تبلغ السنة الثالثة عشرة من عمرها ويبعث بها والدها إلى مدرسة راهبات عينطورة، يشدّ المؤلف ـ وهو جوّاب آفاق ـ رحاله إلى لبنان ويتتبع تفاصيل حياتها في القسم الداخلي خلال أربع سنوات من عام 1900 إلى عام 1903، ويطيل النظر إلى " ضفيرتيها المنسدلتين على كتفها، وشعرها الأسود الذي يزيد وجهها الملائكي المستدير جمالا وضياء •"(ص 18 ) فيزداد شغفا بها وإعجابا بمواهبها المتفتحة كزهرة ربيعية• وعندما تنتقل من مدرسة عينطورة تلك إلى مدرسة الراهبات اللعازات في بيروت، يترك هو الآخر بلدة عينطورة ويتوجه إلى بيروت ليحدد موقع المدرسة الجديدة، ويفحص محيطها، ويراقب أنشطة مي فيها• وتتفاقم فرحة الباحث عندما تلتحق مي بوالدها الذي انتقل إلى القاهرة عام 1908 رغبة منه في تحسين أحواله المعيشية والاتصال بأسباب النهضة العربية• ومن بواعث فرح الباحث أن هجرة مي إلى القاهرة " توافقت مع اكتمال أنوثتها، فأصبحت امرأة ناضجة آسرة الجما( ص 23 ) وأنه، وهو المصري، أدرى بشعاب القاهرة ودروبها، ويستطيع بسهولة أن يتابع مي في جميع حركاتها وسكناتها عندما جاهدت مع أبيها لتحسين وضع عائلتها المادي حيث قامت بتدريس الفرنسية لبنات العائلات الموسرة ، وعندما التحقت بجامعة القاهرة للدراسة، وعندما أخذت تنشر مقالاتها الرائعة في أكبر دوريات القاهرة كالأهرام والهلال والمقتطف، داعية إلى تحرير المرأة، وعندما نشرت كتابها الأول عام 1911، هو ديوان باللغة الفرنسية بعنوان "أزاهير حلم"، وعندما أنشأت عام 1913 صالونها الأدبي الذي استمر حتى نهاية الثلاثينات والذي كان ينعقد كل يوم ثلاثاء برئاسة الشاعر إسماعيل صبري ويحضره كبار الأدباء مثل طه حسين وأحمد شوقي وعباس محمود العقاد وحافظ إبراهيم وزكي مبارك وموسى سلامة وطاهر الطناحي ومصطفى صادق الرافعي ومصطفى عبد الرزاق ومصطفى الشهابي وخليل مطران وإبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري وأمين المعلوف ويعقوب صروف ومحي الدين رضا وأنطون الجميل وغيرهم• ويفتخر المؤلف ويفاخر بأن صالون ميّ كان أنجح الصالونات الأدبية وأكثرها شهرة، ويفسّر لنا أسباب النجاح بقوله: " وفي رأيي أن هناك مجموعة من الأسباب أدت إلى نجاح هذا الصالون؛ وعلى رأس هذه الأسباب، الخصائص الذاتية لشخصية مي زيادة، فإخلاصها وشبابها وتألق نبوغها وسحر حديثها، أروى ظمأ رواد صالونها إلى السعادة الروحية، فإثرت في أدباء عصرها من الناحيتين الإنسانية والفنية، فكانت تشارك في كل حديث، وتختصر للجلساء سعادة العمر في لفتة أو لمحة أو ابتسامة، فرواد صالونها كان لا يفوتهم الثلاثاء من كل أسبوع، فإذا تعذر حضور الأديب منهم، واضطر للغياب كان كظامئ الطير حواما على الماء على حد تعبير الشاعر اسماعيل صبري، الذي اضطر للغياب عن الصالون لسبب طارئ، فكتب معتذرا عن الغياب:
روحي على بعض دور الحي حائمة كظامئ الطير حـوّاما على المـاء إن لـم أمتّـع بمـنيّ نـاظـرىَّ غـداً أنكرتُ صبحكَ يا يوم الثلاثاء "(ص81) مَن الذي أحبته مي؟ وتجوس عينا المؤلف، كنسر عاشق غيور، خلال أولئك الأدباء الذين كانوا يرتادون صالون مي الأدبي ؛ليعرف مَن هو الذي حاز على إعجابها ومال إليه فؤادها ؛ فيسترق النظر إلى ابتساماتهم وإشاراتهم ونظراتهم، ويصيخ السمع إلى كلماتهم وأحاديثهم؛ فيعمل الفكر في فحواها ومغزاها ومراميها، ثم يسمح لنفسه بالإطلاع على المراسلات الشخصية التي جرت بين مي وبين عدد من الأدباء ، سواء أكانوا من بين روّاد صالونها أم من غيرهم، خارقاً بذلك ـ عن عَمْد وسبق إصرار ـ المادة الثانية عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تمنع التدخل " في حياة الإنسان الخاصة ومسكنه وأسرته ومراسلاته ••" فالغيرة أحيانا تدفع العاشق إلى فعل ما لا يقدم عليه وهو في حالته الطبيعية• والحب ـ كما نعلم جميعا ـ كالقدر لا يمكنك تفاديه حتى إن كنتَ تملك كنزاً من الحذر• ولأهمية هذا الموضوع، يفرد المؤلف فصلا كاملا في الكتاب بعنوان " عاشقة ومعشوقة " يتكون من ملفات خاصة لكل واحد من عشاق مي والمعجبين بها : جبران خليل جبران، وعباس محمود العقاد، وإسماعيل صبري، ومصطفى صادق الرافعي، وإنطون الجميل• وعندما يجد أنهم كثر يجمع الباقين في ملف واحد عنوانه " عشاق ومعجبون آخرون "يضم فيه أمين الريحاني، والطبيب الفيلسوف الدكتور شبلي شميل، والدكتور يعقوب صروف، والشاعر الأديب ولي الدين يكن؛ ثم يضيف قائلا بصوت تُشمّ فيه رائحة الغيرة: " وغيرهم وغيرهم •••" ساورني أول الأمر شيء من القلق على المؤلّف، وأنا أتخيّل أن الغيرة تحرق قلبه المحتدم بالعواطف والمشاعر كما تلتهم النيران بيدر غلة ثمينة في فصل الصيف، وظننت أن موضوعيته كباحث ستُنحر على مذبح الغيرة، ولكنني سرعان ما أدركت أن ولهه بمي ومجابهته لعشاقها الكثيرين لم ينالا من حياده كباحث أو إنصافه كمؤرخ؛ فقد كان يقدّر كل عاشق حق قده، وينزله منزلته اللائقة به، بعبارات مخلصة وبأسلوب مشرق ناصع لا أثر فيهما للغيرة ولا للمرارة• فهو يقول عن عباس محمود العقاد، مثلا: " الأستاذ عباس محمود العقاد ظاهرة فذة فريدة، وفي أوائل القرن التاسع عشر سطع نجمه وذاع صيته، ربما لأنه دخل الساحة الأدبية مسلحا بأشياء كثيرة في مقدمتها شخصيته القوية، واعتزازه بنفسه وقلمه، وإقباله على المعرفة الجادة وإبحار فكره وقلمه في العديد من الميادين •••••" (ص 117) وبعد أن يفحص المؤلف ملفات العاشقين والمعجبين بمي، وينبش محتوياتها، ويقرأ ما بين السطور وما وراء الحروف وما تحت الفواصل ، ليعرف مَن هو الرجل الذي أحبته مي حقا، يتوصل إلى استنتاج يريح فؤاده المُعنّى، مفاده أن علاقات مي مع الأدباء ـ وحتى الحميمة منها ـ لم تكن إلا "نوعا من الصداقة الجميلة" وأن حب الأدباء لمي لم يكن إلا إعجابا بثقافتها ونبوغها المبكر وشخصيتها الجذابة• ويرتاح لهذه النتيجة ويطمئن إليها• وعلى الرغم من أن كثيراً من الباحثين يتحدثون عن علاقة " الحب" التي ربطت بين ميّ وجبران خليل جبران، وبينها وبين عباس محمود العقاد• فإن المؤلف يختلف معهم جميعا• وتحاور المؤلف بلطف قائلاً: لعل علاقة مي بجبران عن طريق المراسلات التي استمرت تسعة عشر عاما من 1912 حتى وفاة جبران عام 1931، هي الأقرب إلى " الحب "• ألا تتسامح، يا أستاذ خالد، وتقبل بذلك؟ فينكر ذلك بإصرار وينبري محاججا بقوله: " وهل من الممكن أن تنمو علاقة حب ناضجة سليمة بين طرفين ( رجل وامرأة ) لم يلتقيا ولو مرة واحدة؟ أحسب أن تصديق هذا ضرب من الخيال والشطحات اللامعقولة لا أكثر، فأبسط معاني الحب أن تتلاقى الارواح والاجساد في رباط مقدس " ( ص 116 ) ثم يقرر بكل وضوح : " ما كان بين مي وجبران هو إعجاب متبادل لا يصل إلى مرتبة الحب، فلو كان حبا لقهر حاجزي الزمان والمكان والتقى العاشقان ، لكن العلاقة بينهما لم تتم ولم تتبلور إلا في تلك الرسائل التي تبادلاها •" (ص 116)• ثم يدعم المؤلف آراءه بحجج استقاها من الوثائق الكثيرة التي اطلع عليها فيقول: " أكان جبران يتذكر مي وهو يسطّر رسائل الشوق والغرام لماري هيسكل ويقول لها: " دعيني أصرخ بكل ما في حنجرتي من صوت: "إني أحبك" وفي نفس الوقت يكتب لمي زيادة: " متى يا ترى تتفتح الأبواب الدهرية إذا كان هذا الحب ـ أو هذا الوهم ـ حباً صادقا لا تسليةً ظريفة •• " (ص 116) ويسرني، في هذا الموقف أن أفضي بسرّ إلى المؤلف ـ وقد أخذتُ أتعاطف معه ـ وكنت قد اطلعتُ على هذا السرّ إبان دراستي في الولايات المتحدة في كتاب بعنوان ( نبيي المحبوب) لكاتبة أمريكية من أصل لبناني اسمها الحلو، وخلاصته أن ماري هيسكل تلك، وهي صاحبة مدرسة أهلية ومديرتها ، اكتشفت موهبة جبران الفنية فابتعثته على حسابها إلى باريس لمدة سنتين لدراسة الرسم، ثم أنفقت عليه باستمرار بعد عودته إلى أمريكا، وعلّمته كيف يكتب بالإنجليزية، ولكنها لم ترتبط معه بعلاقة جسدية، وأن جبران كان يبادلها رسائل غرامية، ومع ذلك فقد كان، خفية،ً على علاقة جسدية مع إحدى معلماتها الأصغر سناً في المدرسة• ولعل في هذا السرّ ما يدعم رأي المؤلِّف ويريح فؤاده• أما علاقة ميّ بعباس محمود العقاد، فلا يعدّها المؤلّف حباً، لأن العقاد كان يحب آنذاك، خلال مراسلاته الحميمة مع مي، امرأة أخرى اسمها المستعار (سارة ) وهي بطلة روايته التي تحمل الاسم ذاته• وفي رأي المؤلف، لا يمكن لرجل أن يحب امرأتين حباً كاملاً في آن واحد• ويستقي المؤلف شاهدا يدعم موقفه من كلام العقّاد نفسه حين قال: " إذا ميّز الرجل المرأة بين جميع النساء فذلك هو الحب••• أما أن يجتمع حبّان قويان من نوع واحد في وقت واحد ، فذلك ازدواج غير معهود في الطباع •" (ص 126) • وحتى لو كانت علاقتا العقاد بالمرأتين تختلفان من حيث النوع: حبّه لمي حبّ الروح وحبّه لسارة حبّ الجسد، فإن المؤلّف لا يعتبر ذلك حبّاً، لأن الحبّ الكامل في رأيه هو الذي يلتقي فيه الروحان والجسدان في رباط مقدس، كما أسلفنا• وبعد أن يتوصل المؤلف إلى هذه النتيجة التي يرتاح إليها وتريحه، يستقر رأيه على أن جميع نصوص الغزل الشعرية والنثرية التي فاه بها رواد صالون ميّ من الأدباء كانت مجرد مجاملات تقتضيها آداب الزيارة والتعبير عن الشكر للمضيفة التي كانت ترد على تحيتهم بأجمل منها• جنون أم اكتئاب؟ ثم يتفرغ المؤلّف لقضية مهمّة تملأ نفسه حزنا وتدمي فؤاده حسرة، تلكم هي قضية جنون ميّ زيادة التي أعطت للكتاب عنوانه، فيفرد لها فصلاً مطولاً بعنوان " محنة مي"• وفي ظنّي أن الكتاب، جلّه إن لم يكن كلّه، يرمي أساسا إلى الإجابة على السؤال: هل جنّت ميّ حقا؟ وعلينا أن نقرأ عنوان الكتاب على أنه :(تحقيق في جنون مي)، وليس جنون ميّ ثابت• ويحسّ القارئ بآلام المؤلّف وأوجاعه وهو يروي لنا محنة مي وكيف أن الأحزان قد تكالبت عليها بعد وفاة أبويها، وكيف أن صحتها قد تدهورت، وكيف " تآمر" عليها بعض أقاربها الذين استنجدت بهم لمساعدتها، فحصلوا منها، سنة 1937، على توكيل عام، ثم عادوا بها إلى لبنان، وحجروا عليها، وأدخلوها مستشفى المجانين في العصفورية، حيث أمضت سبعة أشهر دون أن يتفقدها أحد من أصدقائها السابقين أو يمد لها يد العون• وتنتعش آمال المؤلّف قليلاً عندما تقوم صحيفة المكشوف اللبنانية وبعض الأصدقاء وفي مقدمتهم أمين الريحاني، ، بحملة واسعة، أوائل عام 1938، للدفاع عن ميّ حتى تمّ لهم نقلها من مستشفى المجانين إلى مستشفى الجامعة الأمريكية• ويتابع المؤلف بإعجاب وقائع المحاضرة التي ألقتها مي بعد ذلك في الجامعة الأمريكية حول " رسالة الأديب إلى المجتمع العربي " برباطة جأش وحضور ذهن وهدوء نفس، ما أتاح للمدعي العام وكبير الأطباء في لبنان دحض تهمة الجنون والحصول على قرار من محكمة بيروت برد اعتبارها• وتعود ميّ إلى مصر، ويسعد المؤلّف بعودتها، واستردادها حرية التصرف بممتلكاتها، واستئنافها نشاطها الثقافي الأدبي حيث ألقت محاضرة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1939، ونشرت عدة مقالات، وكتبت مؤلفات لم تُنشر، منها كتاب ( ليالي العصفورية ) التي وصفت فيه معاناتها في مستشفى المجانين، ومذكراتها التي تتعرض فيها إلى حياة الأدباء الذين عرفتهم وإنتاجاتهم• إذن، مي لم تكن مجنونة وهذا ما يُفرح المؤلف ويريحه• ولكن موضوعية الباحث في أعماقه تضطره إلى عدم إغفال شهادات مناقضة، أو مشككة على الأقل، لعدد من أصدقائها الذين زاروها بعد عودتها من لبنان، فيورد نصا من عباس العقاد يقول فيه: " زرت الآنسة مي ورأيتها ترتجف، وهي تفتح الباب وتشير إلى المسكن الذي أمامها وتضع إصبعها على فمها تحذرني من الظلام، قالت: ألا ترى هذه الحجرات وما فيها من النور؟ إنها خالية وخاوية فلِمَ ينيرونها في هذه الساعة؟ فاتجهتُ إلى تلك الحجرات وسألتُ عاملا وجدته عند بابها، فعلمتُ منه أنهم يعدونها للتسليم في اليوم التالي وهو أول الشهر وأول تاريخ الإيجار، فلما أنبأتها بما علمتُ بدا عليها الخوف، وخطر لها أنني أخفي عنها المؤامرة أو أشترك مع المتآمرين •" (ص 183) ثم يورد نصا آخر لموسى سلامة يقول فيه: " كانت صورة مي في ذهني-عندما ذهبنا لزيارتها -لا تزال صورة الفتاة الجميلة الحلوة التي تضحك في تدلل••• ودققنا الجرس، فخرجت لنا امرأة مهدمة كأنها في السبعين، وقد اكتسى رأسها بشعر أبيض مشعث وكان وجهها مغضنا، وقد تقاطعت فيه الخطوط وكان هندامها يبدو مهملا•••وقعدنا نتحدث وجعلت تلومني لأني لم أسأل عنها وتدفقت دموعها كما لو كانت ميازيب••• وجرى بكاؤها في تشنّج كأنها تلتذه، ثم هدأت وأشعلت سيجارة•• وجعلت تدخن وتنفخ دخانها عليّ مداعبة، لأني أكره الدخان، وهنا استولى عليها الطرب فشرعت تصحك في إسراف يزيد على إسرافها في البكاء، وكانت تتشنج بالضحك كما تتشنج بالبكاء وتكرر هذا منه ضحك فبكاء ، مع إسرافي في الاثنين• لقد وقفت مي على أطراف " مرقص الحياة " على حد تعبيرها في كتابها ( ظلمات وأشعة ) قبل خمس وعشرين سنة •" (ص 184) ويداهم الحزنُ المؤلفَ عندما تتدهور صحة ميّ نفسيّاً وجسديّاً، ويذرف دمعة حرّى بصمت عندما تُنقل إلى مستشفى المعادي بالقاهرة في حالة إعياء وإغماء حيث تسلم الروح إلى بارئها في التاسع عشر من أكتوبر عام 1941 •" وكانت وهي تسلمها مبتسمة في غفوة تفكير وتأمل•• وكأنها كانت تشعر بمجيء تلك اللحظة فتهيأت لها•" كما يخبرنا المؤلف• التحليل النفسي لكتابات مي هل جنّت ميّ حقاً ؟ لا يميل المؤلّف إلى إثبات جنون ميّ، لأن الجنون، كما تعرّفه المعاجم، يعني زوال العقل أو حصول اختلال فيه• ونستشف من مجمل الكتاب أن المؤلف يرجّح أن ذلك لا ينطبق على ميّ حتى عندما كانت في مستشفى العصفورية وبعد خروجها منه مباشرة ، فقد استطاعت أن تكتب وهي في المستشفى كلاما يدل على رجاحة عقل، وألقت محاضرة بعد خروجها من المستشفى تدل على عقل منظم يقظ• وإذا لم يكن ما أصاب ميّ هو الجنون أو نوع من الجنون فماذا أصابها يا ترى؟ وما هو سرّ محنتها؟ للإجابة على هذا السؤال يستعين المؤلف بالتحليل النفسي الحديث الذي يؤكد أهمية مرحلة الطفولة في حياة الفرد، ودور اللاشعور في التأثير على سلوكه وتصرفاته• فينقب في مسيرة حياتها، وكتاباتها، وكل ما يمت إليها بصله ثم يشخّص حالتها بالكآبة• ونعود إلى كتب علم النفس فنعرف أن الاكتئاب هو من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعا، فهو إذن يصيب النفس لا العقل• وهو على أنواع كثيرة ودرجات متفاوتة من حيث الحدّة، وأعراضه تختلف من شخص لآخر، فعند بعضهم يكون على شكل أحاسيس قاسية من اللوم وتأنيب النفس، وعند بعضهم الآخر يكون على شكل مشاعر باليأس والتشاؤم والملل من الناس• وللاكتئاب أنواع عديدة، أبسطها الاكتئاب الاستجابي الذي يحصل استجابةً لأحداث خارجية تنزل بالإنسان، كفقدان شخص عزيز، فيشعر بالحزن والإحباط والقلق• ولكن هذا النوع من الاكتئاب ينتهي بعد فترة قصيرة ، وأخطر أنواع الاكتئاب هو الاكتئاب الداخلي الذي ينشأ ويتكرر ويستمر دون وقوع أحداث خارجية ملموسة• ويتحول المؤلّف إلى طبيب نفساني مستخدماً التحليل النفسي في تمحيص ما مرّ في حياة مي من أحداث وما أصابها من نكبات منذ طفولتها، فخلّف في نفسها ذلك الاكتئاب، مستعينا بكتاباتها• وهكذا يصبح النقد عنده نوعا من القراءة السيكولوجية للنصوص الأدبية• ومعروف أن التحليل النفسي لم يُطبّق على النصوص السردية والشعرية كثيرا في البلاد العربية، ربما لنشأته الفرويدية ولأسباب إيديولوجية أخرى• ولكن أنصاره يقولون إن هذا النوع من النقد يساعد في إغناء النص الأدبي ويجعل له مستويات متعددة للقراءة والتأويل، ويضيف إلى العُقد الظاهرة عُقداً باطنة، ويصطحب فيه الناقدُ القارئَ إلى دهاليز اللاشعور لدى الكاتب وهو يبدع عمله الفني• وإذا كان التحليل النفسي ينصبّ عادة على الذكريات الكامنة في اللاشعور، والأساطير، والأحلام؛ فإن الناقد يطبقه على النصوص الأدبية وكأن الكتابة نوع من الحلم الجميل• ولقد أصاب المؤلِّف في تطبيقه التحليل النفسي على النصوص الأدبية التي خلّفتها ميّ زيادة وهو يحاول التوصل إلى جذور محنتها وأسباب الآلام النفسية التي عانتها• فهو يردّ اكتئاب مي إلى صراع نفسي وحزن عميق ومشاعر مضطربة، ويتتبع الأسباب ابتداء بولادتها وجذورها العائلية• ويضع يده على أول هذه المسببات وهو ما يمكن تسميته بـ " اللاوطن" أو الإحساس بعدم الانتماء إلى وطن معين•• ويجد المؤلف ما يدعم رأيه في نص من نصوص ميّ ورد فيه ما يلي: " وما لبث أن انقلب التفكير فيّ شعوراً، فشعرت بانسحاق عميق يذلني؛ لأني، دون سواي، تلك التي لا وطن لها••• ولدتُ في بلد، وأبي من بلد، وسكني في بلد، وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد، فلأي هذه البلدان أنتمي؟ وعن أي هذه البلدان أدافع؟•••" (ص 24) ولم تشعر ميّ أن نفسها موزعة بين البلدان فحسب، وإنما كانت موزعة بين الأسماء كذلك• فعندما ولدت اختار لها أبواها من الأسماء اسم ( ماري ) ولكنها غيّرت اسمها فجعلته (مي) لا لأنه اختصار لاسم (ماري) بالاقتصار على الحرفين الأول والأخير منه فحسب، بل، كذلك، لأن اسم (ماري) أجنبي اللفظ والرنين في حين أن (ميّ) اسم عربي أصيل يبعث في النفس الحنين، فقد كان اسم (ميّ) هو اسم محبوبة ا لشاعر الأموي ذي الرمة، التي قال فيها: خليلىّ عُدّا حاجتي من هواكما ومَن ذا يواسي النفسَ إلا خليلها ألمّـا بمـيٍّ قبـل أن تطـرح النـوى بنا مطرحـاً، أو قبلَ بينِ يزيــلهـا فألا يكن إلا تعلل ساعة قليــلا فـإنـي نافـعٌ لـي قليلـــــهــــا وهي أبيات ألقاها طه حسين حزيناً رصيناً في مطلع رثائه لها في حفل تأبينها حتى ظنّ بعض السامعين أنها من نظمه ، وقد تسمّت ماري زيادة بعدّة أسماء أخرى غير مي،ّ منها: إيزيس كوبيا، وعائدة، وكنار، وشجية، والسندبادة البحرية الأولى، ومادموزيل صهباء، وخالد، ورأفت، ووقّعت بهذه الأسماء بعض مقالاتها وقصصها• ويتساءل المؤلِّف قائلا: " عجباً •• كل هذه الأسماء لفتاة واحدة•• قلقة•• حائرة، لم يسلم من قلقها وحيرتها حتى اسمها فيتغير بتغير الظروف والأحوال•••")ص 16) ثم يدقق المؤلف في معاناة ميّ في طفولتها حينما كانت تعيش في مدرسة داخلية في لبنان بعيداً عن أهلها الذين كانوا في فلسطين فيقول: " إن شعورها بالكآبة والتشاؤم وهي فتاة دون الخامسة عشر من عمرها، يرجع إلى شعورها بالوحدة والاغتراب والبعد عن أهلها، فقد كانت تقضي أيام الآحاد والأعياد في المدرسة حين تنصرف رفيقاتها وزميلاتها إلى بيوتهن دونها، فوجدت دنياها الأولى في الدير مع الراهبات، حيث كانت تسرح روحها في ملكوت الألحان السماوية والتأمل الغيبي، غير أن هذه الوحدة لها عيوب ومميزات، فمن عيوبها أنها تجعل المرء يشعر بالكآبة وتفيض نفسه باليأس، كذلك نرى أن الجو الاعتزاليّ جو رهيب يحتاج إلى صبر وجلد•••" (ص 21) وعن تلك الفترة من حياة مي يقول المؤلف عن معاناتها: " وتظل ميّ تفتش عن السعادة بين ضباب الدموع، وتسأل الله في إحدى قصائدها الفرنسية قائلة: " يا أيها الخالق ! إن الحياة مراحل آلام، وسلسلة أوجاع، ولجة دموع، ومع ذلك فَطَرْتَ الإنسان على السرور وأعددته للسعادة•، أين السعادة الموعودة؟ أفى العلا ؟ أم فى سمائك الزرقاء الجميلة بين الشموس التى لا تحصى والعوالم اللامتناهية ؟ •••" (ص 38) واستنادا إلى تحليل المؤلف النفسى لنصوص مىّ الأدبية ، يرى أن اكتئابها متجذّر فى أحزانها على فقد أشخاص عزيزين عليها • ففى طفولتها اختطف الموت أخاها الوحيد الصغير • وقد يظن القارئ أن هذا الحدث سيصبح مجرد ذكرى باهتة مع مرور الزمن • ولكن المؤلف يعتقد أنه خلف جراحاً فى أغوار ذاتها لم تبرأ أبداً ، لأنه عثر على أهداء صغير افتتحت به كتابها (ابتسامات ودموع ) الذى ترجمته عن الكاتب الألمانى ف مكس مولر ن تقول فيه : " إلى العينين اللتين أطبقهما الموت قبل أن ألثمهما، إلى الابتسامة التي لا أعرف منها إلا خيالها، إلى الاسم العذب الذي لا تهمس به شفتاي دون أن تملأ عينيّ الدموع، إلى الطفل الذي رحل إلى خالقه ويتّم فيّ عاطفة الحب الأخوي، فحرمني من حنو الأخ وقبلته وابتسامته ودمعته••إلى أخي الوحيد الذي تقاسمه الأثير والثرى •" (ص 157) أذن عاشت ميّ وحيدة في طفولتها: في المنزل ، والدير، والقسم الداخلي، وعاشت وحيدة لم تتزوج في شبابها، " ولم تكن تعلم أن هنالك شيئا يجذب شبابها إلى التلاشي، إنه الزمن الذي هو أقوى من أي شيء آخر، لم تشغل ميّ نفسها بالمستقبل، فلم تدخر شيئا لمستقبلها ولم تختر لنفسها زوجاً يشاركها رحلة عمرها "، كما يقول المؤلف• (ص 147) وقد تضاعفت هذه الوحدة عندما توفي والدها عام 1929، وتوفي جبران خليل جبران عام 1931 قبل أن يستطيع أن يفي بالوعد الذي قطعه لميّ بالعودة إلى لبنان، وتوفيت والدتها عام 1932، وبوفاتها فقدت ميّ العطف والحنان والسعادة وازداد شعورها بالوحدة والتعاسة• إذن، فالمؤلف يرد أسباب محنة مي ومعاناتها إلى الاكتئاب ويلقي باللائمة عليه• ولكنني أود أن أخفف عن المؤلف بعض الشيء فأخبره أنه لولا ذلك الاكتئاب لما أبدعت مي روائعها الأدبية، إذ إن تاريخ الأدب يدلنا على أن الاكتئاب عامل من عوامل الإبداع الفني لدى بعض الكتّاب الذين لا يتناولون القلم إلا وهم تحت وطأة ذلك الإحساس الداخلي المؤلم، وميّ واحدة من أولئك الأدباء• مكانة أدبية رفيعة ويفاجئك المؤلّف في آخر الكتاب عندما يقيّم إنتاج مي الأدبي تقييماً موضوعياً ، لا أثر فيه للهوى ولا محاباة• فيستعرض أراء النقاد في أدبها، بموضوعية لم تتأثر بمحبته لها، فتراه متزناً لا يقف مع أولئك الذين كالوا الثناء والمدح والإطراء لمؤلفاتها كالشاعر كامل الشناوي، ولا مع أولئك الذين تحاملوا على مي وسخروا منها كالصحفيّ محمد التابعي، وإنما يقيّم ما قالوه بحياد تام في ضوء نصوص ميّ الأدبية ويخرج برأي مستقل• وهكذا فإن المؤلف يرى أن إنتاج ميّ يجب أن يقيم في ضوء أدب عصرها، وأن ميّ التي لُقّبت في زمانها بـ " سيدة القلم العربي " و " الأديبة النابغة " و " أديبة العصر " " كانت أهلا لكل تقدير لما قدمته للمكتبة العربية من مؤلفات، وكانت من رواد التجديد في عصرها••" ثم يردف قائلا: لا أبالغ إذا قلت إنها لو انصرفت إلى التخصص في فنّ أدبيّ واحد لأثرت المكتبة العربية والغربية أيضاً بنفائس عظيمة تصنع تياراً خالداً• إن أديبتنا خطبت وحاضرت وترجمت وفتحت صالونها للأدباء والمفكرين، وكل هذا بالطبع وزع انتاجها ومواهبها•" (ص 247 -248) وعندما نتذكر أن مي زيادة كتبت ـ خلال حياتها القصيرة ـ ديوان شعر باللغة الفرنسية وترجمت رواية من اللغة الألمانية ورواية من اللغة الإنجليزية وروايتين من اللغة الفرنسية وألفت رواية باللغة الإنجليزية، ومارست الخطابة، وكتبت المقالة، والسيرة، والنقد، والخواطر والسوانح، والمذكرات واليوميات، والقصة، وغيرها من الأجناس الأدبية، نقتنع أن المؤلف كان على صواب في أحكامه، وفي الوقت نفسه ندرك أن المكانة الأدبية المرموقة التي تبوأتها ميّ في صرح الأدب العربي إن هي إلا نتيجة لثقافتها المتنوعة، ومواهبها المتعددة، وقريحتها المتدفقة• لا أجد خاتمة أجمل من كلمات المؤلف التي تكشف لنا عن سرّ محبته لمي وغرامه بها: إن جمال الصورة في ميّ لم يكن في لمحات وجهها وحدها، ولا في رشاقة جسمها وحركاتها، وإنما كان نبعه الصافي من أعماقها ومما أوتيت من بصيرة ملهمة وعبقرية فاتنة وأنوثة مهذبة •" (ص 30) " وإذا كان لكل شيء بداية فحتما ستكون له نهاية•• فكل زهرة مصيرها بعد النضرة والنضج إلى الجفاف والذبول •• هكذا الحال مع ميّ، سارت حياتها بخطوات سريعة إلى الهموم قبل الأوان، فعرفت الشيخوخة والمحن في ريعان شبابها، وألحّ عليها الحزن والغمّ فاكتأبت وزهدت في كل شيء حولها، وتعكّرت ملامح وجهها• وإذا كانت قد غابت صورة ميّ المحسوسة، فإن صورتها الحقيقية الخالدة ما تزال باقية في مؤلفاتها وآثارها•" (ص 32) ــــــــــــــــــــــــــ

شموخ امراة 06-17-2012 02:52 PM

رد: ادباء كانو بيننا
 
الـذين اتهـموها بالجنون •• هم أقرب الناس إليها

الكاتب:عادل دسوقي

بين دفتي هذا الكتاب •• يفوح عبق قرنين ونيف من الزمان •• ويحمل سيرة شخصية استثنائية بكل ما تحتويه الكلمة من معني ، حيث عاشت صاحبته طقوس وقوانين المستقبل في ماض محفوف بالتأويلات وقصور الرؤيا •• الذي يتضح من خلال تصفح هذا الكتاب حيث تناول المؤلف الكاتب الصحفي خالد محمد غازي سيرة وكفاح وحياة الأديبة الشاعرة مي زيادة ويتحدث في الفصل الأول عن حياة الطفولة والصبا لهذه الأديبة ويشير إلى أنها ولدت في بلدة الناصرة بفلسطين - موطن السيد المسيح - في الحادي عشر من شباط عام 1886 م من أب لبناني هو إلياس زخور زيادة ، والذي هاجر من قرية شحقول إلى فلسطين ، واشتغل معلماً في مدرسة الأرض المقدسة بالناصرة ، وفي هذه القرية تعرف إلياس على نزهة خليل معمر وهي فلسطينية المولد والموطن ، سورية الأصل ، أرثوذكسية المذهب ولفتت نزهة نظر إلياس زيادة بوعيها الثقافي ومطالعاتها الكثيرة وحفظها مئات الأبيات الشعرية وتم التقارب بينهما بالزواج ورزقا بطفل وطفلة ولكن الموت عاجل الطفل فأسبع الوالدان الحنان على طفلتيهما الوحيدة مارى فلاقت الرعاية منذ طفولتها المبكرة وآثرت ماري اسم مي من دون الأسماء الآخرى وشغفت به ، ولم يكن أحد يعلم أن ماري ستغير اسمها من ماري إلى مي وقد تسمت مي زيادة بعدة أسماء آخرى غير ماري منها إيزيس كوبيا ، السندبادة البحرية الأولى ، مداموزيل ، صهباء ، خالد ، رأفت • تلقت مي زيادة القرأة والكتابة في قرية الناصرة •• في دير المدينة ولكنها سرعان ما غادرت الناصرة مرتع طفولتها وصباها إلى لبنان وشاءت الأقدار ألا تعود مي مرة أخرى إلى الناصرة ، وإن كان لسانها ما زال يهلج بذكرها وأهلها •• والتحقت بمدرسة راهبات عينطورة في سن 13 سنة وتفتحت مداركها على التوجيه الديني من والديها ومن معلماتها الراهبات فنشأ قلبها الصغير المتفتح بفرد تقي ، وفي عام 1904 انتقلت من مدرسة عينطورة إلى مدرسة الراهبات اللعازات في بيروت ولكن روح الاستبداد والقهر في لبنان دفع بالأسرة إلى الهجرة إلى مصر وتوافقت هجرتها إلى مصر مع اكتمال أنوثتها فأصبحت امرأة آثرة الجمال وجاهدت مع أبيها فدرّست اللغة الفرنسية لبنات بعض العائلات ، وأصبح والدها صاحب ورئيس تحرير جريدة المحروسة ، مما جعلها تتعرف على طبقة من الكتاب والصحفيين لتتبلور موهبتها كأديبة • وينتقل من خلال الفصل الثاني الذي يحمل عنوان بين العلم والأنوثة إلى بريق الذكاء الذي كان يتلألأ في عينيها السوداوين لتلتقي بهما سر الطبيعة التي أحبتها صغيرة وتجافت عنها كبيرة ، أما والدها فكان يرعاها كالزهرة النضرة في مطلع الربيع وكان يزهو بها وسارت حياتها بخطوات سريعة إلى الهموم قبل الأوان فعرفت الشيخوخة والمحن وهي في ريعان الشباب •• يقول العقاد عنها : إنها كانت مثقفة قوية الحجة اهتمت بتحرير المرأة وإعطائها حقوقها ، وكان أول كتاب ترجمته مي عنوانه الأصلي الحب الألماني لكن العنوان لم يرق لها فبدلته إلى "ابتسامات ودموع" ويحمل العنوان في دلالة قاطعة على ما يعتمل داخلها • ثم ينتقل المؤلف في سلاسة وعذوبة منقطعة النظير إلى الفصل الثالث الذي أسماه الدراسة والصحافة ، ويقول: كانت تواقه إلى المزيد من العلم والتحصيل في الفلسفة والأدب وكان لمقالاتها الصحفية في الصحف المصرية دوراً اجتماعياً كبيراً فكان لأسلوبها مذاق خاص ، كتبت العديد من المقالات الجريئة •• بأسماء مستعارة وعندما أنشأت جريدة السياسة الأسبوعية في عام 1929 عرضت الجريدة أن تتولى مي قسم المرأة فيها ، ولكنها رفضت هذا التخصص وابتكرت باباً جديداً أسمته "خلية النحل" وحاولت جريدة الأهرام أن تجتذبها وأعدت لها مكتباً في غرفة رئيس التحرير ، ولكن ظلت صلتها بالأهرام صلة الكاتبة الحرة، لقد كانت مي خطيبة وشاعرة وكاتبة• هموم العربية كما تراها مي على نفس المستوى من التألق •• وفي الفصل الرابع يتناول خالد محمد غازي اتجاهها إلى العربية التي شغلت نفسها بهمومها ومشكلاتها من خلال المجمع اللغوي ومتابعة جلساته وإن كانت مي قد عانت صعوبة النحو العربي لما فيه من خلاف في المذاهب بين البصرة والكوفة ، فقدمت اقتراحاً للمجمع اللغوي لحل هذا الإشكال وعندما اشتد قلمها في العربية واتسع وعيها بدقائق اللغة وانبسط تفكيرها في مناحي الثقافة أخذت تنشر مقالاتها في المحروسة جريدة أبيها وكانت هذه المرحلة من حياتها وثقافتها مفتحة النوافذ على الشرق والغرب ، هي أشبه بعراك وهي دون العشرين ولم يضق صدرها باليانات الآخرى ، برغم أنها مسيحية ولم تعرف التعصب الديني وكانت نظرتها السمحة للأديان بل لقد أنصفت القرآن عندما تحدثت عن الديمقراطية في كتابها المساواة • وفي الفصل الخامس •• يتناول المؤلف مي زيادة ودنياها الأدبية ويقول : عرف العرب الصالونات الأدبية والندوات النسائية منذ عهود قديمة وهي ظاهرة جديرة بالدراسة والاهتمام والمكتبة العربية تعني فقط في المؤلفات التي تتعرض لها ، وكانت بداية انعقاد صالون مي عام 1913 وكانت تقدم شراب الورد أو القهوة على الطريقة الشرقية وكان من رواد ندوتها إسماعيل صبري ، منصور فهمي ، ولي الدين يكن ، أحمد لطفي السيد ، أحمد زكي، رشيد رضا ، محي الدين رضا ، ويعقوب صدوف ، سلامة موسى ، خليل مطران ، مطصفى صادق الرافعي وغيرهم كثير وقد كان الطابع العام لندوتها هو الطابع الأدبي الذي لم يتغير ولم يزاحمه شعار آخر ولكن تجافت صاحبته عن السياسة الحزينة والأجنبية ، فما كان لها أن تغفل عما يدور في الخواطر من جراء هذه السياسة من النواحي القومية والعالمية • وعن صالونها يقول د• طه حسين : كان صالونها ديمقراطياً أو مفتوحاً لا يرد عنه أحد ، وجاء عام 1919 يحمل في طياته الأحزان لمي •• فقد توفي والدها إلياس وقد كان سنداً قوياً لها •• ورغم أن الصدمة كانت كبيرة غير أن الأيدي التي امتدت لمساعدتها خففت من وطأة الصدمة •• واستمر صالونها قرابة 25 عاماً وهي أطول فترة عرفها صالون أدبي في الشرق •• وشهد معارك فكرية عديدة •• من أهمها معركة السقور • عاشقة ومعشوقة وفيه وينتقل المؤلف إلى الفصل السادس ويعنونه عاشقة ومعشوقة وفيه يتناول علاقات مي العاطفية ويقول : إن الجانب العاطفي من حياة مي كان به جانب من الغموض والإبهار الكثير ولم يحسن تناوله أو مناقشته بشكل نهائي وموضوعي ، وقد أثر هذا الجانب على حياتها وأدبها وشغلت علاقة جبران خليل جبران بمي الجزء الأكبر من كتب وأبحاث الباحثين ، حيث شكلت أهم علاقة في حياة مي بدأت هذه العلاقة علاقة فكرية أدبية ثم تطورت إلى صداقة ثم إلى تلميح بالحب ثم إلى الغرام الصريح ، ولعل رسالة مي التي أرسلتها إلى جبران تكشف ما في نفسها من شوق مكبوت وكانت علاقة عباس العقاد بمي محط اهتمام ثم أحمد لطفي السيد وعلى الرغم مما في رسائل لطفي السيد من عاطفة مشبوهة فأنها تتخللها المعاني الإنسانية ثم إسماعيل صبري ومصطفى صادق الرافعي ولم يقتصر العشاق والمعجبون على ما ذكر ولكن أمين الريحاني ود• سبلي شمبل ود• يعقوب صدوف والشاعر الأديب ولي الدين يكن •• أما في الفصل السابع •• فيتناول المؤلف محنة مي •• فقد شاءت الأقدار أن تكتوي مي بلهيبها وأن تجعل من أيامها حزمة حطب يابسة توفيت أمها بعد أبيها في 5 /3 /1932 وفقدت مي الحنان والعطف وبعد أيام جاءها من وراء البحر نعي جبران الذي أشعلت علاقتها به حريق رهيباً مريراً بين العاطفة والعقل وحول حالتها النفسية إلى ثنائية قوامها طرفان متضادان فهي وحيدة في الحياة وكان بإمكانها ألا تكون وحيدة •• لقد ضحت مي بكثير من حياتها وما أعظم ضحت به وهو شبابها اللامع الوضيئ المتوقد وقدمتها للحياة قرباناً خالصاً •• وقبل تدهور صحتها زارها صديقها الاستاذ طاهر الطناحي فلمح من حديثها التشاؤم والحزن غير أنها لم تقطع الصلة بالناس فجأة وإنما قطع حبال وصالها تدريجياً تأوهت مي ومضت تقص عليه قصتها من أولها فذكرت ما عراها من الهم والوحشة بعد وفاة والديها وظلت في مستشفى العصفورية سبعة أشهر حتى ذبلت والمأساة التي عاشتها مي في الحقيقة كان سببها الطعن في عقليتها وأضطهادها دون علم أولى الأمر في الحكومة اللبنانية حتى علمت الصحافة الأدبية وشنت حملة عنيفة غرضها إنصاف مي ، وكان أشد ما أثر في نفس مي هو تخلي أصدقائها من الأدباء عنها وانطوت مي على نفسها فلم تعد تستقبل أحد من زوارها أو أصدقائها ولم تعد تخرج من منزلها وتاه الوعي عن الزمن والذات ، وكأنها كانت تعرف بمجئ لحظة الموت فتهيأت لها ولم يعرف بخبر وفاتها ولم يمشي في جنازتها إلا قلة من الأوفياء ، ثم ينتقل المؤلف إلى الفصل الثامن ويعنونه إيزيس كوبيا وإبداع متألق ويتناول العوامل التي كونت ثقافة مي وإجادتها العديد من اللغات الأجنبية فتعلمت الفرنسية في سن مبكرة والأنجليزية ، والإيطالية والألمانية والأسبانية • أزاهير المبدع ويشير المؤلف إلى أن إتقان مي لعدة لغات جعل لديها رؤية واضحة عن ثقافات تلك الدول وبلور فكرها ، وينتقل إلى الفصل التاسع الذي عنوانه "من أجل امرأة" ويقول أن مي نادت بتحرير المرأة من ظلم المجتمع لها وطالبت بحقوق المرأة المهدرة والتي نادت بها الأديان ، والتي سوت بين الرجل والمرأة ورأت أن من أهم حقوق المرأة هو التعليم الذي يهذب طباعها وينمي ملكتها ، ثم ينتقل إلى الفصل العاشر بعنوان "أزاهير المبدعة" ويتناول نوع الفنون الأدبية التي عالجتها مي على أختلاف موضوعاتها وعدم أكتفائها بفن أدبي واحد الشعر أو الترجمة فكانت مي الشاعرة حيث أصدرت ديوانها الأول "أزاهير حلم" ثم مي الخطيبة والمحاضرة فقد كانت موهوبة في الخطابة فكانت تقف على المنابر في الجمعيات النسائية في مصر تدعو إلى إغاثة لبنان وإلى غيرها من القضايا وكان لحديثها سحر يجذب المستمع إليه حتى أن العقاد يقول أن ميا كانت فيما تتحدث به كالذي تكتبه يعد رواية وتحضير، وفي أدب المقال كانت بداية رحلة أديبتنا مع أدب المقال وهي طالبة صغيرة حيث كانت تدون مذكراتها على شكل مقالات بالعربية والفرنسية وقد نشرت مقالاتها في جريدة المحروسة ومجلة الزهور وفي الدراسات الأدبية والنقدية فقد كانت مجددة في هذا المجال وألفت كتباً كتابها عن باحثة البادية وعن عائشة تيمور وكتابها عن حياة وردة اليازجي ، وبرعت أيضاً في مجال الترجمة حيث كانت تتقن عدة لغات وقد قامت بترجمة بعض الروايات عن الألمانية والفرنسية والإنجليزية •• وقد عالجت مي ذيادة فنوناً آخرى لم تتعرض لها مثل أدب الرسائل ومقالاتها المتفرقة في الفنون التشكيلة • وينتقل بعد ذلك المؤلف إلى الفصل الأخير ليتناول نقد الأدباء لمي وعلى رأسهم محمد التابعي وإن كان النقاد تحاملو على مؤلفات مي فهناك الكثير ممن أطروا وأثنوا على أعمالها مثل كمال الشناوي ومحمد عبد الغني حسن ومن أهم مؤلفات مي ديوان أزاهير حلم - رجوع الموجة - الحب في العذاب - ابتسامات ودموع - باحثة البادية - غاية الحياة - موانع فتاة - كلمات وإشارات - المساواه - بين المد والجذر - العنائق - وردة اليازجي - عائشة تيمور - رسالة الأديب في الحياةالعربية .

شموخ امراة 06-17-2012 02:54 PM

رد: ادباء كانو بيننا
 
أتمنى أن يأتى بعد موتى من ينصفنى

الكاتب : شيماء الفيصل

فى الساعة العاشرة وخمس دقائق من صباح الأحد 19 من أكتوبر 1941 ، اسلمت مي زيادة الرائدة الأولى فى احتراف الصحافة، المرأة المثقفة الاستثنائية بكل ما تحوى الكلمة من معنى فى ذلك الوقت، أسلمت الروح الى بارئها ولم يعرف بخبر وفاتها ولم يمش فى جنازتها إلا قلة قليلة من الاوفياء• لم يكن أمام الكاتب خالد محمد غازى مؤلف كتاب "جنون امرأة" غير أن يزج قارئ كتابه فى صميم حياة صحافية وأديبة عربية أثرت فى أجيال تالية كثيرة وصارت ملمحا من ملامح الثقافة العربية، وعلامة من علامات الحركة النسوية، لا فى مصر وبلاد الشام وحدهما، بل وفى اقطار المشرق والمغرب كافة، فى وقت ندر فيه وجود نساء متعلمات ومؤثرات، فى مجتمعات نسبة الأمية بين ذكورها تربو على التسعين فى المئة، والنسبة تصل بين نسائها الى تسعة وتسعين بالمئة• وسياحة خالد محمد غازى في حياة هذه الكاتبة قربت القارئ من أحوال عصر كامل، يبتدئ فى الحادى عشر من شهر شباط "فبراير" عام 1886 وهو اليوم الذى ولدت فيه مى زيادة فى الناصرة بفلسطين، التى يقول عنها المؤلف إنها ايضا - موطن السيد المسيح - فى إشارة واضحة للدور الذى لعبته الكاتبة وجسدته فعليا فى حياتها وتأثيرات ديانتها - النصرانية - فى تكوين قناعاتها الفكرية فيما بعد• وخالد محمد غازى يزجنا فى حياتها الضاجة، فيقول عنها: "لم تكتف بالكتابة فى فن أدبى واحد، نبغت بعدة مجالات: الصحافة، النقد والترجمة، الشعر ، الخطابة وأدب الرسالة• كانت فيضا لا ينفذ ومعينا لا يعتريه الجفاف من الثقافة المتنوعة"• ان مغامرة الكاتب لولج عالم المرأة شديدة الحيوية والطموح، شيقة ومتعبة في آن واحد• فقد ابتدعت فى الصحافة مجالات سبقت غيرها بها، فعندما أنشأت جريدة "السياسة الاسبوعية" المصرية فى سنة 1926 عرضت هذه الجريدة على مي أن تتولى فيها تحرير القسم النسائى، بعدما اشتهرت مي بمقالاتها فى الصحف المصرية وبأسلوبها المتمكن فى الكتابة وعفويتها فى التناول والعرض• لكن ميا رفضت هذا التخصص وابتكرت فى تحرير - السياسة الاسبوعية - باباً جديداً أطلقت عليه اسم "خلية النحل" وكان قوامه أن يتقدم من يشاء من القارئات والقارئين ببعض الاسئلة وأن يتولى من شاء من القارئين والقارئات الاجوبة عن هذه الاسئلة• وكانت كل وظيفة الصحافية المشرفة على تحرير هذا الباب هى اختيار الاسئلة والاجوبة وإعادة صياغتها صياغة لائقة• وكان هذا الباب أول باب يقبل عليه شباب القراء في سنة 1926 • وكان إقبالهم على هذا الباب يمثل جانبا من إقبال القراء على الجريدة وهكذا برهنت مي على تفهم السباق فى الفن الصحافى، لكن هذا العمل كان أخر عمل ادته مي للصحافة• وعن تأثير مي فى النهوض النسائي، وبلورة أفكار أولية متأثرة بما يحدث فى بداية القرن التاسع عشر فى أوروبا، التى كانت تضج بالحركات النسائية، نادت مي بتحرير المرأة من ظلم المجتمع وطالبت بتعلمها وإعطائها حقوقها المهدورة التى نادت بها الاديان السماوية، وانتظمت فى صفوف المصلحات وصار قلمها أحد المصابيح المضيئة فى عتمة تخلف المجتمع• ولم تكن ترى فى تعليم المرأة مسوغا يجعلها تصرب بتقاليد مجتمعها عرض الحائط، وقد راعها أن ترى النساء منشغلات عن أطفالهن، مقبلات على الزينة والاحاديث الفارغة، فخاطبتهن: "•• صغيرك يناديك فلماذا لا تجيبين يا أم الصغير؟ لست بالعليلة لأنى رأيتك منذ حين تميسين بقدمك تحت قبعتك والجواهر تطوق العنق منك، أنت صحيحة الجسم فلماذا لا تشعرين؟، ألا تحرقك دموع الطفل الذى لا ترين؟!••"• الطفولة والصبا تقول مي زيادة عن ازدواجية الولادة فى بلد والعيش فى بلد آخر، متسائلة عن جوهر الانتماء: >•• ولدت فى بلد، وأبى من بلد، وسكنى فى بلد، وأشباح نفسى تنتقل من بلد إلى بلد، فلأى من بلد هذه البلدان أنتمى، وعن أى هذه البلدان أدافع؟" ويظل تساؤل مي الحزين معلقا دون إجابة•• ولدت مي زيادة لأب لبنانى "إلياس زخور زيادة" مارونى المذهب وأم فلسطينية المولد والموطن - سورية الأصل - "نزهة خليل" أرثوذكسية المذهب• وكان لمي أخ صغير، غيبه الموت فتوفى صغيرا، مما شكل هزة عنيفة للأسرة الصغيرة ولمي على الخصوص، فأسبغ الوالدان الحنان على طفلتهما الوحيدة "مارى" فلقيت الرعاية منذ نعومة أظفارها• ولقد أثرت مارى زيادة اسم "مي" فـ "مارى" اسم أفرنجى النغمة لم تألفه الاذن العربية، على حين اسم "مى" عربى خفيف•• رشيق فى نطقه• وتلقت مي مبادئ القراءة والكتابة فى قرية الناصرة وعلى وجه التحديد فى دير المدينة الذى ذكرته فى كتاباتها• ثم انتقل والدمى "إلياس" هو واسرته الصغيرة الى لبنان وعمل بالتدريس • وبعد دراسة مى بـ "دير المدينة" التحقت بمدرسة راهبات وهى فى الثالثة عشرة من عمرها، حيث أرسلها والدها لتدرس فى القسم الداخلى بين عامى 1900 - 1903م• نشأت فى ظل تعاليم الدين كما أسلفنا فى عرضنا للكتاب، أشرق فى نفسها نور الحياة والايمان وخشية الله• وعلى الرغم من أن مى قد نشأت بين أبوين يختلفان فى المذهب، إلا أنها تتحيز إلى أحدهما فى مذهبه بل التزمت منذ نشأتها خير ما فى سجيتها، كذلك أثر فى مي زيادة تغيير المدن وابتعادها عن مدينة مسقط الرأس• فى عام 1908 هاجرت الأسرة إلى مصر، وفى المدينة الكبيرة "القاهرة" انصرف والد مي إلى الصحافة، وأسس جريدة "المحروسة"، وكانت مي تحرر فيها باب ثابتا بعنوان "يوميات فتاة" كتبت فيه العديد من الآراء والمقالات الجرئية باسماء مستعارة مثل "خالد رأفت ايزيس كوبيا، السندبادة البحرية الأولى•• "• وعن شكل مي الخارجى يحدثنا الكاتب: كانت مي ربعة القوام، لم تملأ جسمها ولم تكشف عن نحافة، مستديرة الوجه، أما لون بشرتها فحنطى مشرق باسم شفاف يجلل وجهها شعر أسود فاحم السواد•• كانت كل حاسة من حواسها وجارحة من جوارحها تنم عن ذكائها، وكل ذلك جعلها تؤثر فى مستمعيها بحديثها الى جانب ما فى شخصيتها من اللطف والدعة واللين، ويحدثنا خالد محمد غازى أيضا عن ثقافتها، ليكتمل لنا البورتريه الذى رسمه لمي بزواياه البارزة، المؤثرة فى القارئ إلى أمد بعيد: كانت مي مثقفة، قوية الحجة توزع اهتمامها بين العلم والانوثة، ورغم اطلاعها على الافكار الغربية المتطرف منها والمعتدل ومع أن مكتبتها كانت تخلو من كتاب جديد فى مذهب جديد أو رأي مبتكر ورغم سفرها المتكرر لأوروبا إلا أنها لم تتأثر بأي رأى هدام أو مخالف لشخصيتها العربية التى ظلت متمسكة بها، ولم تأخذ عادة سيئة من الغرب، بل استعملت بصرها كما استعملت بصيرتها فى الكتابة وما تحمله بين ضفافها•• ويحق لنا وللكاتب أن نتساءل: مى••• ألم تقولى: "بأنه ليس للعلم والفلسفة والشعر والفن وطن"؟ فما بالك استرسلت فى تساؤلاتك عن الانتماء؟!!• صالونها الأطول عمراً يصف الشاعر الكبير إسماعيل صبرى مشاعره، معبرا عن ضيقه عندما تغيب مرة عن المجئ الى صالون مى الأسبوعى: روحى على بعض دور الحى صائمة كظامئ الطير صواما على الماء وهذا يقودنا الى الحديث عن الصولونات الأدبية بداية القرن الماضى، لقد لعبت الصالونات الأدبية دورا مهما فى نشر الثقافة وإلقاء الضوء على إنتاج الادباء والمفكرين، والتعريف بالأداب المختلفة ودفع الادباء المغمورين الى عالم الشهرة والنجاح• وكانت بداية انعقاد صالون مى عام 1913 حينما وجهت دعوة فى إحدى خطبها، فقد كانت خطيبة بارعة ومحاضرة من الطراز الرفيع وفى حديثها سحر يجذب المجتمع، لعقد صالون أدبى فى بيتها، فلقيت من المحاضرين تشجيعا واستحسانا كبيرين•• كان صالونها الأدبى يعقد كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع ومكث أعواما تحت رئاسة الشاعر الكبير إسماعيل صبرى• واستقطب الصالون المفكرين والكتاب والشعراء ونوعيات مختلفة من علية القوم والاثرياء والأدباء والشعراء الفقراء• وكان صالون مى فسيحا، اختارت أثاثه بنفسها، وعلقت فى صدر صالونها أبياتا للامام الشافعى تقول: إذا شئت أن تحيا من الاذى وعيشك موفور، وعرضك رصين لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن تقدم مى فى صالونها شراب الورد أو القهوة على الطريقة الشرقية وكانت تجلس فى صدر صالونها ترحب بضيوفها•• وكان المترددون على صالونها يتحدثون فى شتى المواضيع الفكرية والأدبية ويتكلمون بالعربية أو بغيرها من اللغات الأجنبية، أما مى فكان حديثها دائماً باللغة العربية الفصحى والتى كان رائدها فى تعليمها لها "القرأن الكريم" "مصدر جميع العلوم ومصدر الحضارة العربية" كما تقول مى دائماً ذلك، رغم إتقانها لخمس لغات أجنبية: الفرنسية ، الانكليزية، الالمانية، الايطالية والاسبانية• وترجمتها للعديد من الأعمال الأجنبية• استمر صالون مى لغاية الثلاثينيات من القرن 20 ما يناهز الخمسة والعشرين عاما وهى أطول فترة عرفها صالون أدبى فى الشرق أو فى الغرب!• اذكرينى كلما كتبت كتب جبران خليل جبران يوما على بورتريه رسمه لمى زيادة عبارة : "اذكرينى كلما كتبت"• كانت مى نبعا فياضا لإلهام الإدباء والشعراء والفنانين من مرتادى صالونها، فوقع فى حبها أعظم مفكرى وأدباء العرب في القرن 20 ، كالعقاد، أحمد لطفى السيد، إسماعيل صبرى ، أمين الريحانى، د• يعقوب صروف وغيرهم الكثير• ولنا أن نتساءل لماذا يقع هذا العدد الكبير من أفضل الرجال الذين بنوا تصوراتهم عن الجمال على أرقى المواصفات التى استنبطوها من قراءاتهم لمواصفات الجمال فى الشعر العالمى خاصة والادب عامة وفلسفة الجمال؟! يجيب الكاتب خالد محمد غازى وكيف لا! فقد كانت جميلة ، جذابة وأديبة نابغة• وللحديث عن العلاقات العاطفية لمى بمن حولها نستحضر علاقة كتب عنها الباحثون كتبا بأكملها، وهى علاقتها بجبران خليل جبران الرسام والأديب اللبنانى الشهير•• وحينما يقرأ المرء ويطبع على هذه العلاقة السامية، ستغمره الحيرة والذهول، وربما يسأل نفسه: هل من الممكن أن تنشأ علاقة حب بين رجل وامرأة دون أن يلتقيا طوال حياتهما؟! نعم•• هذا ما كان في علاقة مى وجبران! وللحديث•• من هذه العلاقة العاطفية الغريبة بين رجل لم يلتق امرأة ويحبها، وامرأة لم تلتق رجلا وتحبه، فنقول •• كانت بداية العلاقة بينهما مبنية على أساس إعجاب مى بمؤلفات جبران، فقد بعثت له برسالة عام 1912 الى أمريكا - حيث يعيش - لتعبر له إنها فى كثير من الاحيان تخالفه الرأي•• لقد أعجبت مى بجبران، إعجاب المناقضة وهو أن يعجب المرء بصفات إنسان آخر يتمنى أن تكون موجودة فيه هو• مى لوضوح أفكارها واستقامة سلوكها، هى فى الحقيقة نقيض جبران•• اذن لقد تحول الاعجاب الأدبى إلى صداقة حميمة وعلاقة روحية متبادلة بين الطرفين لتتطور بعد ذلك بالتلميح بالحب ثم الحب الصريح! ولم تلتق مى بجبران إلا فى رسائلهما ومؤلفاتهما حتى وفاته عام 1931 إثر علة أصابته فى قلبه• وفى إحدي رسائلها لجبران عام 1921 قالت فيها وهى تفصح عن حبها وقلقها عليه فى ثوب من الوقار والاحتشام الشرقى : "أريد أن تساعدنى وتحمينى، وتبعد عنى الأذى ليس بالروح فقط، بل بالجسد أيضا•• حدثنى عن صحتك ، وأذكر عدد ضربات قلبك، أخبرنى كيف تصرف نهارك• أتوسل إليك أن تتناول الادوية المقوية مهما كان طعمها ورائحتها••"• دامت المراسلة بين جبران ومى تسعة عشر عاما، وقد كان أديبها المفضل الذى وجدت فيه امانيها، وكانت هى سلواه فى بلواه وغربته والهامه فى كثير من إبداعاته، كتب إليها يوما : "هل تعلمين بأنى كنت أقول لذاتى، هناك فى مشارق الأرض صبية ليست كالصبايا، قد دخلت الهيكل قبل ولادتها•• ووقفت فى قدس الاقداس فعزمت السر العلوى الذى اتخذه جبابرة الصباح ثم اخذت بلادى بلاداً لها وقومى قوما لها••"• بداية العد العكسى لتحطيمها ككل شئ فى العالم يوشك أن يأفل، ككل الورود التى توشك أن تخشر تويجاتها، ككل الطيور التى كانت تحلق عاليا وعاليا وعاليا: بدأ النسر المحلق الذى تعود على القمم يعصف به الزمن وهو جريح لا يملك من أمر نفسه شيئا، فالعمر أخذ يتقدم بـ (مى) وولى عهد الجمال والشباب وخلا من حولها المعجبون وفارقها الاصدقاء وتوالت عليها النكباتَ!• ويعرض كتاب "جنون امرأة" لمؤلفه خالد محمد غازى نكبات وأحزان الادبية والصحافية والرائدة النسائية "مى زيادة" مؤرخا تلك النكبات والاحزان• فى 1931/10/24 توفى والدها بعد داء عضال وصراع مع المرض، زاد من لهيبه ما كابد من شركائه فى قطعة أرض لبنان لم يستطع أن يستخلصها لوحيدته فرحل وتركها مشكلة معقدة منغصة لحياة مى!• وفى 1931/4/10 توفى جبران خليل جبران رفيق طموحاتها ، لقد توفى فى أمريكا، عاجلته المنية قبل الوفاء بوعده لمى فى أن يلقاها وجها لوجه فى لبنان!• وفى 1931/3/5 توفيت أمها، ففقدت الحنان والعطف وعانت اضطربات نفسية وعاشت فى وحدة رهيبة•• فكان من نتيجة كل ذلك لجوءها الى التدخين علها تجد فيه تسرية عن همومها واكتئابها ولكن الحزن الذى استبد بها كان أكبر من محاولاتها التخلص منه، فانهارت أعصابها• وكان لتدخل ورثة أسرتها فى شؤونها الخاصة وإلحاحهم فى مقاسمتها التركة، أبلغ الاثر فى تردى صحتها حينما وجدت نفسها وحيدة أمامهم لاسند يحميها ولا قانون، استنجدت مى بأحد ابناء عمومتها المقيمين فى بيروت وهو الدكتور جوزيف زيادة• وكتبت له رسالة تصور له مرضها ويأسها من الحياة•• وكانت هذه الرسالة بداية العد التنازلى الحقيقى لتدمير حياة مى زيادة!• "إن مى لا أهل لها••" فى أحد الحوارات الصحافية التى أجريت مع مى زيادة تساءلت مى فى إستنكار : "أنا التى أكسر الحديد، وأخنق الأطفال؟!•• إن هذا التساؤل المر يقودنا إلى حقيقة ما حدث فقد فجعت أديبتنا فى ذلك الانسان "ابن عمها" الذى وثقت فيه، فكان من المتربصين بها• فبعد أن أخذ منها توكيلا عاما لإدارة ممتلكاتها إخرجها من بيتها ، ونقلها إلى مستشفى للامراض العقلية والعصبية فى لبنان، وظلت فيه سبعة أشهر، عذبت وضربت حتى نقص وزنها إلى 28 كيلو جراماً! وأضربت عن الطعام، وأشاع أهلها واصدقائها أنها جنت فلم يتقدم أحد من أصدقائها لمساعدتها برغم أن الصحف كانت تنشر أخبار الاشاعات التى تروح عنها!• وفى تلك المحنة التى عانت فيها مى زيادة معاناة شديدة، والتى طعنت باعز ما لديها "عقلها" ولم تجد ناصرا أو معينا من الاصدقاء والاقارب، استطاعت جريدة "المكشوف" اللبنانية فى 7 فبراير 1938 وفى عددها 135 من أن تلفت أنظار الأدباء ورجال القضاء إلى المؤامرة التى وقعت الاديبة مى فى شباكها ، بفضل حملة قامت بها الجريدة، دامت أربعة أشهر.. وعن تعليق مى حول دور الصحافة فى نشر الاشاعات عنها! "لقد اشتد كرهى للصحافيين، يوم نشروا خبر جنونى، وأوجدوا عند الناس فى الشرق والغرب فكرة بل اعتقادا بان ؟"مى مجدوبة" ولو أن اساءتهم لى اقتصرت على ذلك الأمر، ولكن هناك ما هو امر واقظع.. أنا صحافية، وبنت صحافى ولقد كان على الصحافيين فى لبنان، إن لم يكن إكراما لى بل إكراما لوالدى، أن يبدوا شيئا من الاهتمام، أو شيئا نحو زميلهم وابنه زميلهم.. إن "مى" لا أهل لها، إن أهلى هم الصحافيون، هم الادباء رجال العلم، فما كان يجدر بكم ان تحيطونى ببعض العناية عسى أن تخففوا عنى وطاة الجنون"•• وأخيرا، تم نقل مى من مستشفى الامراض العصبية الى بيت صغير فى رأس بيروت استأجره لها بعض المنقذين. ولم تنته أزمة مى، إذ صعّد أهلها الطامعون بها القضية برفع دعوى حجر عليها! وكان من الطبيعى إذن بعد أن ترادفت عليها الاحزان وغذت وحيدة غريبة أن ترى الحياة مظلمة، وأن تشعر بان كرامتها مهددة بعد أن أخذت تستدين لتسد خصاصة العيش. وانتهت قضية الحجر على مى فى صالح الأديبة الكبيرة، إذ صدر قرار محكمة بيروت برد دعوى الحجر في الأول من شهر حزيران "يونيو" عام 1938 . ورجعت مى زيادة، الاديبة والصحافية تجدد نشاطها الفكرى والأدبى، تقرأ الكتب وتعد المحاضرات وتكتب المقالات ، يقول الكاتب خالد محمد غازى عن ذلك: فى 22 من نفس الشهر ألقت أديبتنا محاضرة قيمة فى الجامعة الامريكية فى بيروت موضوعها "رسالة الأديب الى المجتمع العربى".. وكانت تلك المحاضرة - الرهان القاطع - على صحة قواها الفعلية وعمق ثقافتها وحضور ذهها.. ووقف الحاضرون جميعا بعد انتهاء المحاضرة "ونحن معهم الآن وغدا" يهتفون إعجابا بها. وصفقوا بقوة لمدة طويلة تحية لهذه الأديبة التى "خرجت عن النص" بوقت مبكر. إن المحصلة النهائية لحياة كاتبة عربية من طراز مى زيادة تجعلنا نتأمل حياة كاتباتنا العربيات المعاصرات، مالهن وما عليهن ، فى مرحلة تجئ بعد عقود من مرحلة الريادة النسوية، وقد نجح الكاتب خالد محمد غازى في كتابه "جنون امرأة" ورسم لنا بورتريه نابضا بالحياة، لكاتبة عربية كبيرة ستبقى فى الذاكرة ووجدان المثقفات العربيات طويلاً•

شموخ امراة 06-17-2012 02:55 PM

رد: ادباء كانو بيننا
 
أضواء على رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران

الكاتب : وسيلة محمود الحلبي

قالت الكاتبة مي زيادة: (أتمنى أن يأتي بعدي.. بعد موتي من ينصفني ويستخرج من كتاباتي الصغيرة المتواضعة ما فيها من روح الإخلاص والصدق والحمية والتحمس لكل شيء حسن وصالح وجميل لأنه كذلك لا عن رغبة في الانتفاع به). تلكم هي الكلمات التي نطقت بها المبدعة مي زيادة التي ارتاد صالونها الأدبي أهم كُتّاب ومفكري وساسة النصف الأول من القرن العشرين، فالكاتبة مي بمؤلفاتها وشخصيتها ذات الحضور كانت محور دراسات كثيرة عنها.. فما أكثر ما كتب عن فنها وكتاباتها، وعن صالونها الأدبي لشخصيتها وجاذبيتها وثقافتها التي من أجلها كانت موضع تقدير واحترام الجميع.
وقد تحدث كتاب (جنون امرأة) للكاتب خالد غازي عن مولدها ونشأتها وثقافتها منذ مولدها في الناصرة بفلسطين إلى حضورها مع والدها إلى القاهرة ودورها في الحياة الثقافية المصرية، بما ألفته من كتب، بالإضافة إلى صالونها الأدبي الذي كان يتردد عليه كبار أدباء مصر ومفكريها.
ويبدو أن شخصية مي زيادة كانت شخصية قوية آسرة، بدليل تلك الدراسات الكثيرة التي تناولت حياتها ودورها في الحياة المصرية، وركزت معظم الدراسات على الذين هاموا بها حباً.. قالوا: (إن العقاد أحبها)، وقالوا: إن لطفي السيد كان شديد الإعجاب بها، وكذلك مصطفى صادق الرافعي والشاعر إسماعيل صبري، ولكنها لم تحب حباً حقيقياً إلا إنساناً لم تره طوال حياتها وهو جبران خليل جبران، والدليل على ذلك (رسائلهما المتبادلة) التي تفيض حباً وشوقاً ومصارحة.
صحيح أن جبران كانت له قصص مع سيدات قبل مي، وكان يعاني من آلام الوحدة والقلق النفسي الذي لا يدري كنهه، ولكن عندما صدر كتابه (الأجنحة المتكسرة) عام 1913هـ، أهدى نسخة منه (لمي) فقرأته بمنظور الأديبة والناقدة، وانتقدت (مي) جبران في مفهومه للزواج، حيث تقول في إحدى رسائلها (إننا نتفق في موضوع الزواج يا جبران، أنا أحترم أفكارك وأجل مبادئك؛ لأنني أعرفك صادقاً في تعزيزها، مخلصاً في الدفاع عنها، وكلها ترمي إلى مقاصد شريفة، وأشاركك أيضاً في المبدأ الأساسي القائل (بحرية المرأة).. فمثل الرجل عيب أن تكون المرأة مطلقة الحرية بانتخاب زوجها من بين الشباب متبعة في ذلك ميولها وإلهاماتها الشخصية، لا مكيفة حياتها في القالب الذي اختاره الجيران لها والمعارف، حتى إذا ما انتخبت شريفة لها تقيدت بواجبات عند الزواج تعد المرأة بالأمانة، والأمانة المعنوية تضاهي الأمانة الجسدية أهمية وشأناً).
ولا شك أن الرسائل المتبادلة بين جبران خليل جبران ومي زيادة عبارة عن قطع أدبية رائعة.. يَكْتُب لها - مثلاً - بعد نقد (مي) لكتاب (المواكب):
(ولقد انصرفت عن كل ما وجدته بانتظاري في هذا المكتب لأصرف نهاري بكامله مصغياً إلى حديثك، ذلك الحديث المتراوح بين العذوبة والتصنيف، وإنني وجدت بعض الملاحظات التي لو سنحت لنفسي الفرصة أن تتألم لتألمت منها، ولكن كيف أسمح لنفسي بالنظر إلى شبه سحابة في سماء صافية مرصعة بالكواكب؟ وكيف أحول عيني عن شجرة الياسمين المزهرة إلى ظل أحد أعضائها؟ وكيف لا أقبل وخزة صغيرة من يد عطرة مفعمة بالجواهر؟.
إن حديثنا الذي أنقذنا من سكون خمسة أعوام لا ولن يتحول إلى مناظرة، فأنا أقبل كل ما تقولينه لاعتقادي بأنه يجمل بنا، وسبعة آلاف ميل تفصلنا، إلا نضيف إلى هذه المسافة الشاسعة متراً واحداً، بل أن نحاول تقصيرها بما وضعه الله فينا من الميل إلى الجميل، والشوق إلى المنبع، والعطش إلى الخالد. يكفينا ما في الأيام والليالي من الدموع والأوجاع والمتاعب والمصاعب. إن مَنْ يستطيع الوقوف أمام المجرد المطلق لا يلتفت إلى كلمة جاءت في كتاب أو ملاحظة أتت في رسالة. إذاً، لنضع خلافاتنا - وأكثرها لفظية - في صندوق من الذهب، ولنرم بها إلى بحر من الابتسامات.
ما أجمل رسالتك يا مي وما أثمرها، فهي مثل نهر من الرحيق يتدفق من الأعالي ويسير مترعاً في وادي أحلامي، بل هي كالأوتار).
ومن الرسائل الجميلة التي أرسلتها مي إلى جبران تلك التي تقول فيها: (أريد أن تساعدني وتحميني وتبعد عني الأذى، ليس بالروح فقط، بل بالجسد أيضاً، أنت الغريب الذي كنت لي - بداهة وعلى الرغم منك - أباً وأخاً ورفيقاً, وكنت لك أنا الغربية - بداهة وعلى الرغم مني - أماً وأختاً، حدثني عنك وعن صحتك، واذكر عدد ضربات قلبك، وقل لي رأي الطبيب، افعل هذا، ودعني أقف على جميع التفاصيل كأني قريبة منك، أخبرني كيف تصرف نهارك، أتوسل إليك أن تتناول الأدوية المقوية مهما كان طعمها ورائحتها، فمن هذه المقويات ما هو ضروري كل الضرورة، مفيد كل الإفادة، وكل ما تفعله لوقاية نفسك أحسبه أنا لك، يداً علي، وأشكرك لأجله لكل ما في قلبي من صداقة ومودة. أرسل لي سطراً أو سطرين من أخبارك بلا اجتهاد). إذ كان جبران يشكو من علة في قلبه، ويتمنى جبران لو كان في مصر حتى يكون قريباً من مي.
يقول في إحدى رسائله (هذا لو كنت مريضاً في مصر، حبذا لو كنت مريضاً بدون نظام في بلدي، قريباً من الذين أحبهم، أتعلمين (يا مي) أني في كل صباح ومساء أرى ذاتي في منزلي في ضواحي القاهرة، وأراك جالسة أمامي تقرئين آخر مقالة كتبتها، وآخر مقالة من مقالاتك لم تنشر بعد).
ومن المعروف أن مي زيادة أرسلت إليه ليزور مصر، فقالت في إحدى رسائلها (تعال يا جبران وزرنا في هذه المدينة (القاهرة)، فلماذا لا تأتي وأنت فتى هذه البلاد التي تناديك)، ولكن جبران لم يلب النداء.
هذا، وكان صالون (مي) يمتلئ بكبار رجال عصرها من الصحفيين والكُتّاب والأدباء والشعراء، وكان كل واحد من رواد هذا الصالون يتصور أن (مي) تكن له عاطفة خاصة، ولعل أجمل تصوير لهذه الندوات وما كان يدور بها ما كتبه العقاد الذي كانت بينه وبين (مي) رسائل متبادلة.. إنه يصف هذه الندوة ومن يحضرها من هؤلاء الصفوة بقوله: (ولكل منهم أسلوبه في تعبيره داخل هذا الإطار من التحية.. لطفي السيد وأسلوب الجنتلمان، وعبدالعزيز فهمي وأسلوب الصمت والخجل، وكأنه الصبي في مجلس الفتيات القريبات، وأنطون الجميل وأسلوب بائع الجواهر في معرض الهوانم، وشلبي شعيل وأسلوب المصارع في حلبة الفكر والشعور، وخليل مطران وأسلوب مولير على غير التمثيل، وسليم سركيس وأسلوب الدعاية للبيوتات في صالون من أشهر صالونات البيوتات، ومصطفى صادق الرافعي وأسلوب المفاجآت بالكتابة الذي يفي الاطلاع عليها من السماع، واسماعيل صبري وأسلوب الشعر الذي يعلم أن حق الغزل الصريح أولى بالرعاية من حق الكتابة والتصحيح، وأحمد شوقي وأسلوب الإيحاء من بعيد، وعليه تعليق الفيلسوف المعجب بالطرفين).
ورغم كل المعجبين إلا أن (مي) كانت تحب جبران.. ولا ننسَ أنه عندما تناهى إلى سمعها رحيل جبران فقدت آخر أمل لها في الحياة فأصيبت بالوساوس التي انتهت بها إلى عالم بعيد عن عالم العقلاء.
ولا شك أن (مي زيادة) كانت صورة حية للإنسان في لحظات قوته، ولحظات ضعفه، في تألقه وفي أفوله، في تطلعه إلى الغد المشرق وفي تهاويه عندما تقلب الحياة له (وجهها). ولقد عاشت مي على القمة وهبطت إلى السفح، لكنها تركت فراغاً من الصعب أن يزول.

شموخ امراة 06-17-2012 02:57 PM

رد: ادباء كانو بيننا
 
من مكتبة الدكتور خالد غازي

موعدنا متجدد مع قراءة اخرى لعملاق اخر من عمالقة الادب العربي

اجمل التحايا هي مني اليكم

شموخ امراة


الساعة الآن 02:50 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
ظ„ظٹظ†ظƒط§طھ - ط¯ط¹ظ… : SEO by vBSEO 3.5.1 Trans by
Coordination Forum √ 1.0 By: мộнαηηαď © 2011

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009