شبكة الشموخ الأدبية - ملاك خلف سحابة الخيال

مرت شهور طوال على آخر مرة رايتها فيها إلا أن مخيلتي لازالت مرطبة بذكراها

سألني باستغراب : ألا زلت تحبها ؟

أخذت جرعة شهيق عميقة ونفختها في الهواء ببطء شديد فأجبته: كيف لا أذكرها وهي التي جعلت

مني كتلة من المشاعر تحركها الأشواق كلما عصفت بها رياح الذكريات .أوتحسبني أستطيع

نسيانها أم أن لهيب الحب لم يلفح جدار قلبك يوما

إن ذكراها يا صاحبي يرقد في مخيلتي مذ رايتها أول مرة ولازلت احتفظ برسالتها الوحيدة والتي

تشعرني دائما أنني مميز وخاصة أنها كتبتها بخط يدها وهي تقول : لقد أسرت فؤادي بابتسامتك

التي أحيت عواطفي وألهبت مشاعري وجعلتني أسيرة الذكرى والشوق.

وكم لاح في مخيلتي أول لقاء بيننا عندما كنت أجلس في المقعد الثاني ودخلت قاعة المحاضرات

فشعرت أن شيئا ينتشل انتباهي ويصبه في عيني فتخطفه أحداقها الشاخصة إليّ شعرت بقشعريرة

تدوي في صدري وكأنني أريد أن أهبط من كان عال ودخلت أعيننا في عراك أوقفه انتباه الطلاب

الزائد

كانت في التاسعة عشرة من عمرها تجمع في عينيها بريقا يذهل الأبصار وبياضا مشربا بالحمرة

ارتكز في وجنتيها وأنفا إغريقيا يتميز بالأناقة وجمال المظهر وطولا يجسده شموخ متواضع

قاطعني ( بكحة )مثقلة بالزكام : أظنك يا صديقي وقعت في الحب وأنت الذي طالما تغنى

( بالعزوبية ) والسخرية من كل شيء يسمى حبا أبهذه السهولة المفرطة تقع فريسة حب وليد

الصدفة؟!

أجبته والبسمة تفترش شفتي دون أن أدري : لا استغرب منك هذا الكلام يا صديقي لأن الحب لم

يطرق باب قلبك يوما وكيف يفعل وأنت الذي يعتبر النساء سلعة بالية أكل الدهر وشرب على

التغني بها.

بداية الحب يا صاحبي ما هي إلا شعاع تبوح به العيون فتأسر فؤاد من يتأثر به ويتحول هذا التأثر

إلى القلب فيسرع فيه النبض ويحيله إلى بوتقة من المشاعر تلتهب كلما لاح طيف الحبيب

آه يا صديقي لو أن القدر ألهمك شيئا من الهيام لعشت حالة من الثمالة تبث فيك الجنون والرغبة

عندها فقط تشعر بما تجيش به نفسي

أجابني بنبرة فيها بعض التأييد : ربما يكونه معك حق فيما تقول ولكن هل أنت على يقين من صدق

مشاعرها تجاهك ومن نبضات قلبك المثقلة بالتباريح والشجو.

دسست يدي في جيبي وأخرجت منديلا ابيض اللون فمسحت فيه بعض حبات العرق المتربعة على

جبيني وأجبته :

وهل تحمل العيون إلا الوله والصدق كل شيء يستطيع أن يكذب به الإنسان إلا الحب والإيمان لان

مرقدهما القلب الذي صاغه الخالق بجملة من المشاعر والأحاسيس وبث فيه الرقة والألفة والحب

يا صاحبي حرفان يلوحان في مقدمة المعرفة بوهج بريء لا تشوبه شائبة إلا أن لهما من المعاني

ما تعجز الألسن عن وصفه والأقلام عن رسمه فهو يبث في النفس البشرية ضدين لا يجتمعان :

طمأنينة لا يعيها إلا من رقصت مشاعره على أنغام تراتيل القلوب وأسى يأسر فؤاد من عاش محبا

يتجرع كؤوس الفراق والشوق فضاع في متاهات النفس الراغبة لارتشاف لظى اللقاء

آه يا رفيق أناتي لو أن حبيبتي تحمل بعضاً مني لشعرت أنني املك نفسي لكنني – عندها رن جرس

التلفون فأيقظني من خيال سبحت معه أمام المرآة التي جعلت مني رفيقا لنفسي أشكو له لواعج

قلبي لكنني ما لبثت أن شعرت بخيال حبيبتي يلون بأفق مخيلتي فرحت أطارده من جديد.

من بقايا قلم / محمد العلي

lgh; ogt sphfm hgodhg