( 130 ) مدار الأفكار
تطوير التأخير؟
يقول الشاعر العربي :
الناس بالناس مادام الحياءُ بهـمُ*= والسعد لاشـك تـارات وهبـاتُ
وأفضل الناس ما بين الورى رجل= ُتُقضى على يدهِ للناس حاجـاتُ
إن الدول المتقدمة تسعى جاهدة وفق الاستخدام الأمثل لجميع تقنيات المعلومات لتذليل الصعوبات التي
تواجه مراجعي الوزارات والمؤسسات والهيئات ,وتحث على الدقة وتسريع إنجاز المعاملات ، وكأنها تقتدي
بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن لله عبادا اختصهم لقضاء حوائج الناس حببهم في الخير وحبب
الخير إليهم إنهم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة ) , وفي محيطنا نقرأ ونسمع كثيرا من التصريحات
بشأن الأبواب المفتوحة وإزالة العقبات وتسهيل الإجراءات ولكن الواقع يؤكد خلاف ذلك, وأغلب ما قيل
ويقال هو من قبيل الاستهلاك الإعلامي الذي لا قيمة له فهو( لا يسمن ولا يغني من جوع) ,ومن خاض
تجربة المراجعات لدى كثير من الدوائر والوزارات والمؤسسات يجد أن الإجراءات الروتينية العقيمة
المملة مازالت تعشش فيها وأن رياح التغيير وروح التطوير هي ضرب من الخيال لا وجود لها إلا في
تصريح مسؤول يبالغ , أوفي خيال مراجع متفائل , وقد حدثني أحد الثقاة من واقع تجربته الخاصة بأن
إنجاز معاملة ( لا حكم عليه ) مثلا في بعض دول الخليج لا تستغرق أكثر من ساعتين بينما يحتاج إنجازها
لدينا إلى ( 15) يوما على الرغم من كتابة الرد بتاريخ اليوم التالي لكتاب الجهة الطالبة مما يوهم بأنها
أنجزت خلال ( 24 ) ساعة , وفي تجربة أخرى يروي أحدهم موضحا ( بأنه قام بتعديل أسمه في إحدى
دول الخليج وغادرها بعد يومين من التعديل وقبيل استبدال جواز سفره القديم بآخر جديد وفقا للتعديل
وفي المنفذ حاول تقديم حكم التعديل لتبرير التباين بين أسمه في الجواز والمثبت في الحاسب الآلي إلا أن
الموظف شرح له بأن أي تحديث في البيانات يصل إليهم خلال( 15) دقيقة من اعتماده لدى الجهات
الرسمية) بينما الأمر ذاته في بلاد ( الواق واق ) يحتاج إلى توزيع نسخ من التعديل بمعرفة صاحب
العلاقة بعدد وزارات الدولة ومؤسساتها, أما ثالثة الأثافي والطامة الكبرى التي ( لا ينبت عليها الشعر )
كما نقول في أمثالنا الشعبية فيرويها موظف خليجي حيث يقول : ( كنت قبل الغزو الغادر ضمن فئة غير
محددي الجنسية ( البدون ) وفي عام 1997م قمت بتعديل وضعي أصولا وقانونا ولأنني حريص على
تحديث بياناتي لدى جميع الجهات التي أتعامل معها وكوني عميل لأحد البنوك المحلية فقد أخطرت إدارة
الفرع الذي أتعامل معه بذلك وأحضرت لهم حكم المحكمة الذي يقضي بتعديل الاسم والجنسية وبناء
عليه أصدرت لي بطاقة سحب آلي وحصلت على قرض مالي كما قمت خلال الأعوام من (2000 إلى
2008 م ) باستخراج كشوفات حساب وشهادات مديونية بالاسم بعد التعديل( لا زلت أحتفظ بالكثير منها )
, ولأن بنك ( الفريج ) البهيج يشهد ( تطورا تقنيا مميزا وفق شهادات مؤسسات النقد العالمية )و يعرف
بدقته في مسايرة تحديث بيانات العملاء والحرص على حفظ جميع حقوقهم فقد تكرم ومنحني كشف حساب
بتاريخ 22 نوفمبر 2009م بالاسم ( البدوني ) الذي تم تطليقه بالثلاث منذ 12عاما ووفقا للحكم الصادر
باسم أمير البلاد المفدى إلا أن البنك وبدافع حنينه للماضي ومحافظته على التراث تراجع عن التعديل الذي
اعتمده سابقا وصرف بموجبه بطاقة تم تجديدها بمعرفتهم عند انتهاء صلاحية سريانها, والأدهى والأمر أن
الإدارة ( العتيدة ) للفرع الذي يعود له حسابي تطالب بصور عن ثبوتيات ما قبل التعديل رغم وجود حكم
المحكمة لديهم ) , هذه ثلاثة نماذج وغيض من فيض الإهمال الذي يحدث في كثير من وزارات ومؤسسات
الدولة حيث أن البعض يعقد معاملات المراجعين ومصالحهم بحجة تطبيق النظام أو الانشغال وكثرة
الأعمال وغيرها من الحجج الواهية وليس له هدف من ذلك إلا أن يسعى صاحب الحاجة في توسيط الناس
إليه أو أن يظل يترجاه ليقضي حاجته فينفخ الشيطان في نفس ذلك المريض من العجب والغرور والكبر حتى
إذا شعر أنه صاحب مكانة ومنزلة أخذ يقضي تلك الحاجة بصلف وغرور مع أنها قد تكون حاجة تافهة ،
وكما يقول الدكتور عصام بن هاشم الجفري: ( إن هناك فئة بدأت تظهر في المجتمع مصابة بأدواء وعلل
في شخصيتها، وأخذ المجتمع يعاني من مرارة تقلد مثل هذه الفئات وظائف مهما كانت صغيرة أو تافهة،
وهذا النموذج من الناس يسعى لأن يُشعر الناس بأهميته ومكانته مع أنه قد لا يكون ذا بال ، أو يسعى أن
تكون له أفضال على مسئولين وأهل مكانة ليحققوا له مصالح يرتجيها لديهم ، يريد أن يتسامع الناس عنه
، وهذا في الواقع ما هو إلا نتاج نفس مريضة وإلا صاحب النفس السوية لا يسعى لمثل ذلك ولا يفتعله لكن
خيره ومساعدته للناس وأفعاله الجميلة هي التي تتحدث عنه ) , وقضاء حوائج الناس من أسباب دوام
النعمة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من
حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال ) , بل إن الله يقضي حاجة من يقضي حوائج إخوانه
كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : ( ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ) .
عم التطور بالعمـل جـل ّ الأقطـار= وحنـا نعانـي زود تطويـر تأخـيـر
بعض البشر لتعرقل الناس حضّار= وعلى سبيل المنفعـة مـا بهـم خيـر