شبكة الشموخ الأدبية

شبكة الشموخ الأدبية (http://www.alshmo5.com/vb/index.php)
-   مجلة الشموخ الثقافية (http://www.alshmo5.com/vb/f30.html)
-   -   شق القمر (http://www.alshmo5.com/vb/t8520.html)

alshmo5 01-17-2011 02:00 AM

شق القمر
 
شق القمر

لم يقتنع التلميذ بوجهة نظر بائع القصب الذى طرح أعواده الطويلة على سور منزلهم ولم يراع ذلك وأعطاه عودا به فلق طولى نافذ من الجذر حتى القمة النامية تبدو من خلاله الأنسجة الداخلية المفروض أنها بيضاء وقد إحمرت كما لو كان ذلك نشع دماء وعلل له الأمر حاسما وهو يقهقه حتى بانت جميع أسنانه الصفراء والسمراء المتباعدة عن بعضها بفعل ما ران عليها من دخان وقطران تبغ السجائر والمعسل :
- أنت محظوظ إنه شق القمر !
تساءل التلميذ مستغربا وهو يدير فى رأسه الآية الكريمة " إقتربت الساعة وانشق القمر " التى كان مدرس الدين المسمى " محب " يحفظها لهم والمعروف عنه أنه كان لا يمل ولايكل من ترديد حكايات لاتنتهى عن سفرته فى إعارة لوطنه الثانى " الجزائر " ولم يكن يفرق لشدة حماسته لما لمسه بنفسه – وهو مدرس لغة عربية ودين - من إستشراء مفردات القرآن وقصصه فى لغة هذا الشعب المتدين المجاهد بين مايجوز ترديده على أسماع زملائه بحجرة المعلمين وبين أسماع تلاميذه بقاعات الدرس قاطعا وقت التربية والتعليم فى غير المقرر ..
- شق القمر هذا من شدة السكر بالعود يابنى !
لازال صوت البائع الغشاش يطارده ويقرب لذهنه أكثر معانى الآية الكريمة وهو يدنو من بوابة المدرسة فقرر أن يسأل الأستاذ محب عما إذا كان ثمة إرتباط بين حادث إنشاق القمر فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وبين شق القصب !
وأتيح له ذلك فى حصة اللغة العربية عندما راق لمعلمه المفتون بلهجة تخاطب آل الجزائر التى تغص بأسماء الأشياء كما وردت فى القرآن مثال أنهم يطلقون على السمك بمختلف أنواعه إسم " الحوت " إلتزاما بالإسم الذى ورد فى قصة سيدنا يونس عليه السلام فسأله على إستحياء :
- وشق القمر ؟!
رمفه محب الجزائر فى فضول إذ ما علاقة شق القمر بما يقول وسأله بدوره :
- ماله .. ؟!
تلعثم التلميذ وهو يواصل بقية سؤاله :
- ألا يطلقونه فى الجزئر على شق القصب ؟!
حدجه الأستاذ متحيرا بم يجيب واكتفى بأن إنتهره آمرنه ألا يخرج عن موضوع الدرس مرة أخرى وإلا عاقبه !
وامتعض التلميذ فى سره وتذكر مدرس العلوم الأستاذ محمد محمد فقرر أن يسأله فهو متابع باستمرار للظواهر الطبيعية التى وقعت فى المجموعة الشمسية إبان الحقب الجيولوجية والتى كثيرا ما كان يتحفهم بها ليشد إنتباههم كمدخل لدرس مشابه لعله يجد عنده الإجابة الشافية للعلاقة التى قصد بها حكيم ماكر فى زمن غابر أن يرسخ فى لغة العامة الحادثة الكبرى التى يقال أنها من علائم إقتراب يوم القيامة الصغرى والتى ذكرت فى القرأن وورد فى تفسيرها كما قال له والده ليلة أمس وهو يراجع معه فروضه أنها وقعت فى عهد الرسول الكريم حيث إنشق القمر تماما إلى نصفين متساويين وقعا فوق جبلين بينهما غار حراء .. وأنها جاءت من الله كآية معجزة ليصدقه الكفار المكذبين ..
وأتيح له ذلك فى حصة العلوم ولم يزده معلمه القصاص علما إذ إستغرب سؤاله واكتفى بأن أوضح أن شق القمر مجرد أخدود فى القشرة القمرية غير نافذ ولامتصل مثل أخدود البحر الأحمر فى القشرة الأرضية والذى باعد مابين قارتى أفريقيا وآسيا دون أن يؤدى ذلك إلى شق الأرض نصفين ! ولما جادله بأن رواد الفضاء الأمريكان عند هبوطهم على سطح الفمر فى يوم 29 يوليو عام 1969 شاهدوا مايشبه الشريط اللاصق الذى لاترى العين نهايته على سطح القمر هز كتفيه وهامته دون أن يحير جوابا وسط تذمر التلاميذ الذين أزعجهم هذا الزميل المزعج الذى لايكف عن طرح الأسئلة غير المقررة على المعلمين !
وفى طريق عودته من المدرسة كادت العربات التى تجرى فى الشارع الموصل لبيتهم أن تدهمه أكثر من مرة لشدة تفكيره فى السؤال ولما أدرك صعوبة موقفه قرر أن يرجىء السؤال لحين زيارة موجه مادة اللغة العربية والدين للمدرسة فهو يعرفه وفى زيارته الأخيرة إختاره للإجابة عن سؤال فى الإعراب والنحو وأعجب بإجابته ووعده بهدية رمزية تشجيعية فى الزيارة القادمة !
ولبث على هذا الأمل أياما وأسابيع ولكن الموجه لم يأت لزيارة المدرسة حتى أوشك العام الدراسى على الإنتهاء واقترب يوم الإمتحان وجال فى ذهنه المثل الذى يقول " حيث يكرم المرء أو يهان " ولازمه صوت ملح يردد المثل فى أذنيه رابطا بينه وبين حيرته من مقصد هذا اللئيم الذى وضع شق القمر فى شق القصب وكيف أنه لابد الذى ربط أيضا إمتحان أخر العام الدراسى بإمتحان أخر الدنيا العسير ! حتى ضج وشكا لأبويه فقللا من أهمية مايفكر فيه .. ولكن ما كان يفكر فيه كان جد بجد ! وأثر فى إستقراره النفسى كثيرا مع حالة شد الطوارىء التى أعلنت فى البيت إستعدادا لبدء موسم الأمتحانات حتى فقد توازنه وفقد شهيته للطعام فهزل وبانت عليه أمارات الضعف وهو مقبل على أهم فترة فى حياته الدراسية حيث يتوجب عليه أن يكون مستعدا تماما من كل النواحى لإمتحان إتمام المرحلة الإبتدائية وفى اليوم السابق ليوم الإمتحان إشتدت حالته سوءا فأسرع به أبواه لطبيب نفسى متخرج من نظام تعليمى دينى من المرحلة الإبتدائية حتى الجامعية إذ كانا يعرفان علة مرضه وحيرته ! وكان والده قد أعطى الطبيب فكرة عنها بالهاتف وهو يحجز موعد الكشف فلما جاء الموعد وكان بين يدى الطبيب فوجىء به يحادثه عما حار فى العثور على إجابة شافية له واصفا له العلاج فى نصيحة بسيطة ألا يحير نفسه وسيعرف الأجابة ذات يوم دون أن يسعى لها فالله سبحانه يحب العبد الذى يستعمل عفله ويتفكر فى الكون ويسعى فى الأرض ضاربا فى مناكبها وهو بعد من السن والعلم بحيث يصعب عليه ذلك قبل أن يجتهد فى تحصيل العلم ويتخرج مثله
وأفهمه كذلك أنه مهما وصل من العلم فلن يصل إلى إجابات لكل الأسئلة وأنه فوق كل ذى علم عليم وأن هناك من الأسئلة ما علم إجابتها عند الله وحده فلا يجزع أو يصيبه إحباط من هذا وختم حديثه إليه بالآية الكريمة :
- إقرأ بسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم .
فهجعت هواجسه واستقرت نفسه وسكن عقله ونام نوما قريرا هانئا فرأى فى المنام جده لأبيه فى ثياب بيضاء يقترب من قراشه تحوط به هالة كبيرة من النور مبتسما إبتسامته الطيبة التى أشتهر بها وربت على شعره فى حنو ودس فى يده شيئا يلمع بشدة مشيرا بيده الأخرى إلى بعيد من خلال زجاج ناقذة غرفة نومه ونظر فرأى ضياء القمر البدر يملأ الأفق بالفضة عند آخر نقطة بلغتها عيناه وسمع صوت جده يتمتم له فى رفق :
- قد خلق الله الكون كله لك فلا تستعجل رزقك !
هتف وهو ينظر فى يده متسائلا فى لهفة :
- وشق القمر ؟! والإمتحان ؟!
- فى يدك !
قالها الجد وهو ينصرف فى عجلة كأنما الوقت المحدد له لتوصيل الرسالة نفذ !
وكان قد رأى مافى يده فإذا هو نموذج مصغر للكعبة .. بيت الله ففرح بها واكتملت له سكينة نفسه عندما قص الحلم على والديه فواعده والده بزيارتها عقب إنتهاء الإمتحانات بإذن الله .
و تعاقبت أيام الإمتحان التى كانت وئيدة الخطى عليه حتى إذا جاء اليوم الموعود للسفر مع والديه وتمت كل إجراءات الرحلة البهيجة من ركوب الطائرة إلى بلوغ الإرم بالحرم وتمت كذلك كل نسك العمرة وجن الليل فى هدأة المكان الذى إستحال نهارا بما أفاض عليه الله سبحانه من نورالهدى لعباده المؤمنين وكان يجلس إذ ذاك مع والديه ولفيف من المسلمين غفير أمام بيت الله بعد أداء صلاة العشاء يتملى من مرأى الفيوض السماوية وتجلياتها النهائية ويمنى نفسه بأن تتنزل عليه رحمة من رحمات الله فيجد فى هذا المكان المقدس ضالته والإجابة الناهية للأمر الذى حار طويلا فى بحثه وتفنيده .. ولايدرى وكأنه فى حلم بديع تاهت عيناه وهى تحاول الإمساك بهالة أخرى من ضياء شديدة الإبهار تتبدى له فوق الكعبة المشرفة فى خلفية المآذن التى كانت تبدو كأنها أذرع المصلين لمجيب الدعاء وإذا بصوت شبيه بصوت ملاك يهتف فى سمعه برقة :
- قد مسح الله جيم الجهالة فأشرقت على الأرض هالة !
وألفى نفسه يتمتم فى لهفة مرددا :
- هالة العلم والإيمان !
واسترسل ولسانه يردد دون وعى :
- يالرحمة الله .. الإجابة فى صدرى ! نور فى قلبى !
وهو يعرض صدره للضياء كأنما يروم أن يجمعه كله فى قليه فعلا ولما إنتبه إليه والداه وسألاه مابه أجاب همسا بهدوء وثقة كأنما كبر وأصبح ناضجا على حين غرة :
- قد أشعت الإجابة فى صدرى .. الله أرسل من أجاب سؤالى !
وتبسم ودس نفسه فى حضن أبيه تارة ثم فى حضن أمه تارة أخرى وقد كان هذا كل شىء !
ar hgrlv


الساعة الآن 08:24 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
ظ„ظٹظ†ظƒط§طھ - ط¯ط¹ظ… : SEO by vBSEO 3.5.1 Trans by
Coordination Forum √ 1.0 By: мộнαηηαď © 2011

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009