( 141 ) مدار الأفكار

يقول الشاعر العربي:

فَإِمَّا كِرَامٌ مُوسِـرُونَ لَقِيتُهُـمْ= فَحَسْبِيَ مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا
وَإِمَّا كِرَامٌ مُعْسِرُونَ عَذَرْتُهُـمْ=ْوَإِمَّا لِئَـامٌ فَادَّخَـرْتُ حَيَائِيَـا

يختلف الرجال من حيث الطباع والصفات، والأهواء والعادات، والرجولة تعني القوة والمروءة والكمال، قال

تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى)(يوسف : 10)، والعرب تصنف الرجال

تبعا للمناقب والأفعال، وقد جاء في كتاب (أدب الدنيا والدين) لعلى بن محمد بن حبيب الماوردي والكلام

منسوب إلى الخليل بن أحمد – رحمه الله- بأن أصناف الرجال أربعة: (رجل يدري ويدري أنه يدري، فذلك

عالم فاسألوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك ناس فذكروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري،

فذلك مسترشد فأرشدوه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك جاهل فارفضوه)، وقال الإمام علي بن

أبي طالب -رضي الله عنه- : (الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رَعَاع أتباع كل

ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق)، ويقول الحسن البصري:

(الرجال ثلاثة، فرجل رجل، ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل، أما الرجل الرجل فذكي أريب وألمعي

أديب يستشير العقلاء، فيضيف لعقله عقول الآخرين، وأما الرجل نصف الرجل فمثل صاحبه في صفاته إلا

أنه لا يستشير أحداً ويمضي ما يرتئيه، وأما الرجل لا رجل فغبي بليد يرى نفسه خير الناس، فيعمل دون أن

يستشير أحداً)، ومن الكناية قول العرب : (الرجال ثلاثة : سابق ولاحق وماحق، فالسابق الذي يسبق بفضله،

واللاحق الذي لحق بأبيه في شرفه، والماحق الذ محق شرف آبائه) ويصنف عوارف البادية الرجال إلى

عشرة أصناف خمسة منها في حقل الطيب والرجولة والشهامة وهم: (العقيد والفارس والكريم والعارفة

والدليلة)، وقد جاء وصف ذلك في أبيات من الشعر الشعبي تقول :

يا هل الوفاء والطيب خمس ٍ نقيتم= أولكم اللي يأخذ النـاس بالنـاس
وثانيكم اللـي يفككـم لا حديتـم= ليا صار عند قطيهن طق نحـاس
وثالثكم اللـي مكـرم ٍ لا لفيتـم= له ربعة ٍ يشبع بها كـل جـلاس
ورابعكم اللي يا عييتـم وجيتـم= يحكم بفكر ويوزن الهرج بقيـاس
وخامسكم اللي بالدجى يا غديتـم= يدلكم ما يهملج الطرف بنعـاس

أما الأصناف الخمسة الأخرى التي تقع في خانة اللؤم وقلة الأهمية والرخامة فهم: (البوكلوالبُغلي والزنفر

والفلقح والدهديه)، وللتوضيح فالبوكل هو من (يأكل ولا يوكل) أي انه كثيرالتهافت على ولائم الآخرين ولا

يدعو أحدا، والبُغلي هو الذي (لا يُغلى ولا يغلي)، أي أنه لا يحب أحداو ليس له محبة وقبول وتقدير عند

الغير، والزنفر هو( من يرام وينفر)، أي أنه عديم الوفاء وكثيرالتخبط في تصرفاته وتغيير أصدقائه ويختلق

مسببات الزعل والرضاء من تلقاء نفسه، أما الفلقح فهو(الذكر الملقح) أي أنه يشبه ذكر النحل حيث تنحصر

وظيفته في عملية التلقيح فقط إلا أنه لا يموت بعدها كحال ذكر النحل، أما الدهديه الذي في العنوان نعنيه فهو

(عديم الفعل كثير المشاريه، لا يقتدي ولا يطيع مقديه)، أي أنه لا يميز بين الخطأ والصواب، فهولا يملك فكرا

مستنيرا أو عقلا راجحا يسير وفق هديه، ولا يستمع كذلك إلى نصائح وإرشاد وتوجيه الآخرين، ومن العجب

العجاب أن عينة (الدهديه) في هذه الأيام ومن خلال الفضائيات تتصدر الناس باللسان والقلم والنتاج وتتحدث

في أمور تمس الشأن العام، وهذا الصنف من الناس قد جاء وصفه قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام مضت

على لسان من لا ينطق عن الهوى محمد صلى الله عليه وسلم عندما سئل وما الرويبضة ؟ فقال: (الرجل

التافه يتكلم في أمر العامة)، وكما يقول الشيخ أحمد الجردان : (شئنا أم أبينا سيبقى الرويبضة ولكن لن يضر

القمم الشامخة عبثه وتفاهاته لا لشيء إلا لأننا نؤمن أن العاقبة للحق فهو شامخ شموخ السحاب) .

يا أهل الوفاء والطيب والقدر والجاه=ويش الحول والحل في وضع (دهديه)
قليل ميـز وضيّـع النـاس بأريـاه= وعلى منار العرف يبـدي مشاريـه
عمّ الورى في زود هرجـه وبلـواه= جاهل بنور الحـق عـوج ٍ مباديـه
زرع الفتن والتفرقة مـن سجايـاه= ما يقتدي ولا يطيـع نـاس ٍ تقديـه

عبد العزيز الفدغوش
24 يناير 2010