شبكة الشموخ الأدبية

شبكة الشموخ الأدبية (http://www.alshmo5.com/vb/index.php)
-   مجلة الشموخ الثقافية (http://www.alshmo5.com/vb/f30.html)
-   -   ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي) (http://www.alshmo5.com/vb/t35456.html)

alshmo5 03-04-2012 03:30 AM

ديمي..حب أول (الجــزء الثانـي)
 


الســلام عليكــم ورحمـة الله وبـركــاتــه ..

يتبـع ..ديمي حب أول (الجـزء الثــاني)



قالت ، وعيناها على عيني :

ـ هل هناك مكان للتسامح والحب في الإسلام .. ؟

طأطأت رأسي ، وتذكرت أني لابد أن أديم النظر إليها وأنا أحدثها ، مجيبا على سؤالها . هكذا هو العرف

في ثقافتها ، و إلا كنت قليل أدب ، ومحتقر للطرف الآخر ، الذي أتحدث معه . يا إلهي ماذا أصنع ؟ لقد

أصبح النظر إليها يعذبني مرتين . يعذب قلبي ، الذي تاه في فضاءات وجهها ، الذي أبدعت قدره الخالق

في تصويره ، ويعذب نفسي التي تعلم أنها ترتع في حرام .

يا إلهي ساعدني فإن قدمي تزل : هل أطيع نفسي وشيطاني ، الذي يتمسح بالعرف في ثقافتها ..

وبالدعوة . أم أطيع نداء ضميري ، الذي يقول لي ، بل يصرخ بي :

” إنك في دروب الغواية سائر ” ؟ هل حقا يعنيك أن تحدثها عن الإسلام ..؟ أم يعنيك أن تتلذذ برؤية مواقع

الجمال في وجهها العاجي الصغير . تطل على وجنتيها المتوردتين ، ثم تتأمل هاتين الشفتين القرمزيتين ،

ثم تبحر في عينيها الزرقاوين “. ظنت أني حينما طأطأت رأسي ، وأطلت السكوت ، أنها قد أساءت لي

بسؤالها ، فقالت :

ـ أنا جد آسفة ، لم أتعمد أن أسئ إليك ، ولم أقصد أن انتقد الإسلام ، أو اتهمه بشيء .. ربما كان يجب أن

أقول : كيف ينظر الإسلام للحب والتسامح ، مقارنة بثقافات أخرى .. ؟ أو ربما كان سؤالي سخيفا تماما ،

ولا معنى له …

رفعت رأسي فالتقت عينانا . كان الشعور بالحرج ، والاحساس بالذنب ، قد صبغ وجهها بحمره ، فاستحال

إلى شئ آخر مذهلا . عيناها انكسرتا بتذلل ، فأضافتا إلى ذلك كله مشهدا استولى علي ، فقلت بألم

ظاهر :

ـ ديمي يكفي ..

فاستعبرت .. وقالت بصوت يتهدج :

ـ سامحني ..

ـ أنت لم تفعلي أي خطأ .. أنا فقط كنت أفكر بالطريقة التي أجيب بها على تساؤلاتك .

كان مستحيلا أن تستمر عيناي معلقتان بوجهها . أي تبرير سيكون خداعا وغشا ، لا علاقة له بدعوة ، أو

بتأليف قلب .. قلت لها :

ـ ديمي هل تسمحين لي أن لا أطيل النظر إلى وجهك .. ؟ هناك مبررات لها علاقة بثقافتي .. وهي قطعا

لا تنطوي على أي مضامين سلبية .. قد تأتي مناسبة أخرى ، وأوضح لك لماذا . وافقت .. وبدأت الحديث ..

حدثتها عن التسامح كقيمة من قيم الإسلام الكبرى ، كما دلت على ذلك النصوص من القرآن والسنة .

وعرضت لمواقف الرسول صلى الله عليه وسلم ، كتطبيق عملي لتلك النصوص . موقفه صلى الله عليه

وسلم من قريش يوم فتح مكة ، حينما قال لهم : “اذهبوا فأنتم الطلقاء” . وأخذتها في سياحة في تاريخ

أمتنا العريق .

كنت بين وقت وآخر ، اختلس نظرة لوجهها ، لأرى وقع كلامي عليها . كان التأثر باديا عليها ، لكن لم أكن

أعلم يقينا ، هل ذلك بسبب ما أقول ، أم تفاعلا مع صوتي ، الذي بدا مجهدا ، حزينا ، وأحيانا متوسلا .. أن

تقول : آمنت بدينك واتبعت الرسول (صلى الله عليه وسلم) ..

أم تراها أشفقت علي .. و هي ترى وجهي قد شحب ، حتى خلت أن الدم غاض منه ، وفاض في محياها

، الذي يزداد جمالا كلما ، ازدادت ألما ..

سكت .. ثم نظرت إليها ، وقلت :

ـ هذا ما لدي ..

ـ عظيم .. رائع ، ماذا عن الحب .. ؟

ـ آه الحب .. لم لا نؤجل ذلك إلى وقت آخر يا ديمي .. ؟

كنت أريد أن ارتاح ، أن أضع حدا لهذا الأمر ، الذي لا أراه يقودني إلا إلى متاهة .. كلما سرت فيها ..

أغرتني في التوغل أكثر . “ما أنا ولهذه المرأة ” ” أقول لنفسي . إن كانت تريد الإسلام ، فقد حصلت على

ما يضع قدمها على الطريق إليه ” .

لماذا وقت آخر ..؟ لم لا أقول لها لا وقت لدي ، فكري بما تحدثنا به ، واتصلي بالمركز الإسلامي لمزيد من

المعلومات . هل أعترف بعجزي ، بل خوفي من أن أقول لها ذلك ..؟

لا .. لا أظن إلا أنني سأتوقف عند هذا الحد ، قبل أن أصل لمرحلة أكون فيها عاجزا عن فعل أي شئ

تماما ..

قطعت حبل أفكاري و قلت :

ـ ديمي .. أنا بحاجة إلى أوراقي في أقرب فرصة ، ليس لدي وقت كاف لتغطية المقرر ، والامتحان كما

تعلمين بعد ثلاثة أيام ، ولدي امتحانات أخرى ..

ـ عفوا ،يبدو أني أضعت وقتك ، و أزعجتك جدا بتصرفاتي الحمقاء ، لم أدرك كم أنت مشغول ومتعب …

قالت معتذرة .. ثم أضافت :

ـ ما رأيك لو نذاكر مقرر الدكتور اندرسون .. (مناهج البحث) معا 0 أستطيع أن أنفعك كثيرا في الإحصاء ،

بحكم دراستي لعلم النفس .. و أنت ستفيدني في النظريات ، وهو ما لاحظته ، من خلال تعليقاتك المهمة

على محاضرات دكتور فريدمان .

يا إلهى هل أنا بحاجة لعرض مثل هذا ..؟

قلت لها :

ـ لا .. لا أظن أني سأفيدك .. فأنا طريقتي في الدراسة متعبة ، لمن لم يعتد عليها ..

ـ كما تشاء .. أين ستكون الليلة لأحضر لك أوراقك ..؟

فاجأني سؤالها ، فقلت :

ـ آه … الليلة سأذهب لشراء بعض الأغراض الشخصية من مركز (رينبو كلر مول) 0 ردت بسرعة :

ـ جيدا جدا ، المكان قريب من حيث أسكن ، متى ستكون هناك ..؟

ـ بين السادسة والسابعة ..

تعمدت أن لا أعطيها وقتا محددا ، حتى أجعلها تغير رأيها في شأن مقابلتي ، رغم حاجتي الماسة

لأوراقي .. قالت :

ـ ما رأيك لو نتقابل الساعة السابعة وعشر دقائق في مقهى (الكيف دوماسيه) في الطابق الأول ، على

يمنيك وأنت خارج من المصعد ؟

اتفقنا على المكان والوقت .. وانصرفت ، لتتركني مع همومي وأوجاعي ، التي صارت تتضاعف بعد كل

لقاء أراها ، وأحدثها فيه ..

ألقيت بيدي على جانبي الكرسي ، وأسدلت رأسي على كتفي ، وتنفست نفسا عميقا . لم ْأنتبه إلا على

صوت (مارك) ، شريكي في المكان ، الذي انتشلني من حالة تفكير عميق ، استرسلت فيه .. قال :

ـ لابد أنه كان موضوعا ساخنا ..؟

ألتفت إليه ، وتذكرت أني نسيت كل شئ ، حين حضرت ديمي ، بما في ذلك مارك الذي يزعجه أي شئ .

قلت مجيبا على سؤاله ، الذي لا يخلو من خبث :

ـ لا بد أنك تحملت كثيرا يا مارك ، فمعذرة ..

حاولت العودة إلى دروسي مرة ثانية ، لكن أنّى لي ذلك . قلبت الكتاب مرة ، ومرتين ، وثلاث ، دون

فائدة . أصبح رأسي مملوءا بها . بوجهها .. وبصوتها .. واليوم أضيف إلى ذلك بكاؤها ، وعبرتها .. إذ تخنق

صوتها المتهدج .. فتحيله إلى شيء خرافي …

الساعة تقترب من الواحدة .. لم يبق على صلاة الظهر كثيرا . فكرت أن أذهب إلى المركز الإسلامي ،

أقرأ شيئا من القرآن ، وأصلي الظهر جماعة ، مع من يكون موجودا من الإخوة . لا شك أني سأرتاح مع

كلام ربي ، وفي بيت من بيوته ، ومع اخوة لي ، تذكرني بالله رؤيتهم ..

هكذا قلت لنفسي ، وأنا أجمع كتبي وأوراقي ، وساعتي الممددة على الطاولة . عندما حملت أوراقي ،

وشرعت بالمسير رمقت مارك بنظرة ، فبادرني قائلا :

ـ الإنسان يحتاج إلى الراحة والهدوء ، بعد كل مرة يلتقي بواحدة منهن ..

ـ ماذا تقصد ..؟

ـ النساء طبعا .. لذلك تراني قد تخلصت من هذا الصداع . أنت شاب .. أنا أفهم ذلك ، لكن حاول أن تتلافى

مثل هذه الأشياء .. في فترة الامتحانات على الأخص ..

ـ شكرا مارك ..

قلت ، وأنا استدير منصرفا ، ثم تمتمت في نفسي :

الأمر أكبر مما تتصوره ..

وصلت المسجد .. قرأت ما تيسر ، وصليت . لكن .. لم يكن هناك مجال للحديث مع أحد . الكل مشغول

بالامتحانات . صحيح أنني أكثر راحة من ذي قبل ، لكني أشعر بالم في داخلي . خرجت من المسجد ، و

توجهت إلى منزلي . حين دخلت ، رميت بكل شيء على طاولة الطعام ..عند المدخل ، و وجدت صعوبة في

خلع حذائي . سحبت نفسي و تهالكت على الأريكة في الصالة .

حينما تغشاني النعاس .. و بدأ جسمي يفتر .. دق الهاتف ، رفعت السماعة ، فجاءني الصوت ناعما ..

يقول :

ـ هذا أنت

قلت بإحباط :

ـ ماذا ..؟

ـ أوه .. آسفة لابد أنه رقم خطأ .. !

للحظة داخلني ألم شديد ، ظننت أنها هي ، وسيطر علي هم واحد ، كيف عرفت

رقمي ..! سحبت سلك الهاتف ، ورميت بنفسي على فراشي . أريد شيئا واحدا .. أريد أن انساها .. لعل

الله أن يلهمني شيئا في منامي ، يخلصني من هذا البلاء .

نمت نوما عميقا لساعتين أو اكثر . هذه أول مرة أنام فيها .. منذ تعرضت لي هذه

( الساحرة ) ، دون أن تكدر أحلامي الكوابيس . استيقظت وصليت العصر ، ووقفت طويلا بين يدي خالقي .

غدا الجمعة يوم مبارك ، وفيه ساعة استجابة . سألح على ربي بالدعاء ، ففي قلبي من تلك المرأة شئ

كثير ، رغم أني أدعي خلاف ذلك . لن أذهب إلى المكتبة ، أو إلى أي مكان آخر . لقد صار يخيل لي أنها

ستطلع لي في كل مكان .

تناولت كتاب الإحصاء ، وبعد قليل وجدت أن لا فائدة من معالجة هذا الإحصاء اللعين . كيف يقول عبد العزيز

، عن هذه المادة الكريهة ، أنها رياضة العقل ..؟! رياضة ..؟! هذا تمحك بالكلام لا معنى له . أليس عجيبا أن

تتمكن ديمي من هذه المادة الثقيلة المعقدة ، وهي الفتاة اللعوب ، التي أقرب ما تكون للدمية البسيطة

، المعدة لكل أنواع الترفيه واللعب ، منها إلى ( كائن ) مهيأ للتعامل مع مسائل عقلية جامدة ..؟

كيف يجتمع وداعة ورقة ديمي .. وتعقيد الإحصاء وثقل ظله ..؟ هل هذه من نبوءات الشاعر العربي القديم

، الذي قال :

ضدان لما اجتمعا حسنا …. والضد يظهر حسنة الضد .

إذا كان حسن ديمي أمر مفروغ منه .. أين الحسن في الإحصاء ..؟ آه … يبدو أن هذا الإحصاء سيحولني

فيلسوفا .

رياضة ..؟ سامحك الله يا عبد العزيز ..

هل قلت رياضة …؟! وجدتها .. سأتصل به ، يا رب ليته يكون موجودا .

ـ ألو .. السلام عليكم ، كيف الحال يا رياض ، هل أزعجتك ..؟ جزاك الله خيرا .. وأنا كذلك آنس بسماع

صوتك .. لدى مشكلة بسيطة … لا .. مجرد أزمة مع مادة الإحصاء .. وحيث أن سلطتك عليها نافذة ، فإني

آمل أن تنصفني منها …! شرط .. ما هو شرطك ..؟ الله أكبر… أنت أروع من أحتكم إليه .. تمكنني من

عدوي الإحصاء ، وتعشيني كبابا ، سآتيك خلال دقائق .. هل أحضر معي شيئا .. غير الإحصاء طبعا .. ثلج

وكولا ..؟ حسنا مع السلامة ..

شكرا يا عبد العزيز لولا كلمتك (رياضة) ، لما تذكرت رياض …

ربي .. هل هذه بوادر النصر على الشيطان … على الهوى .. على فتنه ديمي ، التي تكاد تسحب

قدمي ..؟ ربي إن موعد لقاءها يقترب ، وأنا أقاوم .. ما دمت بعيدا عنها ، لكني حالما أراها تغلبني

نفسي .. ، ما يعذبني يا ربي ، أن كل هذا يحدث باسم دعوتها إلى الإسلام . ربي كانت نفسي تحدثني

أن ألجأ إلى ديمي لتساعدني في الإحصاء ، فلجأت إليك ولم تخيب رجائي ، ربي الوقت يمضي

بسرعة .. فكن معي يا ربي .

قضيت وقتا ممتعا مع رياض . شاب من خيره الاخوة أدبا ، وخلقا ، وعلما . متزوج وأب لطفل .. شعرت بحرج

، إذ لم أكن أعلم بأن زوجته قد عادت من بلدها ، بعد أن اضطرت لملازمة والدتها المريضة لفترة من الوقت

، بقى رياض خلالها لوحده .

قلت لرياض معتذرا :

ـ لقد سطوت على وقت غيري .. فلم أكن أعلم أن الأهل قـد عادوا .

قال بروح الدعابة ، التي لا تفارقه :

ـ لقد رأت أم الحارث ، يعني زوجته ، أن نتعشى معاً يوما دون يوم ، حتى توطن نفسها على طبيعة الحياة ،

بوجود زوجة ثانية .

قلت له مازحـا :

ـ اعتقد أنها ضحكت عليك ، ما دامت المسألة مجرد فكرة .

ـ لا … فأنا اتبع معها سياسة الخطوة خطوة . لقد كسرت الحاجز النفسي ، تجاه وجود امرأة ثانية معنا ،

أي (حقها في الوجود) ، نحن الآن في مرحلة التطبيع ، أي إمكانية التعايش في مكان واحد ، أي تحت

سقف مظلة (إقليمية)..، أقصد بيت واحد … !

ضحكنا ، ثم أضاف :

ـ يحسن بنا أن نغير الحديث ، فالحلا و الشاي لم يصلا بعد من عند أم الحارث ، ولا نريد أن نقع ضحايا

مقاطعة من أي نوع .

شرح لي رياض الإحصاء كأحسن ما يكون ، وأحسست أن مغاليق المادة فد انفتحت لي ، وانزاح عن

صدري عبء كبير …

صلينا المغرب ، وأكرمني رياض وأم الحارث بكأس من الزنجبيل . كنت ساكنا جدا ، وأنا أحمل الحارث

لأقبله ، استعدادا للخروج . طعم الزنجبيل الدافئ اللذيذ ، وابتسامة الحارث العذبة ، وعبارات الود

والمجاملة ، التي أغدقها علي رياض ، هي آخر ما كنت أظن أني سأحمله معي من هذه الأمسية

الجميلة .

كنت أنظر إلى ساعة الحائط ، التي تشير إلى السادسة والنصف ، حينما وضعت الحارث بعد أن طبعت

قبلة على جبينه ، و كنت .على وشك أن أهم بالخروج ، عندما قال لي رياض ، بدون مقدمات :

ـ مصعب .. ألم تفكر في الزواج ..؟

امتقع لوني وارتبكت .. قلت في نفسي : (هل تراه لاحظ علي شيئا .. هل رآني معها .. ؟) أجبت ، وأنا

أحاول أن أبدو طبيعيا :

ـ تكلمت مع الوالدة بهذا الشأن ..

قال ضاحكا ، وهو يضغط على يدي :

ـ إذن الإشاعة التي تقول أنك ستتزوج أمريكية ليست صحيحة ..؟!!

جف حلقي ، ونظرت إليه بشك ، وقلت بصوت متقطع :

ـ إشاعة .. أية إشاعة ..؟

ضحك وقال :

ـ رأيتك أنا و عبد الرحمن ، تتحدث مع العميدة كارولين ديفز ، عميدة شئون الطلبة الأجانب .. فقال عبد

الرحمن ، لو يضحي مصعب ، ويتزوج هذه العجوز ، لقدم خدمة عظيمة لجمعية الطلبة المسلمين .

شعرت كأنما سكب علي ماء بارد ، ولم أحس بشيء من حولي سوى يد رياض ، التي ما زالت ممسكة

بيدي ، و صدى ضحكته المجلجلة ، التي أطلقها بعد تعليقه الساخر ، على حديثي مع عميده الطلاب

الأجانب .. ابتسمت ابتسامة مرة ، وأنا اسحب يدي من يده مودعا كنت وأنا أجر خطواتي ثقيلة إلى

السيارة ، أحس كأني ناهض الساعة من فراش المرض . لقد أرعبتني يا رياض بمزحتك الثقيلة ، كيف لو

كان التي رأيتموني أحدثها تلك ( الساحرة ) ، هل كنتم ستقولون يقدم خدمة جلى للإسلام ..؟! هل

ستكون الإشاعة ، (التي ما كانت) .. أنني سأتزوجها .. أم شيئا آخر ..؟

على أية حال (جاءت سليمة) ، كما يقولون في الأمثال . هل هذا إنذار لي من ربي بأنه مازال يستر علي

، رغم إصراري على فضح نفسي . يا ربي ساعدني ، فإني أشعر أني ازداد ضعفا كلما ازداد الوقت

اقترابا .

وصلت (الكيف دوماسيه) متأخرا عشر دقائق ، وكنت أمني نفسي أن لا أجدها ، بعد هذا التأخير . حينما

وضعت قدمي على مدخل المحل ، رأيتها جالسة على إحدى الطاولات . كنت عازما على أن لا أنجر معها

في أي حديث ، أن آخذ أوراقي وأمضي .

لم يبد أنها متضايقة من تأخري ، بل إنها بادرتني ، بعد أن وصلت إليها ، بالتحية والاعتذار ، قائلة :

ـ أنا آسفة ، لقد تأخرت عليك ، لقد وصلت الآن .. لعلك جئت ولم تجدني على الموعد الذي اتفقنا عليه ..؟

لم تكن صادقة ، فالقهوة في كوبها باردة ، ولم يبقى منها إلا أزيد من النصف بقليل ، وكان واضحا أنها

وصلت إلى هنا على الموعد ، أو ربما قبله بخمس دقائق ، لكنها أرادت أن تلطف الجو بهذا التبرير

المهذب ..

قلت :

ـ لا .. أنا الذي تأخرت ، لارتباطي بموعد سابق .. أنا آسف .

ظللت واقفا ، بانتظار أن تعطيني أوراقي لأنصرف ، لكنها لم تفعل ، بل قالت :

ـ ألا تجلس ..؟

ـ أنا مستعجل .. ومشغول كما تعلمين .

نظرت إلى نظرة ملؤها استعطاف ، وقالت :

ـ لقد طلبت لك كوب قهوة ، وأعدك .. لن يكون هناك أحاديث ، من أي نوع ..

جلست دون أن أتكلم .. جاءت القهوة ، قالت :

ـ دعني أخدمك .. ما مقدار السكر ..؟

ـ مكعبين ..

ـ حليب ..؟

ـ نعم ..

خفقتها بالملعقة ثم قدمتها لي .

ـ شكرا ..

خيم علينا الصمت ، أكره مثل هذه المواقف .. لكن ماذا أصنع ، لا أستطيع أن أتمادى اكثر ، العلاقة تنحو

في اتجاه لم أعد أسيطر عليه ، مهما بررت لنفسي نبل الغاية . شعرت هي بالإحراج .. قالت :

ـ أطلب لك شيئا تأكله .. أنا سأطلب لنفسي (كروسون) ..؟

ـ لا .. شكرا ..

قالت ، محاولة دفعي للكلام :

ـ كيف الإحصاء ..؟

ـ ممتاز ..

ـ حقا .. هذه أخبار سارة ، كنت أنوي أن أعرض المساعدة .

ـ أحد الأصدقاء ساعدني ..

ردت بلهجة لا تخلو من الغيرة :

ـ لابد أنها صديقة خاصة ..

أجبت بحزم :

ـ إنه صديق ..

خجلت .. و قالت :

ـ من بلدك .. ؟

ـ نوعا ما .. إذا اعتبرنا الوطن العربي الكبير بلد واحد ..

علقت .. وهي تفرج عن ابتسامة مترددة :

ـ هذا الكلام كأنه سياسة ، وأنا لا افهم في السياسة كثيرا ..

ابتسمت ابتسامة باهتة ، دون أن أعقب ، ونظرت إلى ساعتي ، ففهمت ما اقصد .. فقالت :

ـ تريد أن تذهب ، كنت قد نويت أن أدعوك إلى مطعم (هاي رووف) .. إنهم يقدمون عرضا خاصا ، ليلة كل

جمعة

ـ .. يؤسفني أن لا أكون قادرا على تلبية دعوتك ، فقد تعشيت عند أحد الأصدقاء قبل أن آتيك .. كما أني

مشغول كما أخبرتك من قبل ..

ثم أضفت ، محاولا تعزيتها لرفضي دعوتها ، وتعاملي معها بهذه الطريقة الرسمية جدا :

ـ تستطيعين أن تذهبي الليلة وحدك .. وآمل أن تتاح لنا الفرصة معا .. مستقبلا ..

رأيت الانكسار والخيبة على وجهها ، وهي ترد علي بأسى :

ـ العرض مفتوح لشخصين فأكثر فقط .. وعلى أي حال ، لن أموت جوعا في هذه المدينة المليئة بالمطاعم

الرديئة ، التي تفتح أبوابها باستمرار ، للخائبين أمثالي …

نهضت .. و توجهت لأدفع ثمن القهوة و الكروسون ، الذي لم تأكله .. رمقتني بنظرة عتاب ، و قالت :

ـ أنت ضيفي .. رغم اني مضيفة ثقيلة الظل ..

طأطأت رأسي ولم أرد . دفعت ثمن القهوة ، ثم اتجهنا معا إلى مواقف السيارات ، دون أن يحدث أحدنا

الآخر . شعرت بتأنيب ضمير على هذا الجفاء ، الذي عاملتها به ، وقبل أن نفترق ، كل إلى سيارته ، التفت

إليها ، و قلت :

ـ ديمي سامحيني ..

نظرت إلي بعينين تفيضان بالألم .. وقالت :

ـ لا شيء ألبته ..

حينما ركبت سيارتي انتبهت إلى الكيس الذي حملني إياه رياض ، والمملوء بما بقى من عشائنا .

أسرعت بالسيارة في اتجاهها ، وحينما حاذيتها ناديتها :

ـ ديمي ..

التفتت ، وكأن صوتي هاتف نزل عليها من السماء . كانت تبكي ، فانقبض قلبي ، لكني تحاملت ، وقلت :

ـ معي طعام لذيذ جدا ، يحتاج إلى تسخين فقط ، اعتبريه اعتذارا غير كامل ، على تصرف فج ..

إنداحت على صفحة وجهها دوائر من السرور ، فأخذته ، وهي تقول :

ـ اقبله .. ليس على إنه اعتذار .. إنه شيء أكثر من ذلك .. طابت ليلتك ، وأمل أن يحالفك التوفيق في

امتحاناتك .. إلى اللقاء يوم الاثنين ، في امتحان الدكتور اندرسون .

في أعماقي لم أكن مرتاحا للطريقة التي تم بها اللقاء ، نفسي تنازعني إليها ، فكرت أن اعتذر لها يوم

الاثنين . لكن عن ماذا .. يقول لي عقلي هذه المرة .. ؟ .

وساوس النفس والشيطان تقول لي : (قد تأثم بتنفيرها من الإسلام) . في قرارة نفسي أعلم أنه الهوى

والرغبة فيها لذاتها ، وإن كان مع حظ النفس شيئا للإسلام ، فلا بأس . لو كان رجلا ، أو حتى امرأة قليلة

الحظ من الجمال ، اكنت تتعب كل هذا التعب ..

اكنت تلوم نفسك .. كل هذا اللوم .. ؟

حين وصلت البيت كان الصراع داخل نفسي قد بلغ مني مبلغة ، بكيت .. بكيت كثيرا ، بكيت حينما تذكرت ،

أنني الليلة حدثتني نفسي أن أضع يدي في يدها ، و أقول لها وداعا . داهمني شيطاني بفكرة أن

ملامسة يدي لكفها ستطفئ هذه النيران المشتعلة في جوفي ، وأن الرغبة المتقدة في داخلي ستخبو

، بمجرد أن أحس بنبضها ينتفض في كفي ..

نحن هكذا نتوتر أمام كل تجربة جديدة ، أو مغامرة مجهولة .. كان هذا حديث نفسي ..

” كف يا شيطاني ” . هذه آخر صيحة دوت في داخلي ، حينما تراجعت عن تلك الفكرة السيئة .. في تلك

اللحظة أيضا .. تذكرت (خالد) ، عندما قرأ سورة النازعات ، يوم صلى بنا العشاء قبل أسبوعين 0 تذكرت

خالد ، عندما عجز عن إكمال السورة لأكثر من عشر دقائق .. بعد أن غلبه البكاء وهو يقرأ :

” وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ”

ظل خالد يرددها ويغلبه البكاء 0 لم أبك في حياتي مثل تلك الليلة 0 كان صوت خالد الندي يكاد يتشقق

عندما يصل إلى قوله تعالى : “مقام ربه” .

يا لهول الموقف .. ثم حينما يصل إلى :

“ونهى النفس عن الهوى” .. يخيل إلى أن كل ما فيه يبكي . كنت أبصر جسده كله يرتعش ، لحظة ينطق

لسانه بكلمة الهوى . يشرق بالدمع ثم ينتحب نحيبا يصدع الجبال الصم . وعندما جذب من أعماقه الآية

التي تليها :

” يسألونك عن الساعة ” شهق شهقة حسبت روحه تخرج معها .

خالد رجل رباني ، بكاء ، يستشعر الموقف بين يدي المولى سبحانه . وإذا بكى ، وكثيرا ما يفعل ، يذيب

جلاميد الصخر . آه يا خالد ليت لي قلبك .. ليت لي رهافة إحساسك . ليته لي .. حتى أخاف مقام ربي ، و

أنهي نفسي عن الهوى . ليت لي .. حتى أكون كما قلت :

من استشعر الموقف هان كل شئ من أمر الدنيا في عينيه .. حتى لو كانت ديمي بكل فتنتها وإغوائها .

مر علي ساعتان وأنا على هذه الحالة ، بكيت حتى خلت أني اغتسلت كلي بدموعي . أحسست أن

الدمع الحار ، الذي سال غزيرا من مآقي ، قد غسل كل العناء في قلبي ، صليت خلالها العشاء ، كما لم

أصلى مثل تلك الصلاة في حياتي . شعرت كم تكون الصلاة لذيذة حينما يكون القلب مشرعا لنداء السماء

، وكم تكون الصلاة ذات معنى حينما لا تستشعر حولك إلا الموقف .. والصحف تتطاير .

يا الله أي عالم علوي كنت تسبح فيه يا خالد ، وأنا أطارد سرابا .. وهما .. شيطانا . أأبلغ ما تبلغه ، وأنا

ألهث خلف المحسوس ، الفاني الذي سيأكله الدود ، قبل أن يخالطه التراب ، وأنت الذي تحلق في اللا

محسوس ، في السرمدي .. في تلك الآفاق النورانية .

ما الجسد يا خالد إلا امتداد للدوني ، للحضيض ، للأرضي ، لذلك حري به أن يجعل من يتطلع إليه ، ويلبي

رغباته أن يلتصق بالأرض ، لماذا .. ؟ لأنه انسلخ من العلوي ، واتبع هواه .. اتبع هواه يا خالد .. فكان

ماذا ..؟ كان من الغاوين .. ولم يكن من الدعاة الهداة .. رحماك يا رب .

مرت أيام نهاية الأسبوع سريعة وعادية 0 ذاكرت جيدا ، حيث لم أغادر البيت إلا قليلا … أوقات الصلوات

فقط . مطعم أبو أيمن السوري قدم لي حلا مثاليا ، من خلال وجبة المقبلات والمشويات اللذيذة ، التي

تكفل بإيصالها ، دون مبالغ إضافية ، إلى المنزل . وهي معاملة خاصة للملتزمين ، كما يقول أبو أيمن ،

الذي يشعر بعظيم الامتنان لهم ، لحفظهم أبناءه وأبناء المسلمين ، من خلال المدرسة التي تشرف عليها

جمعية الطلبة المسلمين ، والمعسكرات التربوية التي تقيمها .
]dld>>pf H,g (hg[JJ.x hgehkJd)


الساعة الآن 10:17 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
ظ„ظٹظ†ظƒط§طھ - ط¯ط¹ظ… : SEO by vBSEO 3.5.1 Trans by
Coordination Forum √ 1.0 By: мộнαηηαď © 2011

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009