عرض مشاركة واحدة
قديم 10-20-2010, 12:31 AM   رقم المشاركة : [3 (permalink)]
فيلسوف الكويت
إداري
كاتب وإعلامي
 

الملف الشخصي



 
 بيانات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

فيلسوف الكويت غير متواجد حالياً

افتراضي




رؤى / تجربتي مع أركون


http://www.alraimedia.com/Alrai/Reso...0/04.33.02.jpg
د. محمد حسان طيان





http://www.doualia.com/wp-content/up...0/09/arkon.jpg

محمد أركون

بكل ما فيه من غطرسة وتعالٍ وصَلَف صدَّني الأستاذ الدكتور محمد أركون المفكر الجزائري المسلم- عن متابعة دراستي العليا في السوربون، حيث كنت موفدا من مركز الدراسات والبحوث العلمية في دمشق لنيل درجة الدكتوراه في اللسانيات Linguistiqu في تلك الجامعة الفرنسية العريقة سنة 1986.

وكان الفرق كبيرا والبون شاسعا بينه وبين أستاذي المشرف الأستاذ الدكتور جورج بواس الباحث الفرنسي المسيحي الذي منحني موافقته على الإشراف علي واعداً بمعادلة شهادة الماجستير التي نلتها من جامعة دمشق آنذاك، ثم استقبلني في بيته بباريس، واستضافني فيه بكرم منقطع النظير، وقدمني إلى البروفسور محمد أركون - المشرف على برامج الدراسات العليا في السوربون - تقديما مشرِّفا يليق به وبعلمه ومعرفته، ويليق بي وبإنجازاتي العلمية التي كنت قد أنجزتها طيلة السنوات السبع التي قضيتها في مركز البحوث دارسا وباحثا ومحققا.

وكنت قد قطعت شوطا لا بأس به في تعلم الفرنسية، إذ قضيت نحوا من ثلاثة أشهر في مدينة فيشي الفرنسية منتسبا إلى واحد من أشهر معاهد تعليم الفرنسية في العالم وهو معهد كافيلامcavilam. وأذكر أني عكفت في ذلك الوقت على تعلم الفرنسية عكوف العابد في صومعته والناسك في معبده، لكن المدة لم تكن كافية لإتقان اللغة إتقانا يُمَكِّن صاحبَـه من دراسة فقه اللغة وعلم اللغة وأصوات اللغة أو ما يدعى باللسانيات Linguistiqu.

فلما قابلت الدكتور أركون مع الأستاذ بواس اقترحت أن انتسب إلى دبلوم الدراسات العليا (DEA) بصفة مستمع لمدة عام أتقن فيه الفرنسية من جهة وأتمكن من بعض مقررات اللسانيات من جهة أخرى ليتاح لي في العام المقبل تسجيل أطروحة الدكتوراه، وما إن أتممت كلامي حتى انبرى الدكتور أركون بلهجة جافية قاسية متغطرسة يقول: «إذاً أنت لا تتقن لغة أجنبية! فاسمح لي أن أشك في كل علمك ما دمت لا تتقن لغة أجنبية وإن كنت تتقن لغة قريش العربية الأعرابية. ثم أردف قائلا: لابد لك من تعلم اللغة عاما كاملا ثم ننظر في أمر قبولك في دبلوم الدراسات العليا (DEA).وقد نلزمك بإعادة بعض مقررات الإجازة قبل ذلك».

كانت صدمتي عنيفة وخيبة أملي قاسية لأنني كنت مقبلا على دراسة هذه اللغة الأجنبية، فأنا ما ارتحلت عن بلدي إلا لهذا، ولكن متى كان العلم حكرا على هذه اللغة أو تلك؟!. وبأي حق يكون العارف بالفرنسية عالماً والعارف بالعربية جاهلا؟! ثم ما دخل الفرنسية بعلم أسرار العربية؟! ومتى كانت معرفتها شرطا من شروط العلم عند أهل العلم؟! فكم من عالم بالعربية وآدابها وعلومها في عالمنا وعالم من سبقنا لا يعرف أي لغة أجنبية وهو حجة في علمه ومرجعٌ في تخصصه وقبلةٌ لطلاب المعرفة في فنه! وأنا هنا لا أُماري بضرورة تعلم اللغة الأجنبية وبأهمية المعرفة باللغات الأجنبية، ولكنني أناقش المبدأ عند واحد من أدعياء التنوير والموضوعية والفكر الحر السليم!

إذ هو يجرد العربية من أي نوع من أنواع المعرفة أو العلم! مع أنها كانت وما زالت وستبقى لغة العلم، برغم ما أصابها على يد أركون وأمثاله من تردٍّ وضعف وذلٍّ، نتيجة الذوبان في الآخر، والافتتان والشعور بالدونية أمام كل ما هو غربي، والولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله كما قال عالمنا ابن خلدون منذ أكثر من ستمئة عام. وكم ذلَّ أقوامٌ بذلِّ لغاتِ!

ويبدو أن هذا الذوبان والافتتان والولع بالاقتداء بهؤلاء لم يغن أركون فتيلا كما يؤكد الأستاذ جورج طرابيشي حيث يقول في كتابه: من النهضة إلى الردة، ص 133-134 : «إن محمد أركون، بعد نحو من عشرة كتب وربع قرن من النشاط الكتابي، قد فشل في المهمة الأساسية التي نذر نفسه لها «كوسيط بين الفكر الإسلامي والفكر الأوروبي».

فأركون لم يعجز فقط عن تغيير نظرة الغرب «الثابتة»، «اللامتغيرة» إلى الإسلام، وهي نظرة «من فوق» و«ذات طابع احتقاري»، بل هو قد عجز حتى عن تغيير نظرة الغربيين إليه هو نفسه كمثقف مسلم برغم أنه مضى إلى أبعد مدى يمكن المضي إليه بالنسبة إلى من هو في وضعه من المثقفين المسلمين في تبني المنهجية العلمية الغربية وفي تطبيقها على التراث الإسلامي، يقول أركون في كتابه الإسلام-أوربا- الغرب، ص،105،106:

«على الرغم من أني أحد الباحثين المسلمين المعتنقين للمنهج العلمي والنقد الراديكالي للظاهرة الدينية، إلا أنهم أي الفرنسيين - يستمرون في النظر إليّ وكأني مسلم تقليدي! فالمسلم في نظرهم أي مسلم- شخص مرفوض ومرمي في دائرة عقائده الغريبة ودينه الخالص وجهاده المقدس وقمعه للمرأة وجهله بحقوق الإنسان وقيم الديموقراطية ومعارضته الأزلية والجوهرية للعلمنة... هذا هو المسلم ولا يمكنه أن يكون إلا هكذا!! والمثقف الموصوف بالمسلم يشار إليه دائماً بضمير الغائب: فهو الأجنبي المزعج الذي لا يمكن تمثله أو هضمه في المجتمعات الأوروبية لأنه يستعصي على كل تحديث أو حداثة» «من مقال اعترافات محمد أركون للأستاذ سليمان بن صالح الخراشي».

أما أنا فقد اتخذت قرارا لا رجعة فيه عدت إثره إلى بلدي لأكمل دراستي في جامعة دمشق غير آسف على السوربون ومن فيها، لا رغبةً عنها، ولا كرها بها، بل لأن الموقف الذي صدر عمن يدعي الموضوعية والتنوير الفكري فيها كان أبعد ما يكون عن هذه الموضوعية وعن ذاك التنوير!

رجعت إلى بلدي لأجد فيه الخير الكثير... والعلم الوفير... والحضن الدافئ... والملاذ العاصم... ولسان حالي يردد لأركون:

وإني وتركي ندى الأكرمين

وقدحي بكفك زنداً شحاحا

كتاركةٍ بـيضَهابالعراء

وملبسةٍ بيضَ أخرى جناحا.





  رد مع اقتباس
 

ظ„ظٹظ†ظƒط§طھ - ط¯ط¹ظ… : SEO by vBSEO 3.5.1