( 199 ) مدار الأفكار
جزاء الدعاء
يقول الشاعر العربي :
لا تسألن بني آدم حاجة = وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله= وبني آدم حين يُسأل يغضب
إنّ الدعاء من أفضل العبادات,ومن أعظم ما يرفع الله به البلاء والعقوبات ,فهو مخ العبادة وركنها الركين
وأساسها المتين,والدعاء يعني الاستغاثة والعبادة والرغبة والصلاة والطلب، ولغة هو مصدر من قولك:
(دعوتُ الشيء أدعوه دعاءً، أي أن تُميله إليك بصوت منك وكلام ),وفي لسان العرب مادة ( د ع
و ) يقول ابن منظور: ( دعا الرجلَ دعوًا ودعاءً: ناداه, والاسم: الدعوة, ودعوت فلانًا: أي صِحت
به واستدعيته ,أما الدعاء شرعا فقد جاء بعدة تعريفات, قال الخطابي: (معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ
ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ,وحقيقته:إظهار الافتقار إلى الله تعالى ,والتبرُّؤ من
الحول والقوّة،وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ،
وإضافة الجود والكرم إليه) ,وقال ابن منظور: (هو الرغبة إلى الله عز وجل) ,وقد ورد الدعاء في
القرآن الكريم على وجوه عديدة ، منها: (العبادة، والطلب والسؤال من الله سبحانه، و الاستغاثة
والنداء ،و توحيد الله وتمجيده والثناء عليه ) , قال تعالى: (وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم
بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف :28)،وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة:186) وقال عز ّوجل ّ: ( قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَـكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ
أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ * بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء
وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:40 ، 41) ، والدعاء الذي حثَّ الله عليه في كتابه، ووعد
المخلصين فيه بجزيل ثوابه، نوعان: ( دعاء المسألة وهو طلب ما ينفع الداعي وكشف ما يضره
ودفعه ، ودعاء العبادة وهو التقرب إلى الله بجميع أنواع العبادة، الظاهرة والباطنة، من الأقوال
والأعمال ) ، قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: ( كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء,
والنهي عن دعاء غير الله, والثناء على الداعين، يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة, وهذه قاعدة
نافعة؛ فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة دعاءُ المسألة فقط, ولا يظنون دخول
جميع العبادات في الدعاء, وهذا خطأ جرهم إلى ما هو شر منه) , وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(وكل سائل راغب وراهب، فهو عابد للمسؤول، وكل عابد له فهو أيضا راغب وراهب، يرجو رحمته
ويخاف عذابه، فكل عابد سائل، وكل سائل عابد، فأحد الاسمين يتناول الآخر عند تجرده عنه، ولكن إذا
جمع بينهما فإنه يراد بالسائل الذي يطلب جلب المنفعة ودفع المضرة بصيغ السؤال والطلب، ويراد
بالعابد من يطلب ذلك بامتثال الأمر، وإن لم يكن في ذلك صيغ سؤال, والعابد الذي يريد وجه الله والنظر
إليه، هو أيضا راج خائف راغب راهب، يرغب في حصول مراده، ويرهب من فواته، قال تعالى: (إِنَّهُمْ
كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَبا) ( الأنبياء:90) ، وقال تعالى: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ
عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) (السجدة:16)، ولا يتصور أن يخلو داع لله دعاء عبادة أو
دعاء مسألة من الرغب والرهب، من الخوف والطمع) , ومن فضائل الدعاء وثمراته أنه طاعة لله
وامتثال لأمره ,و دليل على الكياسة و الإيمان بالله والاعتراف له بالربوبية والألوهية والأسماء
والصفات, وتأكيد على حقيقة التوكل عليه, وسبب لدفع غضب الله ورفع العقوبة والبلاء,وفيه انشراح
للصدر وسلامة من العجز و الكبر , ووسيلة لعلو الهمة ,فالدعاء عبادة وهو أكرم شيء على الله ,
قال رسول الله صلى الله عليه : ( أن الدعاء هو العبادة) ,وقال أيضا : ( ليس شيء أكرم على الله
عز وجل من الدعاء) ,وقال عليه السلام : (سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يُسأل) , فثمرة
الدعاء مضمونة بإذن الله قال صلى الله عليه وسلم : (ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو
كف عنه سوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) ,وقال أيضا ( لا يرد القضاء إلا الدعاء) , ويقول
أهل السنَّة والجماعة: ( إن الدعاء واجبٌ، ولا يستجاب منه إلاّ ما وافق القضاء, فقد أمر الله تعالى
به، وحضَّ عليه، فقال سبحانه: (ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60)، وقال: (ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا
وَخُفْيَةً) (الأعراف:55) ، وقال: (قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ) (الفرقان:77) ، قال
الخطابي: ( فأما من ذهب إلى إبطال الدعاء، فمذهبه فاسد, ومن أبطل الدعاء فقد أنكر القرآن ورده،
وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين : (إنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن يدعوه، فأفاد ذلك أن الدعاء
عبادة, وأن ترك دعاء الرب سبحانه استكبار) ,و قال المناوي في فيض القدير : (لأن تارك السؤال
إما قانط وإما متكبر، وكل واحد من الأمرين موجب الغضب) ، ويقول الشاعر :
واني لأدعو الله والأمر ضيّق = علي فما ينفك أن يتفرجا
ورب فتى ضاقت عليه وجوهه= أصاب له في دعوة الله مخرجا
ويقول الإمام الشافعي :
أتهزأ بالدعاء وتزدريه= وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن= له أمد وللأمد انقضاء
فالدعاء مفتاح الرحمة، ومصباح الظلمة ,ومفزع المظلومين وملجأ المستضعفين, وهو دواء نافع ,
وعلاج ناجع ,قال صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء سلاح المؤمن ) وقال أيضا : (إن الله يحب
الملحّين في الدعاء) , وعندما يمر الإنسان بظروف صعبة وقاهرة كالتي تمر بها الأمة الإسلامية
اليوم فانه بأشد الحاجة إلى الدعاء والتوسل والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى, ولقد كان النبي عليه
الصلاة والسلام أفزعُ الناس إلى الدعاء إذا ألمت مصيبة أو نزلت نازلة, نسال الله أن يعز الإسلام و
المسلمين ، وأن ينصر عباده الموحدين, وأن يرفع راية العدل والدين , وصلى الله على المبعوث
رحمة للعالمين .
يا مشتكي بدنياك من زود الأكدار = ترى الفرج في كف وال المقادير
أرفع كفوفك بالدعاء وقت الأسحار =حيث التضرع للولي مصدر الخير
بين الورى لا ترتجي دفع الأضرار= إلا من اللي يرزق السبع الطير