عرض مشاركة واحدة
قديم 05-01-2013, 12:03 PM   رقم المشاركة : [23 (permalink)]
جوهر الراوي
إداري
 

الملف الشخصي



 
 بيانات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

جوهر الراوي غير متواجد حالياً

افتراضي رد: النتاج الأدبي بين الوضوح والغموض ؟

أما خالد جوده فيقول أن من القضايا الأدبية الساخنة والتي تثير الجدل دائما، قضية الرمز في العمل الأدبي، وهل الغموض ميزة في العمل الأدبي، أم أنه اشكالية خاصة به؟، البعض يقول بالغموض المقنن، بما يشبه ملح الطعام، بحيث يجعل العمل الأدبي محببا وجاذبا، لكن شرطا أن لا تزيد جرعة الغموض بحيث لا يكون العمل الأدبي مستساغا، ويبدو الأمر متصلا بتحرير المفاهيم بداية حول معاني الرمز والغموض ، حتى نتحرك عبر أرض صلبة في تلك القضية الهامة.

وقبل الشروع في أمر تحرير المفاهيم كان واجبا الإشارة إلي كون الجدل في هذه القضية قديما جديدا في آن، فهي تعد من ضمن أشهر القضايا الأدبية، وأعجبني للتعبير في هذا الشأن تعبير الشاعر حلمي سلام لدي حديثة في سفر أمل دنقل ناقدا قصائده دارسا لشأن الوضوح في أعماله فقال إن هذه القضية يمكن أن نطلق عليها القضية ذات الأرواح السبعة والتي شبعت دراسة لكنها لا تلبث أن تحيا من جديد، ونواصل المسيرة.

فقد يكون من أهم أسباب اختلاف رؤية متلقي العمل الأدبي غموضه ووقوعه في دائرة الإغراب واشتماله على استبطان الأديب لذاته واستغراقه فيها ، ونشير إلى المذهب الرمزي في الأدب (والذي يشتمل فيه العمل الأدبي على لونين من المستوى في المعنى وهما مستوى العالم الواقعي ومستوى عالم ما وراء الواقع وازدواجية المعنى ... ونجد فيه التحرر من السرد والاتجاه إلى التدليل العميق والأسلوب المركز الموحى ).

وبالتالي يعاهد المتلقي عملا أدبيا له معنى ظاهر ومعنى باطن.. يذكر د . مصطفى علي عمر في تعليقه على المدرسة الرمزية : “ فأنصار الرمزية يرون أن عالم المادة إنما هو صور زائفة ولجأوا إلى الرمز فكفى ما عاناه المجتمع من عالم الماديات وأنكروا أن تكون الماديات مصدر الحقائق وآمنوا بداخل الأشياء فاستبطنوا ذواتهم وأنكروا الظواهر المادية كصور محسوسة في المجتمع لذلك كانت خاصيتهم الأولى “ الإيحاء والإلهام “ وعدم التمييز بين العالم الداخلي والخارجي ورأوا أن كل لون من الألوان الأدبية يحمل مدلولين من المعاني مدلولا داخليا كشف عن أعماق الصورة ومدلولا خارجيا ينقل إلينا صورة ناطقة لواقع وأنكروا أي عمل أدبي لا يحمل هذين المدلولين واعتبروه ضربا ناقصا من ضروب الفن ولم يكتمل نضجه ولكنهم نظروا للعالم من خلال رؤيتهم فقط فجاءت غامضة لا وضوح فيها ، وكان الإيحاء وسيلتهم في الكتابة فالكلمة رمز لمدلول بعيد بالتالي اللفظ يجب أن يوضع في مكانه بما يحدث من جرس يؤدى إلى متعة ولذة ولذلك غمرت أعمالهم الروح الشعرية حتى في قصصهم ورواياتهم النثرية والاقتراب أيضا إلى الموسيقى والخيالات التي تشبه الأحلام والاهتمام الصور الميتافيزيقية والهيام في الأجواء الغيبية “ .

ولكن نجد أن الاستغراق في الرمز إلى حد الغموض لاقى انتقادا واسعا ، إذ ليس معنى الوضوح في العمل الأدبي وتيسير وصول مقصوده إلى فؤاد وعقل المتلقي أن ينفي عنه التكثيف الفني وأن يحمل بين طياته العديد من الدلالات والرمز الموحى المعبر إذ يرى البعض أن هذا الغموض (والذي يبدو معه العمل الأدبي كالمعميات و الطلاسم الملغزة) لا يمكن أن يكون معيارا للحداثة والتفرد الإبداعي ، إنما هو ثمرة مرة من ثمار (التخمة المادية وطغيان الفردية) بتعبير رائد الأدب الإسلامي د. نجيب الكيلاني، كما انها ثمرة من ثمار الاستغراق الكامل في الاستبطان الداخلي دون أي فائدة مرتجاة للقارئ.

وترى الأستاذة سناء صليحة “ أن الرمزية المغرقة فى الغموض تحير القارئ وتفقده اهتمامه بالعمل وان استخدام الرمز يكون بالتوسل بان يكون واضحا جليا لا يغرق القارئ في متاهات بعيدة عن قضية الكاتب الحقيقية “ ، بالتالي ما رمى إليه القائلين بأن الغموض إنما هو ملح العمل الأدبي إنما قصدوا بذلك تلك الرمزية الموحية والمعبرة عن معانٍ وأفكار محددة، ولا شك أن الوضوح هو شاطئ الأمان الذي يأوي إليه الحائرون والتائهون في بيداء صحراء الحياة المحرقة المخيفة ، وليس شرطا للوضوح في العمل الأدبي ( كما ذكرنا ) أن يكون على حساب إهدار القيم الفنية في العمل ، فليس معنى الإبداع الغموض بحجة انه يتدفق من الوعي واللاوعي .

ويبقى التساؤل هل يكون الوضوح في العمل الأدبي لدرجة أن يحمل اكثر من دلالة ؟ ، هذا ليس صحيحا فالتكثيف وان يشتمل الأثر الأدبي على اكثر من مستوى من الفهم والاستعانة بالرمز ليس معناه الإغراق في الغموض تذكر الكاتبة سناء صليحة : “ الفكرة في العمل الأدبي يمكن لها أن تمتزج في نسيج العمل جميعه وتتغلغل خلف الحدث من خلال الصورة والنسق التعبيري “ ، ويشير أحد الكتاب إلى هذا المعنى قائلا : “ بعض الأدباء يسرفون في رموزهم بحيث يتحول العمل الأدبي إلى لغز كبير تحار فيه الأفهام ربما يكون من أهم عوامل نجاح العمل الفني أن يحتمل أكثر من تفسير ولكن أن تكون الرموز معقولة وعلى أن يكون للعمل الفني – إلى جانب الرمز – صورته البسيطة التي يستطيع أن يفهمها القارئ العادي “ .

ويلخص الكاتب الكبير علي ادهم أسباباً متعددة وراء الغموض في الأعمال الأدبية قائلا : “ الغموض قد يكون مصدره الرغبة في التضليل والادعاء أو محاولة ستر الأغراض المقصودة لتفاهتها وقلة غنائها أو الخوف من إذاعتها ، وقد يكون سببه قصور التعبير وعجز الأداء وعدم تمكن الناشئين من الفن الذي يعالجونه ، وقد يكون عمق الفكرة أو طرافتها أو تعصيها على التعبير الواضح وتأبيها على المنطق المفهوم “ ، ويضيف : “ وظيفة اللغة هي توضيح الأفكار وليست إخفاء الأفكار كما يزعم بعض الساخرين.

توقيع - جوهر الراوي
  رد مع اقتباس
 

ظ„ظٹظ†ظƒط§طھ - ط¯ط¹ظ… : SEO by vBSEO 3.5.1