( 33 ) مدار الأفكار
بلفور الجور
يقول الشاعر العربي:
الحق منك.. ومن وعودك أكبرُ= فاحسِب حسابَ الحق يا متجبر
لو كنت من أهل المكارم لم تكن=من جيب غيرك محسنا يا بلفر
قبيل يومين مرت بنا الذكرى أل ( 91 ) لوعد بلفور المشؤوم الذي جاء استكمالا لإتفاقية ( سايكس- بيكو)
بين بريطانيا وفرنسا عام 1916م و صدر في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 1917ونص على إقامة
وطن قومي لليهود في فلسطين على اعتبار أنها "أرض بلا شعب لشعب بلا وطن"!! ورغم تباين
التفسيرات والدوافع وراء هذا الوعد إلا أن كثير من المصادر تؤكد بأن البدايات الأولى لفكرة إنشاء وطن
خاص يجمع شتات اليهود ويكون حارساً على مصالح الدول الاستعمارية في الشرق ترجع إلى ما قبل
الحملة الفرنسية على مصر، وتجلى ذلك بوضوح في خطاب "نابليون" الذي وجهه إلى يهود الشرق؛ ليكونوا
عونًا له في هذه البلاد وقد وجدت هذه الدعوة صدى لها لدى كثير من اليهود، فقد كتب المفكر اليهودي
( موسى هس) يقول: ( إن "فرنسا" لا تتمنى أكثر من أن ترى الطريق إلى "الهند" و"الصين" وقد سكنها
شعب على أهبة الاستعداد لأن يتبعها حتى الموت.. فهل هناك أصلح من الشعب اليهودي لهذا الغرض؟! )
ومع نهايات القرن التاسع عشر انتقلت فكرة الصهيونية التي تزعمها "تيودور هرتزل" مؤسس الحركة
الصهيونية – من مرحلة التنظير إلى حيّز التنفيذ، وذلك بعد المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل
عام (1897م)، وتجلى ذلك بوضوح في سعي الصهاينة الدائب للحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى
بإقامة وطن قومي يهودي , وبتكليف من الحلفاء أقدمت "بريطانيا" على تلك الخطوة الخطيرة، فأصدرت
وعد بلفور، ونشرته الصحف البريطانية صباح الثامن 8 من نوفمبر 1917م) وكان نصه: (إن حكومة
صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها
لتسهيل تحقيق هذه الغاية،على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص
الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو
الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود فيالبلدان الأخرى) ,وفور إعلان هذا الوعد سارعت دول أوروبا، وعلى
رأسها "فرنسا" و"إيطاليا" و"أمريكا" بتأييده، بينما كان في مناطق العالم العربي وقع الصاعقة، واختلفت
ردود أفعال العرب عليه بين الدهشة والاستنكار والغضب , وفي إبريل 1920م وافق "المجلس الأعلى لقوات
الحلفاء" على أن يعهد إلى "بريطانيا" بالانتداب على "فلسطين"، وأن يوضع "وعد بلفور" موضع التنفيذ
,ثم ما لبث مجلس "عصبة الأمم المتحدة" أن وافق على مشروع الانتداب في 24 يوليو 1923م، و دخل
مرحلة التطبيق الرسمي في 29 سبتمبر 1923م , وتتلاقى خطوط المؤامرة وتتضح أهدافها بعد
أن أتخذ اليهود من "وعد بلفور" ذريعة لقيام دولتهم، فقد أشار إعلان قيام "إسرائيل" إلى
اعتراف "وعد بلفور" بحق الشعب اليهودي في تحقيق بعثه القومي على بلاده الخاصة به، كما استندوا على
أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرت في29 نوفمبر 1947م مشروعًا يدعو إلى إقامة دولة يهودية
على أرض "فلسطين",وبالرغم من كل المكاسب التي حققها اليهود من "وعد بلفور" فإن كثيرًا من
السياسيين والمؤرخين يدفعون ببطلانه، وبالتالي بطلان كل ما ترتب عليه من مغالطات وأكاذيب، فلم تكن
فلسطين، عند صدور الوعد جزءاً من الممتلكات البريطانية، حتى تتصرف فيها كما تشاء، وإنما كانت جزءاً
من الدولة العثمانية، وهي وحدها صاحبة الحق في ذلك ,كما أن "وعد بلفور" صدر من جانب واحد -وهو
بريطانيا- ولم تشترك فيه الحكومة العثمانية، بالإضافة إلى أن هذا الوعد يتعارض مع البيان الرسمي الذي
أعلنته "بريطانيا" في عام 1918م)، والذي نص على "أن حكم هذه البلاد يجب أن يتم حسب مشيئة ورغبة
سكانها، ولن تتحول بريطانيا عن هذه السياسة". كما يتعارض هذا الوعد مع مبدأ حق تقرير المصير الذي
أعلنه الحلفاء، وأكدته "بريطانيا , ويقول مصطفى الصواف : ( لازال الشعب الفلسطيني ينزف دما منذ ذلك
الوعد المشؤوم ، الذي استصدره ( من لا يملك لمن لا يستحق ) ، فقد وعد حيمس أرثر بلفور وزير
الخارجية البريطانية في تلك الفترة ، اليهود بمنحهم دولة على ارض فلسطين دونما وجه حق ، فهو لا
يملك أن يعطي مثل هذا الوعد، والذي ترتب عليه كل ما حدث ويحدث من قتل وتدمير وتشريد واغتصاب
في أرض فلسطين على مدى ( 91 ) عاما وكما يقول الشاعر لطفي الياسيني :
يا وعد بلفور جئت اليوم تشجينـا=فاليوم ذكراك مـا أنصفتنـا حينـا
قد عدت والأرض مازالت محاصرة=تحت احتلال الخواجـا والمرابينـا
عشنا على القمع والتهويد في وطن=غاب الأسود به......أمسى شياطينا
ضاعت فلسطين والأحباب قد رحلوا= خلف الحدود ...فلا رحنا ولا جينـا
وعند كل ذكرى سنوية لوعد بلفور أصبح من المعتاد أن يطالب الكتاب العرب بريطانيا بالاعتذار
عن هذا الوعد الذي ساهم بضياع فلسطين وفيها مقدسات العرب والمسلمين, وتسبب في تشريد وقتل
الملايين .
رغم السنين ورغم دورات الأيام= لازال جور وشرّ( بلفور) قايـم
وعد ٍنزع للقدس من دار الإسلام= وأضحت مدار ٍ للفتن و التهايـم
تسعة عقود وعام والقدس منظام=وعن السلام ودار الإسلام صايم
عبدالعزيز الفدغوش
الأربعاء, 5 - نوفمبر - 2008