( 208 ) مدار الأفكار
ذكرى الهجرة
يقول الشاعر العربي
في هجرة المختار نور ساري= دوما إلى الوجدان باستبشار
فالظلم مهما قد تمادى ينتهي = بالظالمين لخيبة وخسار
إن الصراع بين الحق والباطل حقيقة أزلية أبدية,وسنة إلهية نافذة قال الله تعالى: (الذين أخرجوا من ديارهم
بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد
يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) (الحج:40),وبقاء الدعوة في أرض
قاحلة,لا يفيدها بل أنه يعوق مسارها ويقلل من اعتبارها ويعرضها لأمواج الأخطار,والأضرار ,والهجرة
في سبيل الدعوة والحفاظ عليها سنة من سنن الله ,وهي مرحلة طبيعية من مراحل تطور الدعوة ووسيلة من
أهم وسائل نشرها وتبليغها ، قال تعالى: ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله
والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى
يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير)
(الأنفال :72) ,وقد ورد في القرآن الكريم ذكر نماذج من هجرات الرسل, ومن أجل نصرة الدعوة الإسلامية
والحفاظ عليها وإيجاد البيئة الخصبة التي تتقبلها وتستجيب لها وتذود عنها، فقد هاجر الرسول صلى الله عليه
وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، مع أبي بكر الصديق، ،وفشلت كل محاولات قريش في تتبعه
وإعادته وتجلت عناية الله ورعايته لرسوله في الطريق وشهدت بذلك أم معبد كما شهد سراقة بن مالك حتى
وصل إلى المدينة المنورة فاستقبل بفرح المؤمنين، وأقام مسجدا وحمل فيه الحجارة مع أصحابه،وآخى بين
المهاجرين والأنصار،ووضع ميثاقا عظيما لتنظيم العلاقة بين المقيمين في المدينة من المهاجرين والأنصار
واليهود,وسميت المدينة بدار الهجرة والسنة كما في صحيح البخاري، وصارت الهجرة إليها من سائر الأنحاء
الأخرى التي بلغها الإسلام تقوية للدولة إلى أن قال النبي بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجاً : (لا
هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا) ,وبقي معنى الهجرة في هجر ما نهى الله عنه، وبقيت
تاريخا للأمة وتعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البلد الأمين تضحية عظيمة عبر عنها بقوله
صلى الله عليه وسلم : (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت)
, وللهجرة معان عميقة في الوجدان والعقيدة، إذ تفصل بين الحق والباطل,وبين عوائد المجتمع الجاهلي ونظامه
وتأسيس دولة الإسلام ,وتعد الحد الفاصل بين عهد الجهل والشرك والوثنية ,وعهد الهداية والرسالة ونور
الإسلام, فهي أعظم حدث حول مجرى التاريخ، وغير مسير الحياة ومناهجها, ولذلك وفي عهد الفاروق عمر
بن الخطاب رضي الله عنه وضع التقويم الإسلامي انطلاقا من سنة الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى
المدينة المنورة ,ويُعد يوم الجمعة الموافق 16 يوليو سنة 622 م،هو بداية التقويم الهجري, ويجب أخذ العبر
والدروس من وحي الهجرة النبوية وذلك بضرورة الجمع بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب المأمور بها ,
إضافة إلى طاعة ولي الأمر والإخلاص في العمل والسلامة من الأغراض الشخصية والتفاني في سبيل
العقيدة ,ومع إشراقة العام الهجري الجديد وذكرى أروع أحداث التاريخ الإسلامي التي أنجبت دولة حضارية
في زمن قياسي في تاريخ الأمم ,نسأل الله العلي القدير أن يعز أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها،
وأن يضفي عليها نعمة الإسلام والرخاء والسلام .
يا الله تعز بعزتك دين الإسلام = وتضفي أمانك والرخاء والسلامي
يا رب حقق للأماني والأحلام = وأرفع لواء الإسلام بين الأنامي