( 46 ) مدار الأفكار
حبيب الشعب
يقول الشاعر العربي :
مشيئة الله لا عتبى ولا سخط = كما رحلت فكل الناس ينتظر
لو كنت تفدى لقدمنا النفوس فدى = لكنه قدر ما فوقه قدر
في 31 ديسمبر 1977 قبل 31 عاماً ، غيّب الموت أمير الكويت الراحل الشيخ صباح السالم الصباح –
رحمه الله وطيب ثراه - الذي عرف بطباعه العربية الأصيلة، وتواضعه الجم، وطهارة قلبه وعفة لسانه،
وصدق وعده وزهده، وحبه للكويت وأهلها، وحب الشعب له فهو القائل:
أنا وشعبـي كـل أبونـا جماعـة =الدين واحد والهدف خدمـة الشعـب
لا ضاق صدر الشعب ما استر ساعة=أضيق لا من ضاق وأحـب لا حـب
وقد ولد سموه عام 1913 م، وتدرج في عدة مناصب قبل أن يعتلي سدة الحكم، فقد عهد إليه في عهد
المغفور له بمشيئة الله الشيخ أحمد الجابر الصباح إنشاء ورئاسة دائرة الشرطة العامة التي أصبحت فيما
بعد وزارة الداخلية، وكان ذلك عام 1938 م، حيث بقي رئيسا لها طوال فترة امتدت واحدا وعشرين عاما،
وكان رحمه الله خلال هذه الفترة ينوب في العديد من الأحيان في رئاسة دوائر المالية والأشغال العامة
والتموين والصحة وغيرها، وعين رئيسا لدائرة الصحة عام 1959م، كما كان أول رئيس للخارجية قبل
أن تصبح وزارة، ثم وزيرا لها في أول وزارة شكلت في الكويت عام 1962م، بعد حصول البلاد على
استقلالها، وفي 24 يناير 1962م أصبح نائبا لرئيس الوزراء، وفي29 أكتوبر من العام نفسه تمت تزكيته
وليا للعهد، وبالإضافة إلى ذلك ترأس سموه الوزارات الثانية والثالثة والرابعة منذ يناير عام 1963 وحتى
نوفمبر 1965، إذ بقي رئيسا لمجلس الوزراء حتى تولى مقاليد الحكم في الرابع والعشرين من نوفمبر عام
1965م بعد وفاة أخيه الشيخ عبد الله السالم الصباح - رحمه الله - ليصبح الحاكم الثاني عشر من أمراء آل
الصباح والثاني من سلسلة الأمراء بعد الاستقلال، وفي عهده تم إنشاء جامعة الكويت عام 1966م،
وإصدار عملة نقدية تحمل صورته عام 1969، كما تم تدشين الجزيرة الاصطناعية ومشروع الغاز في ميناء
الأحمدي، وخلال فترة حكمه عمّ الرخاء، وشهدت الكويت تطورا وازدهارا ونهضة شاملة في مختلف
المجالات، وكان - رحمه الله - يحمل الهم العربي حتى آخر يوم في حياته وهو يوم الجمعة 31 ديسمبر
1977م، إذ قال في رده على سؤال عن نهضة وارتقاء المجتمع العربي: "نحن في الكويت لن نسلم أو
نتجاهل حقوق أو كرامة الأمة العربية، ولن نقبل أي حل سياسي أيا كانت طبيعته، ما لم يحفظ لنا كرامتنا
ويضمن لنا حرماتنا المقدسة واستمرارية ديننا، إذا ما قرأ أبنائي تاريخ الإسلام وقصص أبطالنا وأجدادنا
فسيجدون أنهم بذلوا ما في وسعهم للدفاع عن الدين الإسلامي وكرامة الأمة العربية، إن موقفنا هنا في
الكويت معروف جدا في الخارج، فنحن لا يمكننا أن نحيد أو نتراجع عن طريقنا المحدد، إن كبرياءنا وكرامتنا
هما كل ما نملك"، وعن هدفه في الحياة كان يقول: "إن هدفي الوحيد هو بذل ما في وسعي من أجل توحيد
كل العرب، فهذا الأمر يحزنني جدا، وخصوصا في هذه المرحلة عندما أرى العديد من الانقسامات، وسوف
أموت بمشيئة الله بعد أن أرى عودة التضامن العربي، وسيساعدني الله على إعادة هذا التضامن قريبا"، وقد
وافاه الأجل المحتوم في اليوم الأخير من عام 1977، وفي رثائه يقول أحد الشعراء:
أميرا له في كل قلـب مكانـة= عزيزة ركن شأنهـا لا يزاحـم
فلو أنها تفدى النفوس لسارعت= بقية أعمـار ترجـى تساهـم
ورغم مضي السنين على رحيل سموه - يرحمه الله - فسيبقى الشيخ صباح السالم الصباح، الأمير الإنسان
الوالد القائد، خالدا بأعماله وسيرته العطرة، وحاضرا في ذاكرة الوطن والتاريخ، وفي قلوب ووجدان أبناء
الكويت الأوفياء.
مرّت ثلاث عقود ورسـوم غابـت=وإلا أنت يا رمز الوفاء ما بعد غبت
سيرة سموك بين الأجيـال طابـت=حيثك بطيبك والفخـر ثابـتٍ ثبـت
عبد العزيز الفدغوش
الأحد, 4 - يناير - 2009