اعلانات المنتدي

لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ



الإهداءات

آخر 5 مشاركات مجالات التكييف والتبريد وأنظمة الحرائق وتمديد الكابلات والتيار الخفيف (الكاتـب : سماسيموو - )           »          مباشرات قهوجيات قهوجي وصبابين قهوة في جدة 0552137702 (الكاتـب : خدمات - )           »          قهوجين وصبابين في جدة رجال نساء 0552137702 (الكاتـب : خدمات - )           »          مكتب انجاز استخراج تصاريح الزواج (الكاتـب : سماسيموو - )           »          قهوجيات جدة صبابين قهوة مباشرين قهوه ضيافة قهوة 0552137702 (الكاتـب : خدمات - )


الانتقال للخلف   شبكة الشموخ الأدبية > شموخ الفكر > مجلة الشموخ الثقافية

 
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : [1 (permalink)]  
قديم 03-10-2012, 05:01 PM
موقوف

 بيانات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  alshmo5 غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي



 
افتراضي الشباب والدولة


سلسلة رسائل

الشباب بين الحق الواجب والواقع المر

عنوان الرسالة

الدولة

الدكتور السيد عبدالحليم محمد حسين

الأمين العام المساعد لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية

وعضو الأمانة العامة للجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية





بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

الحمد لله مُولِي النِّعَم، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّ البِرِّ والكرَم، سيِّدنا محمد المبعوث لجميع الشُّعوب والأُمَم، وعلى آله وأصْحابه أُولي النُّهَى والهِمَم.

وبعدُ:
فهذه الرسالة خاتمةُ المطاف؛ لعِلاج سلبياتٍ ناءَ بثِقْلِها الشباب، لَخَّصت ما ينبغي على الدولة عمَلُه تجاه أبنائها ومُواطِنيها، ثم بعدَ أنْ وصَفتُ الداء وضَعتُ الدواء، ولا دواءَ إلا في هُدَى السماء الذي يستمدُّ الهُدَى والخير والضياء، آمِلين للشباب هدايةً وتوفيقًا، وللمسلمين عامَّة نصرًا وتأييدًا، وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمد النبيِّ العربيِّ الأميِّ وعلى آله وصحْبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

الدولة

يتوقَّف تحقيقُ الأمن والسَّعادة لكلِّ الناس في الحياة على وُجود سُلطةٍ عُليَا في المجتمع، تضبط الحركة وتُوجِّه النَّشاط بما يُوازِن بين مَصلَحة الفرد ومَصلَحة الجماعة، تُضِيء النور الأخضر أحيانًا إيذانًا بالسَّيْرِ، وتُضِيء النُّور الأحمر أحيانًا أخرى إيحاءً بالتوقُّف.

وهي في كلتا الحالتين لا تريدُ إلا الخير، فالإيذان بالسَّيْرِ مَعناه: أنَّ الطريق أمانٌ، والسير عمل مشروعٌ يُرجَى منه هدفٌ نبيلٌ، والإيحاء بالتوقُّف معناه: أنَّ الحركة فيها خطر، والخطر أقصَرُ طريقٍ لوقوع الضرر!

سبب الخروج عن الإطار العام
وذلك لأنَّ سُلطان الشهوات، وجموح الأهواء، وسَيْطرة الأنانية قد تُغرِي الكثيرين بالخروج عن "الإطار العام المتوازن" الذي يُنظِّم النَّشاط الإنساني ليعمل كلٌّ في مَوقِعه حسب طاقاته ودُون أنْ يكون في عمله ضَرَرٌ يقَع على غيره أو على نفسه؟!

السُّلطة عند الفرد
وتحقيقًا لهذا التوازن وهَب الله الإنسان نعمة "العقل" وجعَلَه "سُلطة عُليَا" في مملكة الفرد نفسه، يُوازِن بين الأمور نافِعِها وضارِّها، فيعمَل ما فيه نفعٌ، ويتوقَّى ما فيه ضررٌ، ويتحقَّق السلوك السويُّ في "مملكة الفرد" بقدْر إدراكه لحقائق الأمور وإذعانه لإرشادات الضوءَيْن الأخضر والأحمر، فإذا أهمل الفرد عقلَه، أو لم يكترثْ لتوجيهاته، فإنَّ سلوكه لا يخلو بحالٍ من الخطأ أو الخطر، فيجني على نفسه، درى أو لم يدرِ، هذا في الأمور التي يُدرِك العقل حقائقها.

السُّلطة في مجال المجتمع
أمَّا في مجال المجتمع الإنساني الكبير أو الصغير، فإنَّنا نقصدُ من "السُّلطَة العُليا" القوَّة التي تفعَلُ ولا تخشى ردَّ الفعل من غيرها.

فهي إذًا سُلطةٌ تعتمدُ على ركنين أساسَيْن:
أحدهما: أنْ تكون قادرةً على الفعل إيجادًا أو إعدامًا.
وثانيهما: ألاَّ تخشى رُدود فعلها من قوَّةٍ أخرى تُناوِئُها.

فالقُدرة على الفِعل في نفسه - أيًّا كان - لا تُحقِّق معنى "السُّلطة" فضلاً عن كونها "عُليا" لأنَّ السُّلطة العُليا لا بُدَّ فيها من عزَّة الجانب، ولا تكونُ عزيزةَ الجانب إلا إذا أمنت رُدود فِعلها.

وهذا الأمن يَرجِع إلى ثلاثة أسباب:
الأوَّل: أنَّ الجماعة ارتضَتْها نائبة عنها في توجيه نشاطها وفْق نظامٍ متَّفق عليه.
الثاني: أنَّ فِعلَها في نفسه مشروعٌ؛ فليس لأحدٍ ردُّه ما دام جاريًا على النَّسق المتَّفق عليه.
الثالث: أنَّ ذلك الفعل لا يُرجَى منه إلا جلب الخير للجماعة، أو دفْع الشرِّ عنها، فهو مُلزم للجميع.

وعلى هذا فأنا وأنت لنا سُلطةٌ وإنْ كنَّا قادِرين على أنْ نفعَلَ فعلاً ما؛ لأنَّنا نخشى رُدودَ فِعلنا ممَّن نفعَلُ معهم، وسواء كان الرد مُساويًا للفعل نفسه أو أقل أو أكثر، بل إنَّ مجرَّد تفكير مَن نفعَلُ معه الفعل في الرد علينا يُخرِجنا عن كوننا سُلطةً ولو لم يردْ.

فليس لنا إذًا القدرة على إلزام غيرنا بأنْ يفعل معروفًا، أو يترك منكرًا، وإنْ كنَّا نملك القُدرة على النصح - مجرَّد النصح - وليس الأمر، والفرق بين الناصح والآمِر، والمنصوح والمأمور، كالفرق بين المشرق والمغرب؛ فالناصح غير مُلزِم، والمنصوح غير مُلزَم يعمل بالنصح أو لا يعمل، ذلك متروك لتقديره هو أمَّا الآمر فمُلزِم، وأمَّا المأمور فمُلزَمٌ، فلا حيلةَ له في ترك ما أمر به أو نهي عنه؛ لأنَّ آمِرَه يملك شيئًا آخر سينتقلُ إلى "تنفيذه" إذا هو خالَف؟!

السُّلطة العُليَا
والسُّلطة العُليا بهذا المعنى تتمثَّل الآن في الدولة أيًّا كان شكلها؛ لأنَّها هي الوحيدة التي تفعل ولا تخشى ردَّ الفعل من غيرها؛ لأنَّها "النائبة" عن المجتمع، فرأيها رأيه، وفعلها فعله، وحُكمها حكمه، والمجتمع - بكلِّ مكوناته - حين يواجه فردًا أو جماعة في قوَّة الفرد، بفعله ورأيه وحكمه، فليس لذلك الفرد ولا للجماعة التي في قوَّته طاقةٌ على ردِّ فعل المجتمع ورأيه وحُكمه، والدولة - بهذا الاعتبار - تملك قوَّة الإلزام على الجميع، ولها أمام ردود فعلها من الآخَرين ردودٌ أخرى هي عليها قادرةٌ!

وتُمارِس الدولة سُلطاتها بِمُساعدة أجهزتها المتعدِّدة والمتخصِّصة، فإذا كانت الحركة مُواكِبةً للهدف فنعمَّا هي، وأمَّا إذا كانت الحركة مضرَّة وخارجة عن الإطار العام المتوازن، فهنا يجبُ على الدولة وقْف تلك الحركة فورًا، مهما كان مصدرها، أو تغيير اتِّجاهها؛ تفاديًا للضرر الواقع فعلاً أو المتوقَّع من استمرارها، وإلا كانت مُقصِّرة في واجبها أمامَ الجماعة التي ارتضَتْها نائبةً عنها، أمينةً على مصالحها؛ إذ ليس في قدرة أحدٍ غيرها الاضطلاع بتلك المهمَّة الجليلة الشأن، والقادر على التغيير دُونما نِزاعٍ أو خشية ردِّ فعلٍ مضاد تشيرُ أصابع الاتهام إليه عند وُقوع أيِّ خلل يصيب موقعًا في مجال سُلطته قبلَ الإشارة إلى أيِّ متَّهم آخَر سواه.

الدولة شريكةٌ في ضَياع الشباب
وبناءً على هذه "المسلَّمات" فإنَّنا في موضوع "ضياع الشباب" لا تستطيع أنْ نُبرِّئ الدولة من توجيه الاتِّهام إليها باعتبارها "مشاركًا" ضليعًا في وُقوع تلك "الجريمة" دوره فيها أخطر من دور أيِّ مُشارِك آخَر من الأسباب العشَرة التي سبَق لنا الحديث عنها في هذه السلسلة، وهي: البيئة الداخليَّة (البيت)، والبيئة الخارجيَّة (الشارع - المدرسة - الفن - الفكر المضاد - التبرُّج والاختلاط - الإعلام - الدَّعوة - الفراغ).

وإنما كان دورها أخطر ومسؤوليَّتها أكبر لأنَّها قادرةٌ على التغيير تشريعًا وتنفيذًا، فهي "السُّلطة العُليَا في المجتمع" المهيمِنة على شُؤونه.

وتتحمَّل الدولة مُسؤوليَّتها هنا باعتبارين:
أحدهما: السُّكوت عن فعلٍ ضارٍّ مع القُدرة على منْع وقوعه أصلاً، أو وقفه إنْ كان قد وقَع، وقد تتجاوَز المسؤوليَّة هنا مجرَّد السكوت عن الفعل الضار إلى الحثِّ والتشجيع عليه، وسيأتي بيانُه قريبًا - إنْ شاء الله.
وثانيهما: المشاركة في وُقوع الضرر عن طريق "الفعل" المباشر أو التسبُّب الاختياري فيه.

وهذان الاعتباران كلاهما ممَّا يكاد يُجمِع عليهما فُقَهاء القانون، حتى الوضعيين منهم فيما أطلَقوا عليه: الجرائم الإيجابيَّة والجرائم السلبيَّة في التشريعات العقابيَّة، سواء في الشرائع الإسلاميَّة، أو التشريعات الوضعيَّة، وإنْ كان كلامهم في جَرائم الأفراد، فلنستعرْ ذلك منهم في مجال حديثنا عن الدولة ومُسؤوليَّتها عن رعاية الشباب وحُسن توجيههم.

السلبيَّة مع القُدرة
الاعتبار الأوَّل: وهو السُّكوت عن الفعل الضارِّ مع القُدرة على منْع وُقوعِه أو وقْفه إنْ وقَع.

1- البيت:
فإنَّ الأسباب العشرة التي حمَّلناها مسؤوليَّة ضَياع الشَّباب كلها خاضعة لسُلطان الدولة فيما عدا البيت؛ فإنَّ سُلطانها عليه ضعيفٌ؛ لأنَّ ما يجري في البيت هو من الشُّؤون الخاصَّة بالأسرة، وليس لأحدٍ مهما كان التدخُّل فيها.

فلنترُك البيت وما يدورُ فيه جانبًا، فما هو إذًا اعتذارُ الدولة أو دِفاعها عن نفسها إذا قلنا: إنها مسؤولةٌ بالدرجة الأولى عن تقويم كلِّ اعوجاجٍ أو قُصور في الأسباب التسعة الباقية.

2- الشارع:
أليست الدولة ذاتَ سُلطان نافذٍ على "الشارع"؟! فلِمَ لَم تُغيِّر شيئًا ممَّا يجري فيه ممَّا لا يُرضِي الله ولا رسوله ولا مَشاعر المؤمنين، ولو أنها فكَّرت يومًا في تطهيره لَمَا كلَّفَها الأمر سوى وقفةٍ حازمةٍ يتبدَّل فيها "الحال"؟!

أين المجالس المحليَّة الموكول إليها النُّهوض بالبيئة وتوجيه كلِّ شيء فيها نحو الكمال، أو هكذا يجبُ أنْ تكون وظيفتها؟ وأين نوَّاب الشعب في كلِّ دائرة؟ وما الذي قدَّمُوه أو يُقدِّمونه لربهم ولدِينهم ولمنتخبيهم؟ هلا كلَّف أحدُهم نفسَه بالملاحظة والدرس ساعيًا نحو الكمال، وهم القادرون على صياغة "المشاريع" ثم عرضها ومُناقشتها وإقرارها ومُتابعة تنفيذها؟ وأين الشرطة التي هي أمينةُ الشعب والساهرة على مَصالحه؟! أليست هذه كلها أجهزةً أو مؤسسات تابعة للدولة؟

إنَّ أخلاق الشارع وفَوْضاه آخِذة في الازدياد حينًا بعد حين؛ فوضى في الفعل، وفوضى في الكلام، لا حُرمة لامرأةٍ، ولا وَقار لكبير، ولا شفقة لصغير، ولا رحمة بالضعيف، كلُّ شيء باقٍ على وَضعِه على مرِّ الغداة وكرِّ العشي.

ولو أنَّنا فكَّرنا جِدِّيًّا في القضاء على سلبيَّات "الشارع" وردْم "مطبَّاته" لأعَدْنا للحياة رَوْنقها وجمالها، وهذا يقتضي أنْ تتَضافَر جميع القُوَى في عزمٍ وثَبات لا يعرف اللين؛ حتى يختفي الفوضويون والعابثون و"خِفاف الدم" الثُّقلاء من حياةٍ ينبغي ألاَّ يظهَرُ فيها "الشياطين" وهم آمِنون.

إنَّ يقظة الرقابة على الشارع واجب الدولة وحدَها، وفي "غيبتها" أصبح "الشارع" مسرحًا لممارسة "الحريَّات الشخصيَّة" على أوسع نِطاق، فشبَّ الضَّياع نارًا، وضاع الشباب في لهيبها المستعِر، وكَمَّمَ الآمِرون بالمعروف والناهون عن المنكر أفواههم طلبًا للسلامة من دار الفُتون، وفتنة الدِّيار، والباب الذي يأتي بالريح سدَّه لتستريح، هكذا يُعلِّمهم المثَل ويُسانِده الواقع!

3- المدرسة:
وفي مجال "المدرسة" التي اتَّخذناها رمزًا لمراحل التعليم كله، ذكَرْنا طائفةً من السلبيَّات المتعلِّقة بتدريس الدِّين، وشؤون التربية الخلُقيَّة، فهل يستطيعُ منصفٌ أن يُبرِّئ أجهزةَ الدولة المختلفة من تَبِعَتِها؟ أوَليست المدارس والمعاهد والكليَّات مؤسسات حكوميَّة تابعةً للدولة، تضَعُ لها المناهج وتُموِّلها وتُشرِف عليها إشرافًا كاملاً فنيًّا وإداريًّا، وهي صاحبةُ الكلمة فيها، وحتى المدارس والمعاهد التي يُدِيرها أفراد، أو هيئات غير حكوميَّة تابعة للدولة كذلك؛ لأنَّ الدولة لا تسمح لأيِّ فردٍ أو جهةٍ أنْ تمارس "عمليَّة التعليم" إلا بإذْنٍ خاصٍّ منها، يكفل لها حق المراقبة والإشراف والتوجيه ماليًّا وإداريًّا وفنيًّا، فالدولة تبسط يقينًا نفوذها الكامل على دُور التعليم كله، فلماذا تسمَحُ بِظُهور تلك "السلبيَّات" في مجال الدِّين والتربية؟!

أنقول: إنَّها لا تعلم؟ كيف وأجهزتها هي القائمة بالإدارة والمراقبة والتوجيه؟ وأعودُ فأُذكِّرك بقصة طالب الثانويَّة العاملة الذي كان من "الأوائل" فيها واستَضافَه التليفزيون وسألَتْه المذيعة: "هل كنت تحضر حصص الدين؟" ويجيب الطالب المتفوِّق فيقول: "مش معقول نحضر حصَّة الدين! ربنا أحنا عارفينوا... حصة الدين كنَّا نقضيها في فناء المدرسة نلعب، أو نذاكر بعض المواد المهمَّة"، هكذا واللهِ قالَ، والسؤال في ذاته مريبٌ، فجاء الجواب أكثر ريبةً، وتنتقل المذيعة إلى سؤالٍ آخَر ولم تكترثْ لإجابة الطالب، وكأن كلَّ شيءٍ كان مُدبَّرًا!

ألم يسمَعِ المسؤولون عن التعليم هذه الإجابة المزعجة؟ بالطَّبع سمعوا، ولكنَّ الذي حدَث أنَّ أحدًا منهم لم يكترثْ لما سمع، وكان الأجدر بوزير التعليم أنْ يأمُر بإجراء تحقيقٍ عاجل، ثم يتَّخِذ موقفًا يُعلِن نتائجه ليُرضِي المشاعر المؤمنة التي قد أُصِيبت بصدمةٍ عنيفةٍ من جرَّاء ما حدَث؟

ولطالما تناوَلَ الكاتبون هذا القُصور ولكنَّ شيئًا من العلاج لم يحدُثْ، وحين اجتمع رئيسُ الجمهوريَّة الأسبق برجال الدِّين عقب أحداث الشَّغب في يناير سنة 1977، وطلَب الاهتمام الجادَّ السريع بالتربية الدينيَّة في مراحل التعليم، استبشر الناس خيرًا، ولكن للأسف الشديد فإنَّ أدنى تغييرٍ في المناهج الخاصَّة بالدِّين أو الأداء أو السلوك لم يحدُثْ رغمْ الإلحاح الذي سمعناه، فما الذي تنتَظِرُه الأجهزة التنفيذيَّة لتحتَرِمَ الدِّين نظريًّا وعمليًّا؟ لا أحد يدري!

أمَّا الذي ندريه يقينًا أنَّ هذا الإهمال الشنيع الذي نلحَظُه في كلِّ ما يتَّصل بالدِّين في مراحل التعليم الأولى الثلاث هو الذي حمل الشباب على الاستِخفاف بالدِّين تحصيلاً وعملاً، فلو أنهم وجَدُوا للدِّين تعظيمًا وتوقيرًا في نُفوس الكبار الذين اشتركوا في عمليَّة "تعليمهم" كذلك التعظيم والاهتمام الذي تحظى به المواد الأخرى كالرياضيات والكيميَّاء مثلاً، لعظموا الدِّين ووقَّروه، ولكنْ كيف يستقيمُ الظل والعود أعوج، والعود هنا هو "القدوة" المفقودة فينا نحن الكبار مُعلِّمين وإداريين إلا مَن هدى الله، وقليلٌ ما هم، وستعظُم الكارثة عند إلغاء الدِّين من التعليم بعد أنْ وُضِعت العراقيلُ في مناهجه!

وإذا أقبَلَ الشباب على التعليم الجامعي، وجدوا الجامعات مُقفِرةً تمامًا من الدِّراسات الدينيَّة مع اكتِظاظها بالمعارف الأخرى، اللهمَّ إلا بعض الكليَّات التي تهتمُّ ببعض الدِّراسات الدينيَّة؛ كأحكام المواريث، وما يُسمَّى بالأحوال الشخصيَّة، وشيء من هذا القبيل، بَيْدَ أنَّ الهدف من كلِّ هذا هو الإعداد للوظيفة، ليس إلا[1].

وما زلنا نقرأ ونسمع عن الصُّعوبات التي تعتَرِضُ الشباب المتعطِّش للدِّين بالجامعات من وضْع العراقيل أمامَ أنشطتهم، ومحاربة "الجماعات الإسلاميَّة" داخل الجامعات، وإقصائهم عن رِيادة اتِّحاد الطلاب، لا لشيء جنوه سوى أنَّهم يختارُون الإسلامَ عقيدةً ومنهجَ عمل، ويأبى الله لهم - رغم المشاقِّ التي يتحمَّلونها - إلا الانتصار، فقد أسفرت الانتخابات عن فَوزِهم المذهل في كثيرٍ من المواقع، وسرعان ما تحوَّلت الأمور إلى ما لا تشتَهِي السفن، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله!

فما الذي نَرجُوه من الشباب - بصفةٍ عامَّة - من صلتهم بالدِّين، وقد قدَّمنا من جانبنا كلَّ ما يحملهم على "هجره" والتنكُّر له، ثم نعودُ فنشكو من انحرافاتهم وعبثهم وجرائمهم وفراغهم الديني والفكري، بل وجَرائمهم في حق الوطن وبنيه وفي حق أنفسهم؟!

ونعودُ فنسأل: مَن هو القادر على إزاحة هذه السُّحب القائمة من طريق الشباب وهو يُحاوِل توثيق الصلة بينه وبين الدِّين؟
الجواب: إنَّه الدولة، والدولة وحدَها هي القادرة وهي المسؤولة عن استِمرار هذه المعوقات، فإذا لم تفعل فذلك قصورٌ في واجباتهم، وإخلالٌ بالتزاماتها، فليس من الإنصاف أنْ يكون لجماعة الرحلات، أو الرياضة، أو التمثيل، من الحقوق ما ليس للجَماعات الدينيَّة المنبئين في كليَّاتنا الجامعيَّة، فحرم عليهم ما هو حلالٌ لغيرهم، وشكرًا لأولئك "الأشبال" المؤمنين المناضلين في كلِّ موقع.

4- الفنون:
أمَّا في مجال الفنون[2] فإنَّ الدولة تتجاوَز مجرَّد السكوت عن فعلٍ ضارٍّ مع القدرة على منْع وُقوعه أو استِمراره، إلى حَدِّ الحثِّ والتشجيع عليه، وهي لهذا ضليعةٌ في المسؤوليَّة عن ضَياع الشباب عن طريق الفنِّ بأشكاله المختلفة؛ لأنَّ جناية الفنِّ على الدِّين والأخلاق قد بلغت قمَّة الخطَر.

فلا يخلو نموذجٌ من الأعمال الفنيَّة من الحبِّ ومُوبِقاته، والعُنف وجرائمه، حتى المواقف الوطنيَّة صوَّرُوها في أسلوبٍ جنسي مبتذل إلى حدِّ الإسفاف، ولم يرضَ بعض الكاتبين المسرحيين أو السينمائيين أو مؤلفي القصص والمسلسلات بأنْ يكون منهجهم في عرض الأحداث "أنثويًّا"، فلجؤوا إلى "العناوين" المعبِّرة عن ذلك الاتجاه، فمسرحيَّة "عيون بهية" ترمُز إلى موقف وطني، وقصة "غرام صاحبة السمو" ترمُز إلى فترة تاريخيَّة من تاريخنا المعاصر، كما أراد لها مؤلِّفها، ومن قبلها كانت "غرام صاحبة الجلالة"، و"الآنسة كاف"، و"الهزيمة كان اسمها فاطمة"، و"نساء لهن أسنان بيضاء"، و"الجبان والحب"، و"سنة أولى حب"، ومن قبل ذلك ومن بعده أسماء تُنبِئك من أوَّل وهلةٍ عن الحديث كيف يكون.

والأدب الرمزي في ذاته (متعب) له وجه ظاهر مغرٍ، وله لبٌّ، وليس من السهل أنْ يصلَ إليه كلُّ أحدٍ فيبقى أثَرُه القريب من نُفُوسِ قارِئيه ومُشاهِديه، ويظلُّ اللبُّ مَدفُونًا للغوَّاصين المهَرَة إذا شاؤوا أنْ يستخرجوه.

والشباب مُتحفِّزٌ دائمًا يرضى بما ظهر، ويزهد فيما خفي.

وعندما تأخُذ هذه النماذج طريقها إلى "التمثيل" والتجسيم لا تبدو إلا في شَكلِها الضَّحل من الإثارة والتسلية، والنَّشوة والطَّرب وقتْل الوقت بأيِّ ثمن.

فلماذا إذًا هذا الوُلوع بالحب والجنس والحياة ملأى بالعواطف النبيلة والمواقف المؤثِّرة الخلاَّقة، أضاقَتْ أمامهم الحياة الرحبة ولم يَجِدُوا فيها إلا هذه المزالق الخَطِرَة؟


ووزارة الثقافة والإعلام تُركِّز كلَّ جُهودها في مجالات الفنون؛ تمثيلاً وغناء ورقصًا، وكأنَّ هذه "النوافذ" هي وحدَها التي يمكن أنْ يُربَّى عليها الشباب وترسخ فيه قِيَم الخير والحق والجمال، دون تفرقةٍ بين نموذج ونموذج، ودون التفكير في الآثار الضارَّة التي تترُكها بعضُ النماذج الفنيَّة في نفس الشباب وغير الشباب، وقد تقدَّم لنا الحديثُ عنها.

أجل؛ سمحت الدولة بعرْض الكثير من النماذج التي هي حربٌ على الأخلاق، ولم تستَطِعْ أجهزتها المتخصِّصة وضْع حدٍّ لما ينبغي عرضُه من الأعمال الفنيَّة وكان في استطاعتها أنْ تفعل لو أرادَتْ.

فمدرسة المشاغبين مثلاً التي هلَّل لها النُّقَّاد وكبَّروا لا تستهدف إلا أنْ تُصبِح مدارسنا كلها مدارس مشاغبين، صحيحٌ أنها مضحكةٌ ومسلِّية ولكن ما هو حجم الضرر الناتج عنها؟ لم يفكِّرْ في ذلك ناقدٌ ولا مخرجٌ ولا مسؤولٌ، فأخَذ الصغار والكبار يحاكُونها إعجابًا واستظرافًا، بل إنَّ بعض المسؤولين عن التعليم التربوي بلَغ إعجابه بها حدَّ الافتتان فاحتفَظَ بتسجيل صوتي لها، ولم يجدْ ما يُقدِّمه لسامعي برنامج "في مكتبة فلان" الإذاعي إلا أنْ يقدم لهم جزءًا منها، نحن نفهَمُ أنْ يكون احتفاظ هذا المربِّي بهذا التسجيل لدراسة العُيوب التي يُصوِّرها؛ ليعمل على تَلافِيها وتطهير الشباب منها، أمَّا أنْ يكون احتفاظه به ليُقدِّمه لضيوف "فكرة"، فذلك ما لا نفهمه ولا نستسيغه، ولكنَّه كان!

ليس هناك معرض من معارض الفن إلا وللدولة سلطانٌ عليه، فلماذا إذًا هذا التسيُّب؟ ومَن هو المسؤول عنه إنْ لم تكن الدولة هي المسؤولة بالدرجة الأولى؟

إنَّ دساتير الدولة التي أُقِرِّتْ بعد قيام الثورة حرصت على أنْ تنصَّ على هذه المادة "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدِّين، والأخلاق والوطنيَّة"، وإنَّنا لنسأل من هو المَنُوط به احترام هذه المادَّة؟ أليس هو الدولة؟ هذا مسلم، وهو يقودُنا إلى هذا السؤال أو التساؤل:

هل كلُّ الأعمال الفنيَّة تحترم الدِّين والأخلاق، أم أنَّ الكثير منها حربٌ على الدِّين وعلى الأخلاق معًا؟

وإذا كان الواقع أنَّ الكثير منها حربٌ على الدِّين والأخلاق، فمَن هو - يا ترى - المسؤول عن هذا "التناقض"؟ ومَن هو القادر على أنْ يزيله ويجعل الحركة دائمًا صاعدة بدلاً من هذا التخبُّط والشد والجذب؟

إنَّ المسؤول والقادر على "التنسيق" بين الجهود هو الدولة وحدَها؛ لما لها من صفة الإلزام، وهي المسؤولة وحدَها عن احترام الدستور، والناس لها تبعٌ كيفما تكن يكونوا، ولكنَّ الدولة صامتةٌ عن كلِّ هذا، وليتها اكتفَتْ بالصمت، ولكنَّها شاركت في الفعل الضار، فلها مسارحها ومَراقصها وقُصور ثقافاتها، ولها شاشتاها الفضيَّتان، ولها إستديوهاتها التي عُرِفَ الفن عن طريقها طريقَه إلى "الجمهور"، وكان حَرِيًّا بها ألاَّ تُقدِّم إلا كلَّ مُثمِرٍ ومفيدٍ بدلاً من تلك النماذج التي تُلقِّن الشباب دروسًا عمليَّة في فَساد الأخلاق، والتهجُّم على الدِّين، وتدمير الأُسَرِ، واختلاس الأموال، والاعتداء على النفس والعِرض، والتدريب على بَذاءة الألفاظ، والعلاقات المريبة.

وشارع الهرم، وإنْ شئت فقُلْ: شارع الهدم، ألم تُنشَأ حوانيتُه ومَلاهِيه وموائدُ اللعب والشرب فيه بإذنٍ من الدولة، وأخَذ الشباب يحجُّ إلى تلك "البِقاع" الموبوءة، من مصر ومن خارج مصر، حتى أصبَح ذلك الشارع الذي كان عُنوانًا شامخًا لحضارةٍ عريقة أصبح بفِعل أولئك الرُّوَّاد عنوان معرَّة لمصر، تنتَحِرُ فيه الفَضائل والقِيَم كلَّ مساء.

ومَن هو القادِرُ على "تطهيره"؟ أليس هو الدولة؟
فماذا فعلت في شأن ذلك؟ لا شيء!

والدولة أمامَ هذا الأمر لها موقفٌ من اثنين: إمَّا أنْ تكونَ عالمة بِحُرمة ما يجري في تلك الأماكن، وهذه مصيبةٌ، أو لا تكون، وهذا احتمالٌ مرفوض، والمصيبة منه أعظم.

إنَّ شعار الدولة هو "العلم والإيمان"، وهل يستقيمُ أمرُ العلم والإيمان مع هذا الإدمان؟ إنَّ هذا لعجيبٌ والله!

ولقد هالَنِي منذُ قريب تصريحان نشرَتْهما الصحف، ونسبَتْهما إلى السيد وزير الإعلام والثقافة:
أحدهما: اهتِمامُ الوزارة بإنشاء "مراقص" لتعليم الرَّقص الشعبي؛ لأنَّ المسارح تُعانِي نقصًا في هذا "التخصُّص".
وثانيهما: أنَّ وزير الثقافة والإعلام يتمنَّى أنْ يُخصِّص دارًا للعرض والتمثيل في كلِّ عمارة تُنشَأ حديثًا، وقد أكَّد هذا القول أحدُ وكلاء الوزارة في برنامج "دعوة للفكر"!

فهل أدَّت الوزارة دورها كاملاً في التبصير ولم يبقَ أمامَها إلا التمثيل والرَّقص؟ وهل التمثيل والرَّقص هما الزَّادُ الذي يجبُ أنْ يُربَّى عليه الشباب ولا زاد غيرهما؟ إنَّ المسارح ودُور العرض والتمثيل لم تضقْ بروَّادها، أو هبْها ضاقَتْ فعلاً فهل هي في تقديرنا أسمى رسالةً من رسالة "المسجد" ونحن نَرى المصلِّين يجلسون في الشوارع في صلاة الجمعة؛ لأنَّ "المسجد" لم يتَّسِع لروَّاده، فمن المفارقات العجيبة أنَّ الرجل المسؤول عن "المساجد" يُطالِب في برنامج "نور على نور" بغلْق المساجد الأهليَّة ظُهرَ كلِّ جمعة، وأنَّ الوزير المسؤول عن الإعلام والفن يُطالِب بإنشاء دار عرض في كلِّ عمارة؟ حقًّا إنها مفارقةٌ عجيبة، ما كان يجبُ أنْ يقوله المسؤول عن الدعوة قالَه وزير الإعلام، وما كان يجبُ أنْ يقوله وزير الإعلام قاله المسؤول عن الدعوة!

إنَّنا لفي حاجةٍ ماسَّة إلى مُراجعات ومُراجعات، لتتَّسق جُهودُنا كلها نحو الهدف الأسمى الذي ينبغي أنْ تُوظَّف كلُّ الطاقات في سبيل الوصول إليه: سلامة العقيدة، واستقامة السلوك، واحترام القيم.

5- الإعلام:
أمَّا في مجال الإعلام والتثقيف ونشْر الفِكر، فإنَّ هناك "تسيُّبًا" أغْرى كلَّ مَن يريدُ أنْ يقول شيئًا على قوله فعلاً؛ إذاعةً وكتابة وتأليفًا ورسمًا وتصويرًا، وليس هناك ضابطٌ لما يجبُ أنْ يُقال أو يكتب أو يُذاع، أو يُرسم أو يُصوَّر، فخرجت العديدُ من المؤلفات والروايات والقصص المترجمة والمحليَّة، ومنها ما يُزكِّي في النُّفوس حُبَّ الجريمة أو يثيرُ كَوامِن الغريزة الحيوانيَّة، أو ابتزاز المال، ومنها ما يمسُّ أصول العقيدة، وقيم السُّلوك النبيل، ومنها ما يُوجِّه سِهامه إلى تُراث الأمَّة؛ فيرميه بالقُصور حينًا، وبالجمود حينًا آخَر، ويُصوِّر للشَّباب أنَّ أمَّته عاشَتْ عالةً على حَضارة الأمم الأخرى، وأنها في حاضِرِها إذا لم تسرْ على مَناهِج الغرب فلن تُحرِز تقدمًا في أيِّ ميدان.

وضرَبُوا الأمثلة بما يشيعُ في الشرق الآن من تخلف، وبما زها في الغرب من حضارةٍ ماديَّة، فزادوا الشباب حيرةً، وأفقَدُوه الثقة في نفسه وفي أمَّته وفي دِينه.

بل إنَّ أحدهم يلومُ الذين يعتزُّون بتراث الأمَّة ويثنون على السَّلف من الرعيل الأوَّل لأمَّتهم؛ لأنهم يدعون إلى بعث ماضي الأمَّة من خِلال أجهزةٍ لم يصنَعْها أولئك الأسلاف - يقصد الراديو والتليفزيون - أي: إنَّه يُعيِّرهم لأنَّ أسلافهم لم يصنعوا هذه الأجهزة التي يستخدمونها في الدعاية لهم.

وهذا اللائم نفسُه هو الذي فسَّر قوله تعالى: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: 25][3]، أنَّ المقصود من هذه الصالحات هي المخترعات الحديثة: السيارة - الطائرة - قُفل الباب المحكم! أي: إنَّ مَن يعمل هذه "المخترعات" فهو الملاك الطاهر ولو لم يؤمنْ بالله ولم يرعَ لأحد حُرمةً، وبهذا المقياس فإنَّ صانع الصاروخ العابر للمحيطات والقارَّات لإرهاب الناس وامتِصاص دِمائهم هو أكثَرُ الناس نصيبًا في الصلاح والتقوى والورَع!

ومثْل هذا مَن فسَّر قولَه تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8] فقال: إنَّ المراد بالمؤمنين هم المؤمنون بوطنهم! وهذا قولٌ باطل باطل، فالمؤمنون الذين لهم العِزَّة هم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخِر، الذين يُقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرون في البأساء والضرَّاء، والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، المصدِّقون بوحي الله الواثقون في عدله.

وأحدَثُ كتابٍ ظهَر في هذا المجال وقدَّمَه مؤلفه للشباب قال لهم فيه: نحن لم نرَ موسى ولا عيسى ولا محمدًا، ولا نُصدِّق إلا ما يُؤيِّده العلم الحديث، والعلم الحديث عند هذا المؤلف لم يُثبِت إلا وجود الله[4].

أمَّا الرسل وما جاؤوا به من شَرائع فهي بالطبع لا تخضَعُ لقواعد العلم التجريبي، ولا تُقاس بالطبع كذلك على نتائجه، فهي إذًا مرفوضةٌ في نظَر الشباب، فكفى أنْ يؤمن الشبابُ بالله إيمانًا مجرَّدًا كما يُوحِي به العلم، أمَّا التكاليف إيجابًا وسلبًا فما دام العِلم لا يستطيع إثباتها وكذلك نفيها، فلا عليهم - أي: الشباب - أنْ يلتزموا بها أو لا يلتزموا بها!

هذا اللون من الكتابات يستهدفُ عقيدةَ الشباب نفسَها، ومن الكتابات ما يستهدف خُلُقَ الشباب وسكَت عن العقيدة؛ إيمانًا منه بأنَّ العقيدة ستغتالها الشهوات إذا نجحوا في إثارتها.

فمنذُ أعوامٍ وحتى أشهُر مَضَتْ ملأ السوق كتابٌ لا أعتقد أنَّ مراهقًا أو مراهقة سمعت به ولم تشتَرِهْ، والكتاب يحمل عنوان "علائق التزاوج شرعًا وقانونًا"، وقد روَّج له مؤلفه بحملةٍ صارخة من الدعاية، فكتب الإعلانات عنه ولصَقَها على زجاج السيارات، وطبَع الكتاب مرَّات، علمًا بأنَّ المؤلف تناوَل في كتابه هذا أمورًا تقلق الشباب من الذكور والإناث على السواء، وتناول فيه كذلك مسائل تخدش حَياء كلِّ أنثى.

ورغم أنَّ الكتاب كان ذائغ الشُّهرة لم يتحرَّك أحدٌ للتعرُّف على محتوياته إلى أنْ بعَث أحد قرَّاء مجلة "الدعوة" برسالةٍ إلى باب الإفتاء، وذكر أمورًا مُؤسِفة تضمَّنَها الكتابُ، فرفَعت "الدعوة" أمرَه إلى مجمع البحوث الإسلاميَّة بالأزهر، وتفضل المجمع وفحَص الكتاب وطالَب مُصادَرتَه، وتَمَّ تنفيذ ما رآه المجمَعُ، ولكن بعد ماذا؟ بعد أنْ طُبِعَ الكتاب مرَّات ووُزِّعت منه آلافُ النسخ، فلا جرم أنْ نرى بعض الشباب مستخفًّا بالقيم وتلك هي رَوافِدُه ومُكوِّناته.

والأدهى من هذا أنَّ كتب "الجنس" التي تغمر أسواق الشباب العاديَّة والسريَّة تُغذَّى أحيانًا بالكتب المستوردة، وهي عادةً تحمل طابع الانحِلال والبذاءة، ومن تلك الكتب المستوردة كتاب "سخيف" حدثني عنه مَن رآه وفحَصَه، وهو يضمُّ بين طيَّاته تسعين نموذجًا للعمل القبيح، كلُّ نموذجٍ يختلفُ عمَّا بعده وعمَّا قبله في طريقة الممارسة، وقد استَعان واضِعُوه بشرحٍ تفصيلي محرَّر باللغة الإنجليزيَّة، كلُّ صورة أو نموذج وُضِعَ تحتَه شرحه مُفصَّلاً.

كان هذا منذُ ثلاثين سنة تقريبًا، والكتاب "مهرب" ولكن مُحدِّثي يعتقدُ أنَّ آلاف النُّسَخ قد تَمَّ بيعُها لشبابنا المغلوب على أمره بأغلى الأثمان، وغلوُّ الثمن قد لا يدخُل لنا في حِساب، فالمال زائلٌ ولكنَّ الخسارة التي أُصِيبَ بها شبابُنا في أخْلاقهم وقد مُنِينا بها، ذلك هو المهم.

ولقد تساءَلتُ حينذاك: كيف تسرَّبت هذه السُّموم القاتلة إلى بلادنا، وبتلك الكميَّات الهائلة؟ أين الرقابة يا ترى؟!

إنَّ شبابنا هم عُدَّة مستقبلنا، وحامِلو الراية من بعدنا، فإذا نجَح أعداء الأمَّة في إفساد خُلُقِه وضَياع مُروءته، سهُل عليهم أنْ يُحقِّقوا أطماعهم - لا قدَّر الله - من أقصر طريق.

فمَن هو المسؤول؟ ومَن هو القادر على تأمين الثغور وإحكام الرقابة؟ أليس هو الدولة، ولا أحد غيرها؟

فلنترك الآن عالَمَ الكتب التي تحمل فكرًا مضادًّا أو تستهدف إفسادَ عقيدةِ الشباب وأخلاقهم إلى لونٍ آخَر من هذا القَبِيل، وهو الإعلانات عن الفنِّ والحفلات والملاهي.

وقد دأَب أصحابُها على تزيينها بعباراتٍ ما كان ينبغي أنْ تُسمَع أو تُقرَأ، ولقطات ما كان ينبغي أنْ يَراها أحدٌ، وعنوانات مُبتَذلة وقحة حَرِيٌّ بنا أنْ نمحوها محوًا.

أنت تقرأ في الصحف عن العَشاء الراقص مثلاً، فإذا كان موسم يُظلِّل البلاد تفنَّن مُروِّجو الحفلات ومُقيموها في الدِّعايات والصور الجاذبة إليها، ثم تلتفتُ يمينًا أو يسارًا فترى على "الحوائط والجدران" لقطات مُثِيرة المقصود منها جذْب المشاهد إلى "الفخ"، وحتى جُدران الأماكن المقدَّسة قد تخضع هي الأخرى للصق الإعلانات واللقطات، أمَّا العنوانات فإنِّي لم أستطعْ أنْ أفهم ماذا يُراد من هذا العنوان مثلاً "ألف بوسة وبوسة"، وهو عنوان لعملٍ سينمائي، أوَلستَ معي بأنَّ التسيُّب في هذا المجال قد بلَغ مَداه، ومَداه الخيالي، ثم ما هي الخطوة التالية لهذا الانحِلال؟ لقد استهلكوا كلَّ العبارات المغرية على الباطل، فماذا هم فاعلون بعد هذا يا ترى؟

وبقي ما يُقدَّم على مَسارِح الدولة ودُور العرض، وما يُعرَض من خِلال الشاشة الصغيرة التي امتدَّت شرايينُها إلى مُعظَم المنازل والنوادي والحوانيت والملاهي، وتطفَحُ هذه الروافد في أغلب الأوقات بما يُدمِّر الخلُق ويزين الشَّهوات، ويُؤصِّل عَوامِل العُنف في نُفوس الشباب باسم الفنِّ، ويتَّخِذ من الحب الجنسي وفوضى العلاقات والاجتِراء على القيم مادَّة خصبة لأحداثه، ولأنَّ التجرُّؤ على القِيَم من السِّمات التي ارتَضاها بعض الفنَّانين للتأثير على المشاهد، بالإضافة إلى مِئات روايات الجَيْب، والقصص البوليسيَّة والمغامرات المجنونة، وقد قامت دُورٌ خاصَّة وقفت كلَّ أوجه نشاطها على إفراز هذا اللون دُون التفرقة بين ما هو مفيدٌ وما هو ضارٌّ، مَطابع تطبَعُ، وأسواقٌ تُوزِّع، وأموال تُبدَّد، وشباب يُضيَّع!

أصبح قتْل الوقت - وكان يجب أنْ يحيا - سهلاً ميسورًا بمعرفة هذه الروافد، وصفوة القول: إنَّ هذه "الشواغل" لو اقتصر ضررها على ضَياع الوقت في غير ما يُجدِي لكان ذلك كافيًا في توجيه الاتِّهام إليها وإدانتها، ولكنَّ الضرر لم يقفْ عند هذا الحدِّ، بل تعدَّاه مرَّات ومرَّات، أفلا يستحقُّ الموضوع منَّا وقفة موضوعيَّة جادَّة نحمي بها عَقائد شبابنا وأخلاقهم وسُلوكهم، ونخضع كلَّ الطاقات لبناء الشباب الواعي المسامح بالعلم النافع، والإيمان القوي، والخلق القويم، فلا نترُك الشباب فريسة لهذه الأوهام، ونجعَل منهم مصدرًا مشروعًا لثَراء أعداء الأمَّة على حِساب خُلُقِهم ودِينهم.

فمَن هو القادر على هذه الوقفة الموضوعيَّة؟
ومَن هو المسؤول عنها؟
أليس هو الدولة صاحبة السُّلطان، والدولة وحدَها؟!


إنَّ الخلاصَ من هذه الشرور ميسورٌ؛ فإنَّ وزير الثقافة والإعلام حينما أرادَ منع الإعلانات عن "التدخين" في الإذاعة وفي التليفزيون، لم يُكلِّفه الأمر سوى توقيع قرارٍ وُزِّعَ على الأجهزة المسؤولة وبعدَه اختفى كلُّ شيء، فلم نسمَعْ "سوبر كينجر ولا كينجر سوبر" وهي ومضة مشرقة لا شكَّ.

ونقولها بصَراحة: إنَّنا في حاجةٍ إلى قَرارات أخرى أثمن صيدًا، وأكثر جُرأة، وهي بدَوْرِها لن تُكلِّف إلا الإعداد والتوقيع، وبعدها سيختفي كلُّ شيء يمسُّ الأمَّة في أخلاقها ودِينها وحَياتها، إنَّنا في حاجةٍ إلى "تطهير" الفن ليَسمُو بذوقنا ومشاعرنا؛ فيكون منارةَ هُدًى، تُثقِّف، وتُعلِّم، وترشد، وتمنع وتقنع، وتهذب وتوجِّه، وفي حاجةٍ إلى "تطهير" الإعلام من السَّفاسِف والمحقَّرات، ويوم يفعَلُ فسيتولَّى الله جَزاءَه، سواء أثنى عليه الناس أو ذمُّوا، فما هم بمالكين له نفعًا ولا ضرًّا.

6- التبرُّج والاختلاط:
وفي مجال التبرُّج والاختلاط يختلفُ دور الدولة عنه في المجالات السابقة، وأستأذِنُ القارئ هنا أن نُفرِّق بين كلٍّ من التبرُّج والاختلاط في تحمُّل الدولة نصيبَها في أيٍّ منهما، فإنَّ المسؤوليَّة فيهما تختلفُ، فليس هما سواء.

فالتبرُّج وهو خُروج المرأة أو الفتاة سافرةً كاشفةً عن محاسنها لكلِّ ذي بصر، وقد تضمُّ إلى السُّفور التكلُّف في المشي بطريقةٍ غير كريمة، والتلوِّي في الحديث، والافتتان في وضْع أدوات الزينة.

إنَّ المسؤوليَّة في هذا السلوك تقع أولاً على المرأة أو الفتاة نفسها، ثم على الزوج أو الأب أو مَن له حقُّ التوجيه عليها؛ إذ ليس من الممكن أنْ تراقب الدولة تصرُّف كلِّ امرأة أو فتاة، وتُلزِمها وهي في بيتها أن ترتدي كذا قبل الخروج، فمن الإنصاف أنْ نقول: إنَّ المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على "المخالف" نفسه، ثم على ولي أمره زوجًا أو أبًا، هذا هو الحقُّ.

ولكنَّ الدولة مسؤولةٌ مسؤوليَّة أصيلةً عن التبرُّج والسُّفور والميوعة والخلاعة التي تظهَرُ بها الممثِّلة على خشبة المسرح أو وَراء الشاشة، ومسؤولة عن طريقة كَلامها وأَدائها الفني في كلِّ ما يصدُر عنها، ومسؤولةٌ عمَّا يُنشَر من صُوَرٍ نصف عارية في المجلات أو الصُّحف اليوميَّة، وعمَّا يُلصَق من إعلاناتٍ في الطريق العام وفي الميادين.

ومسؤولةٌ كذلك عن السُّفور والخروج عن "اللياقة" التي تبدو فيها بعضُ طالبات الجامعة، أو بعضُ النساء اللاتي يعمَلنَ في مَصالِح تابعةٍ لها.

لأنَّه من الممكن، بل من الواجب أنْ تُصدِر الدولة تشريعًا يضَعُ مقاييس دقيقة لكلِّ عملٍ فني يُقَرُّ ويُعرَض على الجمهور؛ بحيث إذا خالَف العمل الفني تلك الحدود التي وُضِعَتْ لا يسمح بإخراجه ولا عرضه، ولو حدَث هذا لما خالَف مؤلِّف ولا مخرِج ولا ممثِّل ولا ممثِّلة، ما داموا يعلَمُون أنَّ الخروج عن "حد اللياقة" مَعناه مصادرة أعمالكم ووأدها وهي في "اللفَّة" لم ترَ الضوء.

من الممكن، بل من الواجب أنْ تُصدِر الدولة قواعد تُحدِّد الشروط اللازم احترامها في زِيِّ طالبة الجامعة، بحيث إذا خُولِفت لا يُسمَح لها بالحضور ولا بأداء الامتحانات.

ومثل هذا يمكن عمله، بل يجبُ في شأن كلِّ سيدة أو فتاةٍ تعمل وتتَّخذ من زيِّها معرضًا للفت الأنظار، ومن مَقَرِّ عملها مسرحًا للتقاليع والزينة.

ومن المفارقات العجيبة أنَّ الدولة نجحَتْ في إلزام طالبات الإعدادي والثانوي بارتداء الزِّيِّ المحتشم، وفي الوقت نفسه تُهمِل طالبات الجامعة، وهنَّ أولى بالاحتشام من طالبات الإعدادي والثانوي؛ لأنهنَّ يختلطنَ بالطلبة في المدرَّجات والمقاصف والردهات؟!

فكان الأحرى أنْ يَظهَرنَ بمظهرٍ كريمٍ لائقٍ باعتبارهنَّ طالبات جامعيَّات أكثر نُضجًا وفَهمًا من غيرهنَّ.

نسأل: لماذا لا يَحمِل نجاحُ الدولة في المرحلتين الإعدادي والثانوية بالنسبة لزيِّ الطالبات على تحقيق نجاحٍ مثله في الأوساط الجامعيَّة، وهو نجاحٌ مضمون لو وضَعنا في اعتبارنا أنْ نحقِّقه؟


إنَّ طالبة الجامعة يجب أنْ تُكرِّس كلَّ جهودها وفكرها ومشاعرها للتحصيل العلمي والسعْي وراء المعرفة الرشيدة، أمَّا افتتانها بالتزين وحِرصها على أنْ تبدو "نجمة ساحرة" فذلك مُنافٍ لدورها الذي يجبُ أنْ تُؤدِّيه على وجْه مُرْضٍ.

هذا بالنسبة للتبرُّج وتوزيع المسؤوليَّة فيه.

أمَّا الاختلاط فإنَّ المسؤوليَّة فيه تقَعُ على عاتق الدَّولة أولاً وأخيرًا، فقد أباحَتْه في الجامعة طوعًا واختيارًا، وإذا كان هذا هو شأن الجامعة مهْد العلم والثقافة والتوجيه الرفيع فما بالك بغيرها من المواقع! وتلا ذلك الاختلاط في مقارِّ العمل، وفي دُور اللهو، وفي المواصلات، وفي الأسواق، وعلى الشَّواطِئ، ونشَأت العلاقات المريبة وكثُرت الخلافات بين الأزواج، واتَّخذ كلُّ مسؤولٍ ولو صغيرًا سكرتيرة ومديرة مكتب، ووزَّعت المرأة ولاءها بين بيتها ورئيسها، وتسرَّبت الشُّكوك، وعَمِلَ الشيطان عملَه في إشعال نِيران الفتنة وإيغار الصدور، وعمَّت الفوضى، فلكلِّ كلمةٍ ظاهرٌ وباطنٌ، ولكلِّ حركةٍ سرٌّ، تُهَمٌ لا حَدَّ لها، وتأويلاتٌ يُزكِّيها الشيطان، فيُرمَى البريءُ بذنب الآثم.

وإذابة "الحواجز" بين النوعين: الذكور والإناث، أو الرجال والنساء، مهما تحمَّس لها أنصارُها فإنها أوسَعُ أبواب الشُّرور بشَهادة الواقع؛ إذ كثيرًا ما يتولَّد عنها مُركَّب غريب تنبعث منه شحنات ناسفة ومُدمِّرة للحياء والخلق الكريم.

فها هي ذي الولايات الأمريكيَّة تصحو على دقَّات نواقيس الخطر، وتضيقُ بعضها ذرعًا بفَوضى العُري والاختلاط والأدب المكشوف والفن المبتذل، وترفَع الأصوات في ولاية "لوس أنجلوس" تُطالِب بالعَوْدة إلى رعاية التقاليد بالفصل بين النوعين، كما تُطالِب بتطهير الفن من التبذُّل والخلاعة، وتحتجُّ على ظُهور "الأدب المكشوف"؛ حرصًا على أخلاق الشباب وسَلامة سُلوكهم، وطالبت بإغلاق المحال التي يلتَقِي فيها النوعان، كما طالبت بمصادرة كلِّ عملٍ فني يُحرِّض على أعْمال الإجرام والعُنف[5].

ونحن كما جاء في القول المأثور: "أولى بالعدل من كسرى"، فيجبُ أنْ نُبادِر بإصدار التشريع الذي يكفل حماية شبابنا من المهاوي المهلِكة التي تعرَّض لها الشباب الأوروبي، ولا نقول: إنَّنا نطالبُ بالعودة إلى "الوراء"؛ فالوراء هو ما نحنُ فيه، وإنَّما نُطالِبُ بالعودة إلى الأمام الذي عِشناه قبلُ، ثم افتقَدْناه حينما قلَّدنا غيرَنا بلا وعيٍ، ولكن مَن هو القادر بالنداء فينا لنلتفت إلى الإمام؟ إنَّه الدولة، والدولة وحدَها عليها أنْ تُحدِّد نقطة البدء ثم تُنادي فينا بالمسير، وعلينا السمع والطاعة؛ لأنَّنا لن نُخالِفَ دعوة تردُّ علينا صوابنا، ولن ندفع يدًا تنزع الغشاوة عن أبصارنا، بل إنَّنا نُبارِك كلَّ جهدٍ بنَّاء يحترمُ الحقَّ ويرمي قواعِدَه، وينفذ في خلْق الله شرعَ الله لهم، فحرامٌ واللهِ أنْ نُمهِل هذا النِّداء.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: 59]، وهذا أمرٌ وتوجيهٌ للنِّساء والفتيات المؤمنات، هذا التوجيه الرشيد الذي يمنَعُ فوق التبرُّج اختلاطَهنَّ بأجانب، وهو التوجيه الرشيد الذي يقولُ الحكيم فيه: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].

نظامٌ حكيم ومنهجٌ رشيد شرَعَه الله للمرأة المسلمة: غضُّ البصر عن المحرَّمات، وحفظُ الفُروج من الموبقات: وإخْفاءٌ للزينة إلا ما ظهَر منها ضرورةً؛ كالوجه والكفين، وما عداهما فحرامٌ أنْ يَراه منها أجنبي عنها.

ولا بأس أنْ تُخفِّف المرأة من سِترها - فيما جرَتْ به العادة - في حضرة زوجها إذ له أنْ يرى منها ما لا يراه سِواه، أو في حَضرة أبيها أو أبي زوجها؛ لأنها محرَّمة عليه، أو في حَضرة بنيها أو بني زوجها، أو إخوانها أو بني إخوانها أو بني أخواتها، وهؤلاء كلُّهم ذُكورٌ هي محرَّمة عليهم إلا زوجها.

أو في حَضرة مَن يقومُ بخِدمتها من النساء، أو في حضرة عَبِيدها إذا وُجِدوا؛ لأنَّها صاحبة القوامة عليهم.

ومثل هؤلاء في انتِفاء الضرر منهم التابعون من الرجال الذين لا إرب لهم في النساء، ومثلهم الأطفال الذين لم يطَّلعوا على عورات النساء، وهو تعبيرٌ حكيم يُراد منه أنَّ الأطفال لا فقهَ لهم بأسرار النساء، وهؤلاء لا يُخشَى منهم ضررٌ.

وقد نهى الله المرأةَ أنْ تضرِب برِجلها في سيرها أمام أجنبيٍّ أو في حضرتِه؛ حتى لا يسمَع صوت حُلِيِّها أو خلخالها وهو الزينة الخفيَّة الواجب سترُها، ونَهاها عن كشْف العنق؛ لأنه من "المحاسن" التي يجبُ سترُها.

ثم يُنادِي الحقُّ - سبحانه - المؤمنين فيقول: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].

وهو نداءٌ واجب الطاعة، نداءٌ للمجتمع المسلم كلِّه، فإلى متى نصمُّ آذاننا عنه يا ترى، وقد فاتَنَا الفلاحُ المترتِّب على الإذعان له؟


ويقولُ الحقُّ لنساء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وللنساء المؤمنات: ﴿فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: 32].

والخُضوع في القول هو: تَطرِيتُه وتنغيمُه وتكسُّره، ومن شأن القول الذي هذه صِفَتُه أنْ يُحرِّك كَوامِن النُّفوس؛ فيطمع السامع غير التقيِّ الورع في الحرام، وربما يفعلٍ ما يُدنِيه منه، وسدًّا لهذه "الثَّغرة" نهى الله المسلمات عن التميُّع في الكلام، ولكن للأسف الشديد فإنَّ بعض الأعمال الفنيَّة تُلقِّن بناتنا دروسًا عمليَّة في تميُّع القول ورخاوته، مصحوبًا بالحركات أحيانًا، أفليس في هذا تحدٍّ سافرٌ لمنهج الله، منكرٌ قبيح لا نتناهى عنه، بل تَسابَقَ الفنانون والفنانات تمثيلاً وغناء ورقصًا في إبرازه وعَرضه، واتَّخذوه مَنفَذًا للتأثير على المشاهدين والسامعين، أو مِقياسًا لنجاح فنِّهم.

ويمضي القُرآن في وضْع التدابير الكفيلة بتحقيق العفَّة والطهارة في العلاقات وفي السُّلوك فيقول: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: 53]، فإذا اضطرَّ الرجل لطلب شيءٍ من امرأةٍ فلا يُسلِّط نظَرَه عليها، ولا تُسلِّط هي نظرَها عليه، وليكنْ بينهما حجابٌ ساتر، وإلا فإنَّ التقوى والورَع وغضَّ البصر إلا للضرورة هي الحجاب بينهما، ذلك هو اختيارُ الله للمُسلِم والمسلِمة، وإذا اختارَ الله لنا أمرًا وجبَ نفاذُه؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36].

ليت شعري متى نتوب ممَّا نحن فيه ليتوب الله علينا ويهدينا سُبُلَ السلام؟


7- الدعوة:
أمَّا الدعوة فإنَّ الدولة هي المسؤولة وحدَها عن القيود التي فُرِضَتْ على الدعوة فيما مضى، ودور الدولة فيها تجاوَز مرحلة السكوت عن فعلٍ ضار إلى مرحلة خلْق ذلك الفعل الضار رأسًا، وهذا لا نِقاشَ فيه.

أمَّا القُصور الحالي في أجهِزة الدَّعوة فهو مسؤوليَّة الدولة أيضًا؛ إذ عليها وحدَها يقَعُ العِبء في استمرار ذلك القُصور.

هذا، ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ الدولة بهيمنتها على المدرسة والإعلام والفن والشارع، وسُلطانها العام على مُراقبة أيِّ نشاطٍ وإرخائها العنان لتلك الروافد في إذاعة أو نشْر ما يضرُّ بالعقيدة والسُّلوك، فإنها تتحمل مسؤوليَّتها كاملة في خلْق نوعٍ من الصِّراع الفكري أو المنهجي بين أجهزة كلٍّ منها يضاد أحيانًا ما تهدِف الدعوة إلى تثبيته، هذا يبني أو يحاول البناء، وذاك يهدم أو يحاول.

وإلا فقُلْ لي بربك ما موقف شاب مثلاً سمع خطيبًا يتحدَّث عن آداب المرأة المسلمة من حِشمة ووقار، وبُعد عن الرِّيبات، ثم يجلس أمام الشاشة ويقضي سهرة "ممتعة" مع عملٍ فني تَذُوب فيه كلُّ الحواجز بين رجلٍ وامرأة؟ ما موقف هذا الشاب؟ أليست الدعوة جِهازًا من أجهزة الدَّولة، وكذلك الشاشة؟ ما هذا التضارب إذًا؟ ثم ما الذي تريدُ أنْ تقوله الدولة للناس؟ الذي يلهَجُ به الدعاة أم الذي يُقدِّمه الفن والفنَّانون؟ قلقٌ وحيرةٌ لا حدَّ لهما، لا ينتجان إلا الاستخفاف بشأن القِيَمِ، ولو أنَّ الدولة حاوَلتْ تنسيقها بين أجهزتها، ووجَّهتها جميعها إلى هدفٍ واحد لحقَّقت بقليلٍ من الجهد كثيرًا من النجاح.

8- الفراغ:
وأمَّا الفراغ القاتل الذي يتعرَّض له الشباب وتضيع معه طاقاتٌ هائلة من ثروة الأمَّة في شَبابها، فإنَّه من الميسور أنْ تُخطِّط الدولة لامتِصاصه على نحو ما تقدَّم من اقتراحات، وهي بالطبع أقدَرُ على وضع الخطط للمشاريع التي تُستَثمر فيها طاقات الشباب، فتُحوِّلها من قُوًى ضائعة حينًا ومُدمِّرة أحيانًا إلى عملٍ مثمر تستفيدُ منه الأمَّة ويستفيدُ منه الشباب أنفُسهم، وما أكثر الميادين والموارد المعطَّلة التي هي في حاجةٍ إلى بذْل الجهد وإعمال الذِّهن، فلنُفكِّر جدِّيًّا في وضع الحلول لهذه المشكلة، والتفكير أولى الخطوات في طريق الحلِّ، وما هو على المجدِّين بعزيز!

هذا فيما يتعلَّق بدور الدولة بالسُّكوت عن الفعل الضار مع القُدرة على منع وقوعه، أو وقفه إنْ كان قد وقَع، وهو الاعتبار الأوَّل من اعتبارين اتَّخذْناهما مدخَلاً لتحمل الدولة نصيبَها في المسؤوليَّة عمَّا أزهد الشباب في الدِّين وأقصاهم عنه.

الاشتراك المباشر:
الاعتبار الثاني: هو الاشتراك المباشر في صُنع الفعل الضار المؤدِّي إلى الضَّرر، فنُوجِز الحديث عنه فيما يأتي:
في عُصور الضَّعف التي مرَّت بها الدولة حين بسَط الاستعمار الفرنسي نفوذَه عليها حينًا ثم الاستعمار الإنجليزي حينًا آخَر، ومن قبلها كان الحُكم العثماني مُسَيْطِرًا على مَصائر البلاد، في تلك العصور رضَخت الدولة لكلِّ ما يُراد بها، وانتهز المستعمِرون هذه الفُرَصة فصوبوا سهامهم إلى صدْر الأمَّة، وأثخنوا كلَّ موضع فيها بالجراح الغائرة، والطُّعون الممدَّة، وما تَزال آثارها باقية حتى الآن، بل إنَّ الفساد قد سرَى إلى ما لم تُصِبْه أيديهم حتى استَفحَلَ الداء، وعزَّ الدواء، وعزلوا الأمَّة عن ماضيها، ووضعوا الحجب بينها وبين دِينها، وأحلُّوا مدنيَّاتهم بما فيها من زيفٍ محلَّ الدين بأوامره ونواهيه، وأقصوه عن الرِّيادة إقصاءً كله حقدٌ ودهاءٌ، ولكن كيف توصَّلوا إلى أهدافهم هنا في قلب العُروبة والإسلام؟

لقد وجَّه المستعمرون ضرباتهم إلى الإسلام الضربة تلوَ الأخرى، فتوصَّلوا تحت شعار التحضُّر والمدنيَّة وتطوير القوانين إلى إبطال العمل بأحكام الإسلام، وحلَّت القوانين الوضعيَّة محلَّها في دوائر القضاء، وحَكَم القضاء بغير ما أنزل الله، وكان المستعمِرون أذكياء في محاربة الإسلام؛ إذ لم يرفُضوه طفرةً واحدة، وإلا لانكشَفَ أمرهم، وللقوا بعض العناء وإنْ كان يسيرًا؛ ولهذا فإنهم لجؤوا إلى "تجزئة" الخطَّة؛ مادَّة تَلغِي حُكمًا، وقانون يحلُّ محلَّ قانون إلى أنْ تَمَّ لهم عزْل الأحكام الإسلاميَّة فيما يتعلَّق بالجرائم والعُقوبات والمعاملات، ولم يبقوا إلا على المحاكم الشرعيَّة التي وقَفتْ على النظَر في الخِلافات الزوجيَّة وما يترتَّب عليها.

وبإلغاء الأحكام الشرعيَّة في التجريم والعِقاب، وما استحدثَتْه قوافلُ المستعمرين من ألوان الحياة التي لم تكنْ معروفةً لأبناء الشرق، أخَذ الفسادُ يتسرَّب إلى الحياة الاجتماعيَّة فاستخفَّ الناس بالقِيَم تحت بريق المدنيَّة، فتبرَّجتِ المرأة واختلطتْ بالرجال، وأُبِيحَ شربُ الخمور؛ إذ لم تتعدَّ عقوبة السكر دفعَ غرامةٍ غير موجعة، وفشَتِ الفاحشة، واختُلِست الأموال، والتفَّ الناس حول موائد القمار وعمَّ الفساد كلَّ مَناحِي الحياة.

وانصَهرَتِ الشخصيَّة الإسلاميَّة، وذابَ الخلق المسلم في هذا الجوِّ الوبيء، صحيحٌ أنَّ الشعب المصري ظلَّ محتفظًا بخلقه الكريم إلى ما بعدِ الحملة الفرنسيَّة على مصر، بدليل أنَّ ثورة القاهرة الثانية كان من أبرز أسبابها أنَّ المصريين أنكَرُوا على الجنود الفرنسيين شُربَهم الخمور على قارعة الطريق، واعتبَرُوا هذا السُّلوك من الغُزاة طعنةً مهينةً مُوجَّهة إلى مَشاعِر الشَّعب، فثاروا من أجْلها.

ولكنَّ طُول المعاشرة مع نصْب الشراك للشعب، وقوَّة الجرعات التي كان المستعمِر يحقنهم بها، والتفنُّن في الإغراء، أنسى الأجيال الصاعدة أصالة مقوماتهم؛ فجرفهم التيَّار جرفًا، ولم ينجُ منه إلا القليل، ولم تمضِ أعوامٌ حتى أصبح كلُّ حرامٍ حلالاً، وكلُّ ممنوع جائزًا.

فالإسلام في جُملته تزمُّت وجُمود، والإيمان والكفر مسألة اختيار، وشرب الخمور مُباحٌ، والزنا أيضًا مُباح في كثيرٍ من صُوَره، والربا مصدرٌ من مَصادِر الرِّبح، ومورد من موارد الدولة، وتبرُّج المرأة تحرُّرٌ، واختلاطها بالرجال في كلِّ مكان مدنيَّةٌ، وخُروجها من بيتها بمفردها ولو للسفر أو للتنزُّه حقٌّ مكفول، ومحاربة القُرآن والأزهر شجاعةٌ، والسخرية من رجال الدِّين فكاهة، وتوجيه الدِّين للفرد والجماعة قيودٌ وأغلالٌ، والحِرص على العمل بشريعة الله تعصبٌ، والتَّقوى والورع دَرْوَشةٌ، والحِشمة والوقار رجعيَّةٌ، والاشتغال بعلوم الدين درسًا ودعوة "فقهنة وحانوتيَّة"، وإذابة الفوارق بين الذكور والإناث تهذيبٌ وتحضُّر، ومُعاقَرة النساء والرقص والطرب فنٌّ ومتعةٌ.

وهكذا أطلَقُوا على كلِّ ما هو إسلامي وَصْفًا يُزهِّد الناس فيه، وعلى كلِّ ما هو مخالفٌ للدِّين وصفًا يُرغِّب الناس فيه؟

وحاربوا كلَّ ما له صلةٌ بالدِّين، فخيول الغُزاة اتَّخذت من "الجامع الأزهر" إصطبلاً تستريحُ فيه، واللغة العربيَّة نفَّروا منها بَنِيها، فتعلُّمها ضياعٌ، والمتكلِّمون بها في أقوى أساليبها "مُتَحذلِقون"، وجنَّد المستعمرون عُمَلاءَهم هنا لأنهم أقدَرُ على محاربة اللغة من أولئك "الأعاجم"، فنادى العملاء بهجْر اللغة الفصحى وطَرْدِها من مجال الحديث والكتابة؛ لتحلَّ محلَّها الأبجدية (اللاتينية)، والهدف من ذلك مفهوم؛ لأنَّ العربيَّة وعاءُ الدِّين ومفتاحُ كُنوزِه، فإذا نجحوا في "هدْمها" فقد هدَمُوا الدِّين، ولولا صلةُ العربيَّة بالدِّين لما مسوها ولا مسًّا خفيفًا، ولكنَّ الغاية - كما قالوا - تُبرِّر الوسيلة، فإذا كانت الغاية هي هدْم الدين فكلُّ وسيلة تُؤدِّي إليها تكون محبَّبة!

وحين رحَل الاستعمارُ العسكري عن البلاد، ورحَل معه التحكيمُ في شُؤونها وإدارتها، أبقى وراءه أشكالاً متعدِّدة من ضُروب الاستعمار البَغِيض، فما زال الاستعمارُ الثقافي جاثِمًا على الصُّدور، وما زالت التقاليد والأعراف تحكُم الكثير من تصرُّفاتنا في الأفراح والمآتم والحفلات والمواسم، وما زال عُمَلاء الاستعمار يُروِّجون أفكارَه ومبادِئَه؛ حتى لتغلب على عقائد الكثير منَّا، وما زالت كراهية الدِّين والنفور منه تُسَيْطِرُ على بعض المشاعر.

لقد حاكَيْنا الغربيين في الكثير من مَساوِئهم، ولم نُحاكِهم في مَحاسِنهم، لدرجةٍ افتقدنا فيها كلَّ خَصائص شخصيَّتنا، وقد صدَق مَن قال: لو أنَّ باحثًا جاء إلى بلدٍ إسلامي[6] ليتعرَّف على خصائص المسلم من سُلوكه العام كما ينبغي أنْ يكون، لما لمس في سُلوكنا ملامح المسلم التي تُميِّزه عن سِواه من المجتمعات غير الإسلاميَّة.

والمسؤول عن هذا "الذوبان" هو الدولة التي رحَّبت بما يُراد بها من المستعمِرين، ولا عُذرَ لها في أنها كانت مشلولة الإدارة، فإنَّ الموت في سبيل الدِّفاع عن دِينها وكرامتها كان أشرف لها من الرضا بالضيم والهوان.

فإذا ترَكْنا شأن الدولة حين كانت خاضعةً للاستعمار الغربي، مُكتَفِين بهذا القدْر وولَّيْنا وجهنا شطر الدولة في ظلِّ السَّيْطَرة الشيوعيَّة متمثِّلة في الاتِّحاد السوفيتي، فإنَّ لونًا جديدًا من الصِّراع الديني والفكري كاد يطحن عقيدة الشباب طحنًا، لولا يقظة واعية مَنَّ الله علينا بها، ولكنها يقظةٌ لم تستأصلْ كلَّ مواطن الداء، فهي وإنِ اقتلعت أشجارَه فما زالت جُذورها تمتدُّ تحت السَّطح حتى الآن، وتحاول أنْ تشرَئِبَّ من أجداثها من جديدٍ، مُدَّعية أنها من "نبات" البيئة وما هي منه، مَذاقها علقم وطَلْعها كأنَّه رؤوسُ الشياطين، أو هو رؤوسها بدون (كأنَّ)!

لأنَّ الفرق بين الغرب وبين المعسكرات الشيوعيَّة كبيرٌ؛ فالغرب في جملته أهلُ كتاب مؤمنون بالله، وعَداؤهم كان مُوجَّهًا للدِّين الإسلامي لا من حيث إنَّه عقيدة، ولكن من حيث إنَّه منهج عمل وشريعة حياة، فالله عندهم "موجود"، وتلك عقيدتهم كما هي عقيدتنا، أمَّا الشيوعيَّة فلا دِين لها، وهي تسعى للإطاحة بالعقيدة الدينيَّة من أساسها، فالله عندهم خُرافة، والدِّين أفيون الشعوب يَعِدُهم ويُمنِّيهم وما يَعِدُهم إلا وَهْمًا وغُرورًا، هذا هو مَكمَن الخطَر.

فماذا فعَل الشيوعيُّون حين وَطِئَتْ أرجلهم، أو قُلْ: مَبادِئهم أرض مصر الطاهرة المؤمنة؟


منذ اللحظة الأولى بدَؤُوا يُروِّجون لفكرهم، فبثوه بين الشباب بثًّا، واستعانوا على ذلك بخطَّةٍ بارعة استجابت لها الدولة وجنَّدت كلَّ طاقاتها الفكريَّة لنشر الشيوعيَّة؛ فكرًا ومبدأً، وذلك من خِلال القنوات الآتية:
أولاً: إنشاء صحف ناطقة بفِكرهم الهدَّام وفي مُقدِّمة تلك الصحف كانت مجلة "الطليعة" ثم "الاشتراكي" وقد وقفت "الطليعة" كلَّ جُهودها لترويج الفكر الشيوعي، ثم مهاجمة الإسلام وكلِّ ما يتَّصلُ به.

ثانيًا: المراكز الثقافيَّة الشيوعيَّة، وقد نشطت هذه المراكز في بثِّ الفكر الشيوعي عن طريق الكُتيِّبات الأنيقة الإخراج، المصقولة الورق، المزخرفة الغلاف، الرخيصة الثمن، الحمراء الاتِّجاه، فقد لفت نظري أنَّ كتبهم كانت تُباع في المعارض الدوليَّة بأزهد الأثمان، وقد زُرتُ يومًا جناح الاتحاد السوفياتي في أحد معارض الكتاب التي نُظِّمتْ في القاهرة، وانتقيت بعضَ المؤلفات، واعتقدت أنَّني سأدفع فيها ثمنًا كبيرًا لجمال إخراجها وكثْرة ما اخترتُ منها، وعند استلام "فاتورة" الدفع ذهلت حيث لم يتجاوَزْ المطلوب منِّي سوى ثمانية وأربعين قرشًا!

وفُوجِئت مرة أخرى بعد وُصولي إلى المنزل أفحَصُ ما تَمَّ شِراؤُه، فإذا بي أجدُ كتابَيْن وُضِعَا في الكيس دون أنْ أراهما أو أدفَع ثمنهما؛ أحدهما يحمل اسم "لينين"، والثاني اسم "مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية"، وكنت قد ظننتُ أنهما وُضِعَا خطأً، وعزمت على إرجاعهما، لولا أنَّ ميعاد المعرض كان قد انتهى، ثم حدَّثني زميل بأنهم عادةً يلجؤون إلى دسِّ مثل هذه الرسائل إذا لم يختَرْها الزبون من تِلقاء نفسه.

ثالثًا: ضَمان وُجود مَناصِب قياديَّة لهم في دُور الصُّحف والمؤسسات الإسلاميَّة؛ كالإذاعة والتلفزيون، ثم أبواق تُردِّد أفكارهم في المدرجات الجامعيَّة، ويكفي أنْ نشير إلى أنَّ تلك المناصب في "روز اليوسف" حوَّلتها إلى صحيفة يسارية؛ لأنَّ رئيس مجلس إدارتها ومُعاوِنيه كانوا يساريين، والواقع قد أكَّد هذه الحقيقة واضحة بلا مواربة ولا التواء.

أمَّا في الجامعة فقد كشَف عُمَلاؤها القناع وقالوا للطلاب: إنَّ الدِّين خُرافة، وهو جرعة تخدير للشُّعوب ليس إلا، وسموا الاعتقاد في الله وما يتَّصل به أوهامًا ومغيَّبات ينبغي عدم التعويل عليها، وهاجموا كلَّ ما يتَّصل بالإسلام من قريبٍ أو بعيدٍ، وادَّعوا أنَّ الإسلام والشيوعيَّة مُتَقاربان، فكان من نتيجة هذا الغُرور أنْ تصيح أوَّل فتاة جامعيَّة صيحة إنكار وتقول: أين الله؟ لأنَّ جاجارين أوَّل رائد سوفيتي للفضاء بحث عن الله فلم يجدْه؟

رابعًا: البعثات العلميَّة الموفدة إلى روسيا لدِراسة العُلوم ومنها التفسير المادي للتاريخ، وهو فِكرٌ يستَهدِفُ اقتِلاع فكرة الإيمان بالله أساسًا؛ لأنَّهم إذا نجَحُوا في هذا فسيَنهارُ كلُّ ما يتَّصل بالدِّين، وقد حدثني بعض المبعوثين إلى تلك البلاد أنَّ الروس كانوا إذا لاحَظُوا استجابة الطالب أو المبعوث لمبادئهم أنزلوه في دار النعيم، ويسَّروا له كلَّ أسباب الراحة والمُتَع، فهم إذًا كانوا يهدفون من وراء تلك "الصلات العلميَّة والثقافيَّة" تلحيد الشباب المؤمن، لا تعليمه ولا تثقيفه لوجْه العلم والثقافة.

خامسًا: إقامة المعسكرات هنا في مصر لتدريب الطلاب على الأساليب الشيوعيَّة ونبوغهم في فِكر "ماركس" وأقطاب الإلحاد، وقد كلَّفت تلك المعسكرات الدولة نفقات طائلة، ولكنَّ المال ليس المهم، وإنما المهمُّ هو الخسارة التي مُنِينا بها في شَبابنا؛ فقد أضلُّوه عن دينه، وأمرضوا فكره وعقله، وما كان شباب المنظَّمة إلا صورة لتلك المحاولات.

وبلَغ الاهتمام بشأْن تلك الدورات أنَّ رئيس الدولة في ذلك الوقت كان يقومُ بافتِتاحها ويُلقِي فيها خِطابًا مُطوَّلاً.

هذا في المجال الإيجابي لبذْر الفكر الشيوعي.

أمَّا في المجال السلبي المناوئ لكلِّ فكرٍ يتصدَّى للفِكر الشيوعي، فقد قامت الدولة لتحقيقه بما يأتي:
أولاً: تكميم أفواه الدُّعاة وفرْض رقابة مُشدَّدة على كلِّ كلمة تُقال أو تُكتب أو تُذاع وأصبحت خطبة الجمعة تُحرَّر من ثلاث نسخٍ في ظلِّ تلك الرقابة كلَّما مرَّ الحديث عنها، والويل كل الويل لِمَن يُخالِف النصَّ أو يجتهد في الإلقاء[7].

ثانيًا: ضرب الجماعات الإسلاميَّة وتشويه سُمعتهم وإلقاؤهم في المُعتَقلات والسُّجون وتعذيبهم بالحديد والنار، وتمزيق المصاحف وتعقُّبهم أينما كانوا، وأخْذهم بالريبة، والحكم على مَن له خطرٌ في مجال الدعوة بالإعدام شنقًا، لا لشيء إلا لأنَّه يدعو إلى الله، ولا يرى لأحدٍ ولاء عليه إلا له.

وها نحن أولاء نعترفُ بعد زَوال ذلك الكابوس الأحمر عن البلاد، نعترفُ بأنَّ هؤلاء الدُّعاة كانوا "مظلومين"، ونحاكم مَن كان يعذبهم أمام القضاء لنردَّ لهم بعض اعتِبارهم بعد إخراجهم من المعتقلات وإتاحة الفُرصة لهم يعمَلُون ويقولون ويعبُدون ربهم، أليس هذا إنصافًا لجورٍ وقع، وتصحيحًا لخطأ مُتعمَّد حدَث ممَّا لا يجوز له على مَن لا يستحق؟

ولا يرتابُ منصفٌ في أنَّ حَركات القمْع التي تعرَّض لها الدُّعاة في ذلك الحين كان المقصود بها إرضاء "الصديق الشيوعي"؛ بدليل أنَّ الحملة التي قامَتْ بها الدولة ضد جماعة الإخوان المسلمين عام 1965 استُغِلَّت للدعاية لتوثيق الصلة بين النظام الذي كان قائمًا في ذلك الوقت وبين روسيا؛ حيث لم يعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن تفاصيلها إلا في موسكو يوم 30 أغسطس من نفس العام في لقاءٍ له مع الطلبة العرب الدارسين في جامعات روسيا؛ إذ ألقى فيهم خِطابًا ضمَّنه اكتشاف "مُؤامرة" يعدُّ لها الإخوان في مصر، وأنَّ التحقيق أثبت صِلتَهم بمصادر أجنبيَّة تُموِّلهم وتُحرِّكهم، فلو لم يكن المقصود الأوَّل من تلك الحملة هو التقرُّب أكثر إلى روسيا لما كان مكان الإعلان عنها هو موسكو بالذات.

ونشَأ عن هذه المساوئ كلِّها نظامُ التجسس الرهيب على المواطنين في كلِّ موقعٍ، ووظَّف الاتِّحاد الاشتراكي قطاعاتٍ هائلة من الشباب لإعداد "التقارير السرِّيَّة" عمَّا يرَوْنه أو يسمَعُونه، ثم تُصاغ تلك التقارير وتُرفَع من مستوى حتى تستقرَّ في النهاية لدى كِبار المسؤولين.

في هذا الجوِّ الخانق نشَأ الشَّباب ضعيف الصلة بربِّه وبدِينه وبقيم أمَّته، ولولا صَحوة أملَتْها الظروف السيِّئة أطَحْنا فيها بشبكات التجسُّس وحطَّمنا سحب الإرهاب العنيف، وأقرَرْنا فيها الحريَّات وأغلقنا المعتقلات، لولا تلك الصَّحوة لما كان يعلمُ المصير الذي ينتظرنا إلا الله وحدَه، ولكن الله سلَّم.

فمَن يا ترى هو المسؤول عن هذه النُّظم؟ أليس هو الدولة، والدولة وحدها؟!
وحتى بعد ثورة التصحيح التي أعادَتْ إلى النفس ثقتها فإنَّ كثيرًا من السلبيَّات ما زال يُخيِّم في الأُفُقِ، وهي سلبيَّاتٌ مساعدة على تنكُّر الشباب للدِّين وبُعدهم عنه.

فالإعلام لم يتخلَّصْ تمامًا من مَوقِفه التقليدي نحو الدِّين، والفنُّ ما زال يُمارَس في حريَّةٍ تامَّةٍ، التهوين من شأن القِيَمِ الدينيَّة في كثيرٍ من صُوَرِه، وما زال الربا مصدرًا من مصادر دُخول الأفراد والهيئات، ودخول الدولة نفسها.

وما زالت البلاد تدينُ بالولاء للقوانين الوضعيَّة في التجريم والعِقاب، وفي ظِلِّ كُلِّ هذه القَوانين نما الفسادُ وانتشرت الجريمة، وما زالت توجيهات الإسلام على "الرف"، لا احترام لها فيما نفعل أو ندعُ!

ومنذ سنواتٍ ارتفعت الأصوات تُنادِي بالعَوْدة إلى حَظِيرة الدِّين، وحتى الآن لم يتحقَّق شيءٌ، لجان ومُذكرات وعرض ونقد، كلها دوائر أو حلقات مُفرَّغة يعود إليها ما يجري فيها فلا يرى النور!

وحين عرض موضوع شرب الخمور على مجلس الشعب، واتَّخذ فيها قرارًا حاسمًا استبشر الناس لأنَّ خطوةً في الطريق القويم قد بدأت، وبين يومٍ وليلة أُعِيدت صياغة القرار ليبقى شربُ الخمور مُباحًا في بعض الأحوال، وقد أصابَ الأستاذ محمد فهمي عبداللطيف أحد كتاب اليوميَّات بالأخبار حيث علَّق على الصياغة الجديدة بقوله: "إنها تنظيمٌ لشرب الخمور وليست تحريمًا"، وهذا قولٌ صادَف محلَّه.

ولم ننسَ ذلك الخِلاف الذي دارَ حول علاقة الشريعة بالدستور، هل هي مصدرٌ أساس من مصادر التشريع، أم هي المصدر الأساس للتشريع؟ والفرق بين العبارتين كبير.

فإذا كانت الشريعة مصدرًا أساسيًّا كان معناه أنها أحد المصادر الأساسيَّة، وإذا كانت هي المصدر الأساسي كان مَعناه أنها المصدر الوحيد الذي نستمدُّ منه تشريعاتنا الجنائيَّة والمدنيَّة، وهذا ما يجب أنْ يُصار إليه، وأيًّا كان الوضع: مصدرًا أساسًا أو المصدر الأساس فإنَّ خُطوةً واحدة عمليَّة لم تُتَّخذ حتى الآن.

وعِلمي وعلم الكثيرين أنَّ الأزهر أعدَّ تقنينًا للشريعة وسلَّمَه لمجلس الشعب، فماذا تَمَّ يا ترى؟ لم يحدثْ شيء حتى الآن، فإلامَ هذا التَّباطُؤ إذًا، وهل يكونُ الشباب مخطئًا إذا انحرَفَ وهو يَرانا نحن نهمل الدِّين أفرادًا ومجتمعًا؟

وإنِّي لأستعيرُ بيتًا من الشِّعر قاله أحدُ الشعراء في الدِّفاع عن "الزمان" يقول فيه:
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا الشباب والدولة
وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا الشباب والدولة



لندافع به نحن عن الشباب فنقولُ:
نَعِيبُ شَبَابَنَا وَالعَيْبُ فِينَا الشباب والدولة
وَمَا لِشَبَابِنَا عَيْبٌ سِوَانَا الشباب والدولة



تلك هي العوامل الفعَّالة التي أودَتْ بالشباب، أو ببعضه الغالب، إلى هذا المنحدَر الخطر، بيت وشارع، مدرسة وفن، فكر وإعلام، تبرُّج سافر واختلاط مشبوه، قصور وآفات في الدعوة والدُّعاة، فَراغ ديني وفكري وعملي، ثم دولة، ولا عُذرَ للدولة الآن وقد تحرَّرت من الضُّغوط الخارجيَّة، وملكت أمرها بيدها.

ما من هذه الأسباب - مجموعةً أو متفرِّقةً - إلا وله دورٌ فيما حدَث، وتتحمَّل الدولة - بالإضافة إلى مسؤوليَّتها الخاصَّة على الوجه الذي قدَّمناه - مسؤوليَّةً أخرى عن تلك الروافد التي تصلح فاسدها، ولم تقوم معوجها مع القُدرة على الإصلاح والتقويم؛ لأنَّ الدولة راعية، وكلُّ راعٍ مسؤولٌ عن رعيَّته، ولأنَّ الله يزجر بالسُّلطان ما لا يزجر بالقُرآن.

أقسام الشباب
وقد نتَج عن هذا كلِّه تقسيمٌ ثلاثي في صُفوف الشباب، لكلِّ قسم خَصائص ومميزات نُوجِزها في الآتي:
إنَّ الكثير ممَّا يجري على مسرح الحياة اليوم مخالفٌ للتوجيه الديني، ولم يبقَ للدِّين في حَياتنا إلا أنْ نجتمع أو يجتمع بعضنا لصلاة الجمعة في المسجد كلَّ أسبوع مرَّة، أو يتردَّد على المسجد نفرٌ قليل لصلاة الجماعة، وهم غالبًا من الباعة وأصحاب الحِرَفِ المتواضعة وغير المثقَّفين ثقافة عنصريَّة، فقليلٌ منهم مَن يغشى المساجد للجماعة، وإلا أنْ يصوم بعضنا رمضان في كلِّ عام مرَّة، أو يحج بعضنا بيت الله الحرام في كلِّ عامٍ مرَّة، أو يتردَّد الحديث القصير في الصُّحف عن العمرة في مواسمها، أو نستدعي "المأذون الشرعي" لعقد النكاح في حفلات الأفراح، أو نذهب إليه لتوثيق واقعة طلاق، أو يتردَّد بعضنا لزيارة المرضى، وهي ظاهرةٌ لم يُقصِد بها الكثيرون منَّا وجْه الله، أو نذهَبُ لنُعزِّي جارنا أو قريبنا أو صديقنا أو زميلنا أو رئيسنا فلانًا، أو نسمع المقرئين يُرتِّلون آيات الله في سُرادِقات العَزاء، أو تُقام حفلات "موالد الأولياء" باسم الدِّين، ويجري فيها ما يَتنافَى مع الدِّين، ومع جَلال الأولياء أنفسهم، أو نحتفل بالمواسم الدينيَّة احتِفالاً دنيويًّا فنعدُّ الطعام والملابس والديكورات أو نقيم السرادقات أو نفتح بعض المساجد للاحتفال ببطولاتنا أو مولد النبي - عليه السلام - أو هجرته أو مَسراه ومِعراجه أو غزوته الكبرى "بدر"، ولا يتعدَّى احتفالنا بها إلقاء الكلمات والقصائد، وإنَّ الله يحب المحسنين!

أمَّا أنْ يكون الدِّين هو الموجِّه لكلِّ تصرُّفاتنا في البيت وفي الشارع وفي المدرسة وفي العمل، وفي السرِّ والجهر، والسرَّاء والضرَّاء، مع الصديق والعدو، في العهود والمواثيق، في أداء الحقوق والانتفاع بالواجبات، في الكسب والمأكل والمشرب والملبس، والعلاقات في العفَّة والنَّزاهة، والأمانة والصِّدق، والإخلاص والإحسان، وتوقير الكبار ورحمة الصغار والإشفاق على الضُّعَفاء.

فذلك شيء - في الغالب - بعيدُ المنال، نصبح ولكلٍّ منَّا هدفٌ، همُّه الوصول إليه مهما كانت الوسائل، ونمسي ولكلٍّ منَّا خطَّة، والمهم تنفيذها مهما كلفتنا من وقت أو مال أو جهد، إنَّ صندوق الدنيا طافحٌ بالأعاجيب، ومسرحها يُؤدِّي في الوقت الواحد بلايين الأدوار: مأساة أو ملهاة، أو ما ليس له اسم ولا عنوان.

وإزاء هذه التناقُضات العجيبة انقسم الشباب بالنسبة لموقفه من الدين إلى ثلاثة أقسام، لكلِّ قسم خصائصه ومميزاته، وهي فيما أرى:
القسم الأول: ويرى أصحابه - وهم كثُر - عدم التمسُّك بالدِّين، مطلقين لأنفسهم العنان في كلِّ ما يمكن الوصول إليه، فلا صلاة ولا صيام، ولا حلال ولا حرام.

وإنما حياةٌ طليقةٌ من كلِّ القيود، يأكُلون ويشربون، ويلبسون، ويلهون ويتمتَّعون، مبدَؤُهم في ذلك مبدأ الشاعر الذي يقول:
مَنْ رَاقَبَ النَّاسَ مَاتَ هَمًّا الشباب والدولة
وَفَازَ بِاللَّذَّةِ الْجَسُورُ الشباب والدولة



الحلال عندهم ما وصَلتْ إليه أيديهم ولو كان حَرامًا، والحرام ما استعصى عليهم مناله ولو كان حَلالاً.

القسم الثاني: وأصحابه يخلطون بين عملٍ صالح وآخر سيء، فهم مُذبذَبون بين ذلك؛ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولا هم مُتحمِّسون للدِّين ولا ثائرون عليه، مبدؤهم في ذلك مبدأ الذي قال:
وَهَلْ أَنَا إِلاَّ مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ الشباب والدولة
غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ الشباب والدولة



إنهم امتدادٌ لحياة المجتمع نفسه الذي خلط عملاً صالحًا بآخَر سيِّئ، فلا جرم أنْ تراهم على آثارهم مقتدين: استقامة وانحراف، تقوى وفجور، وفاء وغدر، أمانة وخيانة، صداقة وعداوة، إخلاص ومخاتلة، حب وكره، زهد وطمع، تصالح وتخاصم، كرم وبخل، حلم في طيش، ومسالمة في دهاء، نصح في غش، صدق في كذب، إلى آخر ما يمكن تصوُّره من تناقضات وأضداد.

القسم الثالث: ويرى أصحابه - وهم قلة - ضرورة التمسُّك بالدِّين، ويتحمَّسون له تحمُّس الشباب نفسه، وهم شديدو الغيرة عليه، لا يفتَؤُون يتحدثون عنه ويدعون إليه، وهم مُخلِصون له كلَّ الإخلاص.

أمَّا ما يرَوْنه في المجتمع من أعمال مخالفة للدِّين فهم شديدو الإنكار له والثورة عليه، وهذا حملَهُم على أنْ ينظُروا إلى المجتمع نظرة سخطٍ وريبةٍ، وبالَغ فريقٌ منهم في وَصْفِه بالكُفر، وقرَّر مُقاطَعته، ودعا إلى الهجرة منه بالاعتزال أو بالخروج!

وكثيرٌ من النُّصوص الدينيَّة الصحيحة تقوى عندهم هذه النظرة الساخطة على المجتمع وما يدورُ فيه؛ ففي القرآن الكريم يقرؤون قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153].

ويقرؤون فيه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44].
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: 45].
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 47].

ويقرؤون فيه: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50].
﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء: 59].

ويقرؤون فيه: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ [النساء: 105].

وفي السُّنَّة المطهرة يقرؤون قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما آمَن بالقُرآن مَن استحلَّ محارمه))[8].

هذه النصوص - وغيرها كثيرٌ - تُوجِّه الاتِّهام إلى كلِّ مجتمعٍ يتنكَّر لشريعة الله، فإذا رأى هذا الفريقُ ما يُخالِف شريعةَ الله دستورًا ونظامًا نحتكمُ إليه، ثم سوَّلت لهم أنفسهم أنْ يَصِفُونا بالكفر والجهالة، فهم معذورون في هذا القول، ولهم فيه سندٌ وبرهان، فكيف يكون العلاج إذًا؟!

والعلاج الذي نقصده هنا ليس هو القَضاء على مَن وصَفُونا بالكفر ورمونا بالجهل والجهالة، وإنما العلاجُ الذي نقصده هو كيف نحمي مجتمعنا من تلك "الظواهر" و"السلبيَّات" التي سوَّغت لهم أنْ يصفونا بتلك الأوصاف؟!

إنَّنا إذا لم نُغيِّر أوضاعنا من سيِّئ إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن، فلن يفيدنا شيئًا أنْ نحكم عليهم بالإعدام أو الأشغال الشاقَّة مُؤقَّتة أو مؤبَّدة؛ إذ ما الذي يضمن - مع بقاء السلبيَّات كما هي - أنْ يخرُج علينا فريق آخَر ويرمينا بالجهل أو الكُفر، الآن أو في المستقبل القريب أو البعيد؟

إنَّ ما يحدُث أو حدَث نذيرٌ لنا بالخطَر لكي ننتَبِه؛ ففي فتراتٍ قريبة ومُتَلاحقة ظهرت حركات: الفنيَّة العسكرية، وجماعة التكفير والهجرة، وجماعة تنظيم الجهاد، وجماعة أخرى نشرت الصحف أنباءها ولم تُسمِّها، وهي كلها جماعات من الشباب الساخط على أوضاعنا فيما يتَّصل بالدِّين، والأحكام التي صدرت ضد جماعة الفنيَّة العسكريَّة لم تُخِفْ جماعة التكفير والهجرة ولا جماعة تنظيم الجهاد، وهذا يُؤكِّد أنَّ منهج المحاكمات غير مُجْدٍ في كفِّ الخطر، فلا بُدَّ إذًا من أسلوبٍ آخَر للعلاج يستقصي مواطن الداء ويقطع الحجَّة على كلِّ ساخط[9].

أمَّا قصُّ طرف النبات مع بقاء الجذور، فغير مُجْدٍ أبدًا، وكما يقول الشاعر:
لاَ تَقْطَعَنَّ ذَنَبَ الأَفْعَى وَتُرْسِلَهَا الشباب والدولة
إِنْ كُنْتَ شَهْمًا فَأَتْبِعْ رَأْسَهَا الذَّنَبَا الشباب والدولة



والرأس المراد قطعه هنا هو السلبيَّات المنكرة التي يعجُّ بها مسرحُ الحياة، وأقول والله وحدَه على ما أقول شهيد: إنَّ جماعة التكفير والهجرة حين كثُر الحديث عنهم بعد مقتل الإمام الشهيد الدكتور محمد حسين الذهبي - رحمه الله - كان كثيرٌ من الشباب يتعاطَفُ معهم في نفس المبدأ مع استِنكاره الشديد للاعتداء على الدكتور الذهبي، وكانوا يقولون: أليس لهم حقٌّ في وصف المجتمع بالكُفر؟!

وكنت أجدُ عناء بالغًا في اقتلاع تلك الفكرة من نفوسهم، وأعترفُ أنَّني لم أستطعْ إقناع الكثير منهم؛ إذ كانوا يستبعدون فكرة الإيمان بمبدأ مع ترك العمل به، وهي حجَّة قويَّة لا تفيدُ معها جرعات "التسكين"؛ إذ سريعًا ما يفقدُ أثره، وليس المهم هو إرضاء الشباب هنا، بل المهمُّ والأهمُّ هو إرضاء الله ورسوله؛ وعلى هذا فإنَّ العلاج الحق لا يكون إلا بالرجوع إلى الله في كلِّ شأنٍ من شؤوننا.

ثلاث بثلاث
إنَّنا في حاجةٍ إلى يقظةٍ دينيَّة شاملة تبدأ بها الدولة في دَساتيرها وقَوانينها ونظمها، فتحلُّ ما أحلَّه الله، وتُحرِّم ما حرَّمَه الله، يقظة تُشرِق في كلِّ قلب، وتسود في كلِّ أسرة وبيت وشارع ومقر عمل، وتُوجِّه كلَّ نشاطنا أفرادًا أو جماعات، يقظةً تُربِّي الجيل على مَوائِد ربهم بكلِّ ما زخرت به تلك الموائد من طهارةٍ وطعام طيِّب شهي؛ حتى يشبَّ الجيل مؤمنًا بربِّه، حافظًا لحدوده، مطيعًا لأوامره، مجتنبًا لمعاصيه، جيل مؤمن يعمل بهدي مولاه، يحبُّ في الله، ويبغض في الله، ويسعى من أجل الخير، ويقرُّ الأمن، ويرفع لواء الفضيلة، حياته كلها حبٌّ وتآلف، ونظام وعمل، وعدل وإنصاف.

وليس في الأرض منهج صالح لإمداد الحياة بهذا الطراز الممتاز من الشباب إلا منهج الله وشريعته؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: 24].

هذا أمرٌ واجبٌ، فقد دَعانا الله ورسوله لما يُحيينا، ولنْ يحيي مواتنا إلا ذلك "الغيث" النازل من السماء، فالأرض لا تحيي أرضًا وإنما يحيي الأرضَ السماءُ.

ولقد تجمَّع ذلك "الغيث" في "مصبِّه" الطاهر، وهو "القرآن الحكيم" وما انبثق عنه من عُلوم ومعارف وتوجيهات جرَتْ بها ينابيعُ السُّنَّة أو أجمع عليها علماء الأمَّة، أو يجمعون؛ ففي ذلك "الغيث" سبب الحياة بروافده العميقة الأصيلة.

غايات المجتمعات
وكل أمَّة ترجو الحياة تسعى لتحقيق ثلاث غايات:
أ- سلطان روحي أو أدبي يمكنها من البَقاء والرِّيادة.
ب- قوَّة ماديَّة تحمي وجودها وتمدُّه بعناصر البَقاء.
ج- أمن عام وخاص تنعم به جماعاتها وأفرادها.

ووسائل تحقيق هذه الغايات في العالم المعاصر لا تخرُج عن:
مذاهب فكريَّة واجتماعية وسياسية وأدبية محوطة بهالة من الدعاية؛ لتحقيق السلطان الأدبي أو الروحي اللازم للرِّيادة.
سعيٌ حثيثٌ لاستِعمار الأرض بما تزخَرُ به من خيرات، واستثمار الطاقات في البرِّ والبحر والفضاء؛ لتحقيق أكبر عائد ممكن تملأ به "خزائنها" للتوافر لها عوامل الثَّراء المادي لضَمان وجودها واستمراره.
جيوش ضاربة في البرِّ والبحر والجوِّ، ومَصانع أسلحة لا تتوقَّف عن إفراز كلِّ ما هو جالبٌ للشقاء؛ ليتحقق لها الأمن المنشود لجماعاتها وأفرادها ولو بالاعتداء والتوسُّع، على حدِّ المثَل الذي يقول: "تغدَّ بالذئب قبل أنْ يتعشَّى هو بك".

هذه الغايات الثلاث العظيمة التي هي الشُّغل الشاغل لكلِّ المجتمعات المعاصرة يضَعُ الله بين أيدينا "وعدًا وميثاقًا وعهدًا" بتحقيقها، لنعمل نحن من جانبها ثلاثًا فيُحقِّق لنا هو بذلك العمل ثلاثًا أخرى هي كلُّ ما يتمنَّاه أيُّ مجتمع يريد لنفسه الحياة وأي حياة!

غاياتنا:
أمَّا الثلاث التي هي من جانبنا فهي:
1- إيمانٌ بالله قويٌّ لا يعرف الضعف.
2- عملٌ للصالحات في الدِّين والدنيا، وهو يشمَل السلوك الخلقي والعمل المثمر في كلِّ ميدان دِيني خالص، أو دِيني دُنيوي.
3- قصْد وجهه الكريم في كلِّ عملٍ نُؤدِّيه، أو فعل نترُكه.

تحقيق وعْد الله:
أمَّا الثلاث التي من جانبه سبحانه فهي:
1- أنْ يستخلفنا في الأرض ويمدَّنا بمقومات الخلاقة وهي مطلبٌ عزيز جدًّا وعظيم الشأن جدًّا لا يهبه الله إلا لمستحقِّيه.
2- أنْ يُمكِّن لنا دِيننا فنَقوى بقوَّته، ونعزَّ بعزَّته، ونحيا بحياته، وفي ذلك للمؤمنين قوَّة وعزَّة وحياة.
3- أنْ يبدِّل خَوفنا أمنًا؛ أمنًا للجماعة بحمايتها من كلِّ الطوائح والكوارث التي تُهدِّد قِيام الجماعات وتسقطها بفعل أعدائها أو بضعف بنيها.

ثلاث بثلاث:
نراها في قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]، هذا وعْد الله للذين آمَنوا ومَن أوفى بعهده من الله؟

وذلك هو "ميثاق النصر العظيم" أحد طرفَيْه هو "الله" وقد وقَّعه وأمضاه، وطرفه الثاني هم "الذين آمنوا" فليوقعوه وليمضوه، ولكن بالإيمان والعمل الصالح والولاء لله وحدَه، ويومئذٍ سيُنجِز الله وعدَه، إنَّ وعده كان مأتيًّا.

وحين نُوقِّع هذا الميثاق فسوف يُحقِّق الله لنا الغايات الثلاث التي تحلم بها كل المجتمعات:
1- سُلطان أدبي روحي يتحقَّق به الريادة العامَّة.
2- وزاد طيب وفير يكفل وجودنا ويضمن بقاءه واستِمراره.
3- وأمن عام وخاص لا يعرف الخوف.

غايات ثلاث عظيمة، لا تتحقَّق إلا بإنجازاتٍ ثلاثة عظيمة.

ثلاث بثلاث، ما أعظمها شرطًا ومشروطًا، إي والله ما أعظمها!

فما هي الوسائل يا ترى التي نستعيدُ بها كَرامتنا وقوَّتنا، الداء قد عرف فما هو الدواء؟
ونسأل: وبأيِّ رُكن من الإسلام نبدأ؟
والجواب:
الدواء هو الإسلام:
بالإسلام كله؛ عقائد، وعبادات، ومعاملات، وتوجيه وعقاب... إلخ.

ونسأل: متى نبدأ؟
والجواب:
أمَّا ثمار هذا البدء إذا تَمَّ فهو إصلاح أوضاعنا كلها، وليس الشباب وحدَه.

ولا أجدُ خاتمةً أنسب أختم بها هذه "السياحة" إلا قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي لتارِكٌ فيكم ما إنْ تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنَّة رسوله))، إي والله: كتاب الله وسنَّة رسوله!

فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزُقنا اتِّباعه، وأَرِنا الباطل باطلاً وارزُقنا اجتنابه يا أحكم الحاكمين.

[1] ويُستَثنى من هذا التعميمِ جامعةُ الأزهر وكليَّة دار العلوم، فللدراسات الدينيَّة فيها شأن.

[2] نقصد بالفن هنا كلَّ ماله صلة بالجمهور تمثيلاً وغناءً ورقصًا وكتابة.

[3] وردت هذه العبارة في آياتٍ كثيرة ومعناها: استقامة السلوك.

[4] سبقت الإشارة إلى هذا الكتاب في فصل (الفكر المضاد) فارجع إليه إن شئت.

[5] نشرت جريدة "الجمهورية" في أوَّل ديسمبر سنة 1977م تحقيقًا وافيًا عن هذا الموضوع.

[6] أي: من البلاد التي خضعت للاستعمار، وإلا فإنَّ بعض المجتمعات الإسلاميَّة ما زالت محتفظة بطابعها العربي الإسلامي.

[7] سبقت الإشارة في فصل الدعوة إلى ذِكر بعض المتاعب التي تعرَّض لها الدعاة.

[8] الترمذي.

[9] جاء حُكم المحكمة العسكرية العُليا في قضيَّة الانتماء إلى جماعة التكفير والهجرة، وذكرت في حيثيَّات حكمها "أنَّه ليس مستحبًا مواجهة الفكر الديني الإسلامي بالقمع أو العُنف أو الإلقاء في غياهب السجون"، وقالت المحكمة: "وليس أبلغ من الحاجة إلى الرُّجوع إلى الإسلام الحنيف"، وطالبت المحكمة والنيابة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها العلاج الوحيد للخروج من هذه الانتكاسات القوميَّة، وهذا كلامٌ له وزن وتقدير (راجع جريدة "الأهرام" الصادرة في 12/3/1978م).





hgafhf ,hg],gm

hgafhf ,hg],gm hgafhf ,hg],gm

جميع الحقوق محفوظة وحتى لاتتعرض للمسائلة القانونية بسبب مخالفة قانون حماية الملكية الفكرية يجب ذكر :
- المصدر :
شبكة الشموخ الأدبية - الكاتب : alshmo5 - القسم : مجلة الشموخ الثقافية
- رابط الموضوع الأصلي : الشباب والدولة

 
 

مواقع النشر

الكلمات الدليلية
الشباب, والدولة
 
 


يتصفح الموضوع حالياً : 3 (0 عضو و 3 زائر)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه الموضوع: الشباب والدولة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
مبادرة بعنوان "الشباب يصنع منبره" لحث الشباب على التقدم بأفكارهم ورؤاهم alshmo5 مجلة الشموخ الثقافية 0 02-03-2012 01:41 AM
سمو الرئيس العام لرعاية الشباب يتبرع بمليون ريال لنادي الشباب في مشاركته الآسيوية طارق عبدالله منتدى الرياضة 6 10-06-2010 05:45 AM
خطاب الألم‏..‏ الدين والدولة والطائفية فيلسوف الكويت منتدى المقالات والنقد 10 07-15-2010 06:48 AM



Loading...

شبكة الشموخ الأدبية قائمة تغذية RSS - الاتصال بنا - شبكة الشموخ الأدبية - الأرشيف - الأعلى - privacy-policy - About - الاعلانات- - Bookmark and Share
للإتصال والإستفسار أرشفة شبكة الشموخ الأدبية
الكويت 0096599579965 yahoo RSS htmlMAP HTML
 فاكس - الكويت 0096524579965 msn MAP XML sitemap.php
البريد الإلكتروني [email protected] feeds.xml sitemap google tags
اقسام شبكة الشموخ الادبية

منتدى الإسلام - منتدى العام - منتدى الإعلام والأعلام - منتدى الترحيب والمناسبات - منتدى الشعر الشعبي - منتدى المواهب الواعدة - منتدى المحاورة والألغاز - منتدى التراث والمنقول - منتدى المقالات والنقد - منتدى الشعر الفصيح - منتدى الخواطر والنثر - منتدى القصص والروايات - منتدى الأسرة - منتدى الطب والعلوم - منتدى الفن - منتدى الرياضة - منتدى التسلية والترفية - منتدى البرامج والإتصالات - منتدى التصميم والجرافيكس - منتدى مرايا القضايا - دواوين الشعراء - مدونات الكتّاب - مجلة الشموخ الثقافية - مكتبة الشموخ الإلكترونية

كلمات البحث

الشعر الشعبي الشموخ الثقافة التراث الأدب النقد الشعر الفصيح المحاورة الالغاز قصائد صوتية قصائد كتابية دواوين شعرية اخبار الشعراء قصائد صوتية القصة الرواية الشاعرة قصص البادية مقالات مهرجانات صحافة شعراء الخليج شعر غزل مسجات أبيات شعرية المواقع الادبية لقاء الشاعر الخواطر النثر شاعر المليون القنوات الشعرية المجلات الشعرية مهرجان الجنادرية هلا فبراير youtube الشعر وكالة انباء الشعر أنباء الشعراء شعراء ليبراليين الشعر الجاهلي العباسي المعنى سمان الهرج قصيدة الشاعرة دواوين الشاعرات صور الشعراء البادية التراث القبائل بنات الكويت بنات السعوديه بنات الرياض بنات الخبر بنات جده بنات الامارات بنات قطر بنات البحرين بنات عمان بنات لبنان بنات سوريا بنات العراق بنات تركيا بنات مشرف اكسسوارات ازياء عطورات ملابس نسائية مجوهرات قصات شعر صبغة شعر بنات المغرب بنات كول بنات كيوت بنات حلوات جميلات العرب بنات مصر بنات الاردن موضة بنات الخليج صور بنات خليجيات عربيات ممثلات طموحات هاويات داعيات شاعرات مواقع بنات منتديات بنات مواقع نسائية منتديات نسائية دردشة نسائية دردشة بنات الحب حبي الحبيبة قصائد عشق قصائد غرام حبيبتي معشوقتي المحبة بنات للتعارف بنات للزواج بنات للصداقة كتابات نسائية مقالات نسائية مهم للنساء قصص عاشقات روايات حب فقط للنساء مجلات نسائية تاجرات عالمات بائعات مبدعات مغنيات بنات المدينه بنات الجهراء بنات الخالدية بنات الجامعه بنات الثانويه بنات مدارس مشاغبات مشاكسات بنات المجتمع نساء المجتمع بنات الدوحه بنات المحرق بنات المنامه شيخة البنات مكياج عرائس ليلة الزفاف ليلة الدخله اغاني بنات رقص بنات فيديو بنات مشاعر بنات احاسيس بنات رغبات بالزواج بنات google بنات yahoo بنات msn بنات massenger بنات انمي بنات توبيكات جمعة بنات جلسة بنات قهوة بنات حقيقة البنات دموع النساء جوالات بنات

الوصلات والروابط الخاصة بـ : شبكة الشموخ الأدبية ( www.alshmo5.com - www.alshmo5.net - www.alshmo5.org )
جميع المشاركات تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر الإدارة
جميع الحقوق محفوظة لـ :
شبكة الشموخ الأدبية

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
ظ„ظٹظ†ظƒط§طھ - ط¯ط¹ظ… : SEO by vBSEO 3.5.1 Trans by
Coordination Forum √ 1.0 By: мộнαηηαď © 2011
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009